تتشكل علاقات الهند وباكستان مع الدول الأخرى من خلال شبكة معقدة من التحالفات الإقليمية والدولية التي تتأثر بالديناميكيات التاريخية والحدودية، وتعكس المصالح الجيوسياسية لكل منهما، لترسم موقف الدول الأخرى الحليفة والعدوة من الصراع المستمر بين خصمين نووين لدودين، وأزمة كشمير الأخيرة القادرة على إعادة تشكيل خرائط النفوذ في جنوب آسيا.
وفي وقت بدا فيه أن لكل دولة معسكرها في أعقاب القصف المتبادل والمواجهات المباشرة التي جرت على جانبي حدود في كشمير المتنازع عليها، نلقي في تقرير جديد، يأتي ضمن سلسلة من التقارير حول العلاقة بين الهند وباكستان، نظرة شاملة على حلفاء كل دولة، والمعسكرات التي تنتمي إليها كل منهما، والوزن السياسي والاقتصادي لكلا الدولتين على الساحة العالمية، والدور المحوري للقوى الدولية في التصعيد بين الدولتين النوويتين.
شبكة معقدة من التحالفات
بنظرة شاملة على تحالفات الدولتين النوويتين، نجد أن باكستان تميل تقليديًا إلى المعسكر الصيني الخليجي، وتميل نحو الولايات المتحدة في بعض الفترات، لكنها في السنوات الأخيرة اقتربت كثيرًا من الصين، وبالتالي، فإن أبرز حلفاء إسلام آباد هي الصين، التي تعد حليفًا استراتيجيًا واقتصاديًا لباكستان بجانب تعاون عسكري واستخباراتي قوي يساعد كلا البلدين على احتواء نفوذ الهند في جنوب آسيا.
وحتى اقتصاديًا، يكفي الاستشهاد بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني أو “الكوريدور الاقتصادي” (CPEC)، وهو مشروع ضخم يضم عددًا من مشاريع البنى التحتية في باكستان، وهو جزء حيوي من مبادرة الحزام والطريق التي تحيكها وتعمل بها الصين منذ سنوات، ويمر المشروع عبر مناطق شائكة مثل كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، وقد توسعت هذه المبادرة مؤخرًا لتشمل أفغانستان، مما يجعل استقرار باكستان أولوية صينة.
ودائمًا ما نجد دعمًا متبادلاً في المحافل الدولية بين باكستان والصين، خاصة في قضايا إقليم التبت وكشمير، مثلما حدث في اجتماع غير رسمي لمجلس الأمن دعت إليه الصين في عام 2019، وناقش خلف الأبواب المغلقة الوضع في كشمير لأول مرة منذ عام 1965.
كما تعد السعودية وغالبية دول الخليج العربي من أبرز حلفاء باكستان، ويتجلى هذا التحالف في الروابط الدينية والمصالح الاقتصادية والتعاون الأمني بجانب الدعم النفطي والتحويلات المالية الضخمة من المغتربين مقابل دعم عسكري من إسلام أباد لدول الخليج، يتجلى بالتدريبات العسكرية والتمرينات.
ينبع ذلك من كون باكستان من أبرز الدول ذات الثقل العسكري في العالم الإسلامي، إذ يُصنف جيشها ضمن أقوى جيوش العالم من حيث العدد والخبرة القتالية، كما تحتفظ بمكانة فريدة كأول دولة إسلامية تمتلك ترسانة نووية، ما منحها بعدًا استراتيجيًا، خاصة في نظر السعودية التي لطالما نظرت إلى إسلام أباد كشريك أمني وعسكري في منطقة مضطربة.
وفي هذا الصدد، تلقَّى الباكستانيون الدعم الفني والمالي من جهات عدة، من بينها السعودية التي لعبت دورًا محوريًا لتصبح باكستان دولة نووية، فبعد التجارب النووية التي أجرتها إسلام أباد عام 1998 ردًا على تجارب الهند، قدَّمت الرياض دعمًا فوريًا سخيًا في ظل العقوبات الدولية والعزلة الاقتصادية بما في ذلك مساعدات خُصصت للمختبرات وصناعة الصواريخ النووية، كما استثمرت خلال السنوات الماضية في مشروعات الأسلحة النووية الباكستانية، على أمل الحصول على الأسلحة النووية في الوقت الذي تشاء.
والسعودية ليست وحدها، فباكستان حصلت على دعم فني من الصين في أوائل الثمانينيات عندما حصلت على مخططات لسلاح نووي، واستخدمت تصميم انفجار اليورانيوم الذي اختبره الصينيون بنجاح عام 1966.
وليس خافيًا أيضًا أن ضم تركيا لقائمة حلفاء باكستان بات حقيقة واضحة في ظل العلاقات العسكرية المتينة، بما فيها تطوير الأسلحة المشترك بجانب التعاون الدبلوماسي، حيث تدعم أنقرة إسلام أباد في قضية كشمير، كما لا تألو باكستان جهدًا بدعم أي موقف تركي على المستوى الدولي والأممي.
ورغم وجود علاقات إيجابية بين ماليزيا وباكستان، إلا أن الأمر ربما لا يصل إلى درجة التحالف الاستراتيجي في ظل اهتمام ماليزيا بالنهضة الاقتصادية والتكنولوجية أكثر من قضايا الأمن والعسكرة.
وقد لا يخفى وجود مصالح مشتركة كبيرة تجمع بين واشنطن وإسلام أباد، لكن تحالفهما متذبذب ومتقلب، وكان في أشده عندما قدَّمت باكستان نفسها حليفًا لأمريكا خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قبل انهياره، وخلال ما سُمي بـ”الحرب الأمريكية على الإرهاب” وغزو أفغانستان، لكن العلاقة توترت بعد اتهامات أمريكية لباكستان بإيواء إرهابيين.
كما يمكن ضم التحالف الكبير بين الهند وأمريكا إلى قائمة منغِّصات علاقات واشنطن وإسلام آباد، وهنا يبدو كيف أن الهند تميل بتحالفاتها إلى المعسكر الأمريكي والغربي، لكنها في الوقت ذاته تحتفظ بعلاقات قوية مع روسيا، وتركز على الاستقلال الاستراتيجي.
ويبدو هذا التوازن الذي تحاول أن تبنيه الهند غير ناجح بالابتعاد ما يكفي عن أمريكا، في وقت بات من الواضح تنامي التعاون العسكري والاستخباراتي والتكنولوجي في ظل شراكة استراتيجية ضمن سياسة احتواء الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي، المعروفة باسم “التحالف الرباعي” أو “كواد”، والتي تضم الهند وأمريكا واليابان وأستراليا، وهو ما يعكس سعي واشنطن إلى تعزيز دور الهند كقوة بحرية مناوئة للصين في المحيط الهندي، ومقابل هذا، تقدم أمريكا للهند دعمًا كبيرًا في المحافل الدولية ضد الصين.
أما فيما يخص روسيا، فإن الهند ما زالت تنظر لموسكو كشريك دفاعي لكن غير رئيسي، وذلك بالنظر إلى التاريخ الذي يقول إن تسليح الهند كان يتم في معظمه من روسيا، بما فيما صواريخ كروز وتكنولوجيا الغواصات النووية، إضافة إلى الحاضر الذي يتحدث عن علاقات يمكن وصفها بـ “الدافئة” رغم تقارب روسيا مع الصين وباكستان مؤخرًا.
“إسرائيل” كلاعب خفي
إضافة إلى أوروبا، وخاصة فرنسا، فإن الهند تحتفظ بعلاقات يمكن وصفها بالتحالف القديم بين التعصب والاستعمار مع “إسرائيل” التي أبدت استجابة سريعة في إدانة “هجوم بالغاهام” بشكل علني وقوي، وأكدت دعمهما للهند فيما سمته “مكافحة الإرهاب”.
وذهبت “إسرائيل” إلى ما هو أبعد من ذلك حين بدا أن لها مكانًا على خط الصراع الأخطر بين إسلام أباد ونيودلهي منذ عقدين، فقد أعلن الجيش الباكستاني إسقاط 25 طائرة مسيرة إسرائيلية كانت قد أرسلتها الهند لقصف مواقع باكستانية، بما في ذلك أكبر مدينتين كراتشي ولاهور.
وهكذا أشارت تصريحات المتحدث العسكري الباكستاني إلى تورط “إسرائيل” في الصراع بين الدولتين الجارتين، وهو ما لا تخفيه “إسرائيل”، التي كان سفيرها في الهند رويفن أزارواضحًا للغاية في التأكيد على دعم تل أبيب الكامل لنيودلهي فيما وصفه “حق الدفاع عن النفس”، مضيفًا إن “نيودلهي تعلم أن بإمكانها الاعتماد على إسرائيل”.
وتعبِّر العلاقات بين تل ابيب ونيولهي عن رؤية الحركة القومية الهندسية التي تعتبر تحالفها مع “إسرائيل” واحدة من أهم التحالفات الخارجية، فلا غرابة أن تدعم “إسرائيل” الهند كما دعمت الحكومة الهندية هجوم “إسرائيل” على غزة في مواجهة ما يسمونه “ارهابًا سلاميًا”.
وفق هذه السردية المزعومة، تقول الهند إن جماعتي “جيش محمد” و”لشكر طيبة” من أبرز الجماعات المسلحة التي برزت في جنوب آسيا، وإنهما كانتا سببًا في إبقاء الصراع على كشمير مشتعلاً، لذلك تقول الرواية الهندية إنها دمرَّت عددًا من مراكز وقواعد الجماعتين في غاراتها على باكستان، ليشكل ذلك بالفعل احتمال نشوب صراع واسع بين الدولتين الجارتين.
ومن المفارقات السياسية في هذا السياق أن “إسرائيل” تنصح الهند بدرس السابع من أكتوبر على حد وصفها، وكأن تل أبيب التي قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين صارت تحاضر في حق الهند بالقصف والتدمير في باكستان، التي أعلنت منذ بدايتها أنها لا تعترف بـ”إسرائيل”، وتمسكت بموقفها عبر العقود.
ورغم الآف الأميال وعديد الدول تفصل بين باكستان و”إسرائيل”، إلا أن هناك حرب مشتعلة تدور بين الطرفين، وتختبئ خلف الحروب الهندية الباكستانية التي بدأت مع نشأتهما بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1947، أي أن الصراع أزلي بين الجانبين، تمامًا كما هو صراع العرب و”إسرائيل”، أحدهما فيه المسلمون يواجهون الهندوس، والآخر يضع المسلمين مقابل اليهود.
هكذا ينظرون للأمر في باكستان، وعلى هذا يحددون موقفهم من “إسرائيل”، وكذلك “إسرائيل” نفسها تنظر للأمر بذات الطريقة، لذا قررت تل أبيب مبكرًا الدخول على خط الصراع الهندي الباكستاني، ليس حبًا بالهند، ولكن لأن “إسرائيل” تحدد لها هدفًا في العالم، وهو منع قيام قوة عظمى لأي بلد إسلامي.
وهناك حقائق أخرى تثبت ذلك منذ عقود، فقد قدَّمت تل أبيب باستمرار مساعدات سرية للهند في حروبها المتوالية ضد باكستان، بحسب تقرير لمعهد دراسات الشرق الأوسط، يشير فيه إلى أن “إسرائيل” لعبت دورًا استخباراتيًا بارزًا ضد باكستان لصالح الهند منذ سبعينيات القرن العشرين، بل إن الهند التي حاولت إخفاء علاقاتها قبل عام 1992 مع “إسرائيل” تجنبًا لإغضاب أصدقائها العرب، كانت ترسل ضباط مخابراتها لتلقي تدريبات على أيدي الموساد الإسرائيلي.
ولاحقًا، وبعد أن أصبحت العلاقات الهندية الإسرائيلية في ذروتها أعقاب عام 1992، أصبح دخول “إسرائيل” على خط دعم الهند ضد باكستان علنيًا، وتجلى ذلك عام 1999 في الصراع الذي نشب بين دلهي وإسلام أباد على خلفية تسلل قوات باكستانية إلى مرتفعات كارجيل واعلان استعادتها قبل أن تتلقى الهند دعمًا إسرائيليًا كبيرًا مكَّنها من استعادة ما كانت أخذته باكستان.
يشير هذا إلى أن عداء “إسرائيل” لباكستان ليس مجرد كلام على الورق بل ترجمته تل أبيب إلى أفعال على الأرض، وبذات الطريقة ردت باكستان، وأكثر من ذلك، تكن باكستان لـ”إسرائيل” في خاطرها ما هو أكثر من مجرد عداء، فلطالما صرَّح المسؤولون الباكستانيون بأنهم سيدافعون عن المقدسات الإسلامية في فلسطين كما يدافعون عن كشمير، ففي العقيدة الباكستانية العسكرية والشعبية تحمل القدس ذات أهمية كشمير بالنسبة للباكستانيين، فكشمير هي أرض إسلاميه باكستانية في حين تضم القدس مقدسات للمسلمين، وكلتاهما لا يمكن التنازل عنهما بل وغير مقبول.
ويعني كل هذا أن مسالة النقاش حول علاقات عادية أو اعتراف باكستاني بـ”إسرائيل” أمر محسوم ولا مجال أصلاً لطرحه، وكذلك الأمر في “إسرائيل” التي تنظر إلى باكستان على أنها دولة مسلمة مسلحة نوويًا تشكِّل تهديدًا عليها، وترى في وجدانها أن المسلمين لا يحبونها، ويرفضون الاعتراف بحقها بالوجود، لذا تتوجس دائمًا منهم، وتشعر بخطرهم قريب عليها حتى لو كان مصدر هذا الخطر دولة بعيدة عن حدودها كباكستان.
التحالفات العسكرية.. مَنْ يمد بالسلاح؟
لأن تصنيع السلاح ليس أمرًا تتفاخر به إسلام أباد ونيودلهي، تبحث الدولتان عن حلفاء عسكريين، فباكستان تفتح أبوابها على الصين وتركيا من أجل تطوير منظومتها الجوية، ويمكن هنا الاستشهاد بصفقات المقاتلات الشبحية الصينية “إف سي 31” وطائرات “قآن” الهجومية التركية المصممة للهيمنة الجوية، وتحديدًا الجيل الخامس منها.
وكانت باكستان خامس أكبر دولة في قائمة مستوردي الأسلحة عالميًا، وتأتي معظم إمداداتها من الصين التي كانت المورد الأول للأسلحة لباكستان، ففي السنوات الأربع الماضية، اشترت باكستان 81% من معداتها العسكرية من الصين، وهو مؤشر على التعاون العسكري القوي بين البلدين منذ الحرب الباردة، كما استوردت باكستان أسلحة من هولندا بشكل طفيف، واستغنت بشكل تدريجي عن الأسلحة الأمريكية والفرنسية وصولاً إلى صفر بالمائة اليوم.
وهذا عكس ما يحدث في الهند التي تخلت عن مخاوفها القديمة بشأن أمريكا، وبدأت في تنويع مصادر ترسانتها، ويمكن أن نرى أنها لا تتوانى عن عقد صفقات دفاعية مع واشنطن للحصول على معدات متطورة وترسانة أسلحة فتاكة.
كما عززت من شراكتها العسكرية مع باريس، ورفعت وارادتها العسكرية إلى 33% من فرنسا، وخفضت تدريجيًا اعتمادها على الأسلحة الروسية من 75% وصولاً إلى 36% خلال السنوات الماضية.
وتعتبر “إسرائيل” الهند سوقًا استراتيجيًا مهمًا للهند، التي تعد أكبر مشترٍ للسلاح الإسرائيلي في التاريخ والعالم، ووصل التعاون بينهما إلى مستويات متقدمة في مجالات متعددة، وتقدم لها “إسرائيل” دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا لضمان تجاوز عتبة على جارتها باكستان، وما تفعله الدول الشريكة في تحالف “كواد”.
وعلى صعيد الشراكات الخارجية، عززت أمريكا شراكتها الدفاعية مع الهند بمنحها تصنيف شريك دفاعي رئيسي،، ما يضعها في مرتبة قريبة من حلفاء حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وكان الصراع الأخير بين باكستان والهند أول اختبار فعلي لقدرات الأسلحة الصينية بشكل خاص مقابل نظيرتها الغربية، فأثناء المعركة الجوية التي سُمع تردد تداعياتها غير المباشرة على مستوى العالم من الناحية العسكرية، أدَّى استخدام باكستان الواضح لأسلحة الصين لإسقاط طائرات هندية، ورفع أسهم شركات الدفاع الصينية في البورصة بأكثر من 16%.
وضمن ما تعتبره الصين إسنادًا لحليفتها الاستراتيجية باكستان، طوَّرت بكين مع إسلام آباد (مجمع الطيران الباكستاني وشركة تشنغدو لصناعة الطائرات الصينية) أحدث طراز من مقاتلات “جيه إف-17 ثاندر” (JF-17 Thunder) القادرة على تنفيذ مهام “جو جو” و”جو أرض”، وتحمل صواريخ مضادة للسفن أيضًا.
ويمثل هذا التعاون العسكري نموذجًا مثاليًا للعلاقة الدفاعية بين البلدين، ويظهر مدى التزام الصين بدعم حليفها الاقليمي، ويعكس رغبتها في تعزيز نفوذها في جنوب آسيا، ففي السنوات الأخيرة ومع تصاعد سباق التسلح عالميًا تزايد اعتماد باكستان على الاسلحة الصينية.
كما يكرَّس الاستخدام الناجح ميدانيًا من قبل باكستان لمنظومات الأسلحة الصينية التحالف الاستراتيجي بين بكين وإسلام إباد، فبينما كانت الولايات المتحدة الموردة الرئيسية للأسلحة لباكستان، بدأت الأولى تنظر بعين إلريبة إلى هذا التحول، وتعتبره تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية.
إذا نظرنا عن بُعد لمصادر التسليح، نستطيع أن نستشف التحالفات الجديدة لكل من الدولتين، بل وتعكس بشكل أكبر صراعًا مباشرًا بين قوتين عظميين (أمريكا والصين)، فأمريكا تسعى جاهدة لاستخدام الهند كحصن في مواجهة الصين في جنوب آسيا بعدما فقدت اهتمامها بباكستان عقب انتهاء حملتها العسكرية في أفغانستان.
أمَّا الصين التي تتصيد في مناطق تراجع فيها نفوذ أمريكا والغرب، فقد عززت استثماراتها في باكستان في ظل تدهور علاقاتها مع واشنطن، وتسعى إلى تعزيز موقعها على خريطة القوى الفاعلة في محيطها الحيوي وتقوية مكانتها كمورِّد رئيسي للأسلحة في العالم، مستفيدة من تراجع النفوذ الغربي في بعض المناطق وتفوق أسلحتها في ساحه قتال فعلية.
لمن ستنحاز الكفة الدولية؟
تتمتع القوى الدولية بدور محوري في التصعيد الحاصل بين الهند وباكستان، فالصين، الحليف الاستراتيجي التقليدي لباكستان، رغم أنها تسعى لإمساك العصا من المنتصف، وتقف في موقف المتابع المحايد الداعي لضبط النفس والحوار وتجنب التصعيد العسكري، إلا أنها قد تدعم إسلام آباد في حال حدوث أي تصعيد، وقد تستغل الحرب لإضعافها وحماية مصالحها في المنطقة.
وتشير مصالح الصين الإستراتيجية إلى ميل ضمني لدعم باكستان، لكنها تدرك في الوقت نفسه أن استمرار التصعيد مع نيودلهي قد يفتح جبهات معقَّدة، خاصة في ظل التوترات والمناوشات الدائمة التي تشهدها على حدودها الشرقية مع الهند الممتدة لأكثر من 3500 كيلومتر.
ورغم أن الخلافات الحدودية لا تعد أمرًا استثنائيًا في تاريخ العلاقات المتشابكة بين نيودلهي وبكين، حيث سبق أن أدت إلى اندلاع حرب دامية بينهما في عام 1962، فإن الخلاف اليوم قد يكتسب دلالات أوسع، خصوصًا في ظل علاقة كل من القوتين الصاعدتين، ففي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الأمريكية الهندية حالة من التناغم بين إدارة دونالد ترامب وناريندرا مودي، تعيش العلاقات بين واشنطن وبكين توترًا متصاعدًا لم يكن بعيدًا عن عيون الهند التي باتت تسعى لتوظيف ذلك في صراعها الجيوسياسي وتنافسها الاقتصادي مع باكستان والصين.
وفي حال توسع الصراع الحالي بين الهند وباكستان، قد تنحاز تركيا إلى صف حليفتها التاريخية في الجنوب الآسيوي، وربما ترى في ذلك فرصة للتمدّد الاستراتيجي الأوسع في آسيا، ومع ذلك، يرى البعض أن طبيعة الدعم الذي ستقدمه أنقرة لإسلام آباد سيكون دبلوماسيًا واقتصاديًا في معظمه، وقد لا يرقى إلى مستوى التدخل العسكري المباشر.
فيما تتمتع دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، بعلاقات قوية مع كلا البلدين، مما قد يمنحها دورًا في الوساطة بين الطرفين، خاصة أن السعودية تميل تقليديًا نحو باكستان لأسباب دينية، ووجود عمالة باكستانية ضخمة، وتحالفات عسكرية مشتركة، لكنها تسعى أيضًا للحفاظ على علاقات جيدة مع الهند كمستثمر وسوق كبير.
أمَّا “إسرائيل” فمن مصلحتها دومًا السير مع الهند لإضعاف باكستان أو حتى إشغالها كي يظل خطرها بعيدًا عنهم، وليس مستغربًا أبدًا كل الأخبار التي تخرج دومًا عما يشبه التحالف العسكري بين “إسرائيل” والهند، فكلتاهما يعاديان باكستان، ويريان فيها خطرًا عليهما، وكذلك باكستان تعاديهما، وترى فيهما خطرًا عليها.
أما إيران، فعلاقتها مع باكستان ليست مستقرة دائمًا، لكن قد تميل لدعمها لأسباب جيوسياسية، خاصة إذا كانت الهند متحالفة مع ألد أعدئها، “إسرائيل” وأمريكا، لكن قد تلتزم الحياد إذا اندلعت حرب مباشرة.
وفي الولايات المتحدة، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول المعلقين على الهجوم الأخير في كشمير، ووصفه بأنه “جريمة إرهابية”، فقد أكَّد تضامن الولايات المتحدة ودعمها الثابت للهند في “مكافحة التطرف الإرهاب”، داعيًا إلى محاسبة ما سَّماها “الجهات الإرهابية”، في إشارة ضمنية إلى باكستان، وهذا الموقف له أهمية خاصة، لأن الولايات المتحدة كانت قد زوَّدت باكستان بطائرات “إف 16″، وهي من الأسلحة الاستراتيجية.
ومن الجدير بالذكر أن ترامب كان قد دعم الهند بشكل كامل في الماضي، خصوصًا خلال الهجوم الهندي على بالاكوت في عام 2019، وهذا يعني كما تقول كريستين فير أستاذة الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون ومؤلفة كتاب “القتال حتى النهاية: أسلوب الجيش الباكستاني في الحرب”، أن الولايات المتحدة – التي قدَّمت دعمها الصامت والقوي لأي عمل عسكري ضد باكستان – لن تضغط على الهند للتراجع عن ردها على باكستان، معتبرة أن للهند الحرية في تحديد مسارها.
وفي حال تصاعد النزاع حول كشمير بين الدولتين الجارتين، يُتوقع أن تستغل واشنطن الأزمة لتعزيز وجودها في جنوب آسيا، وذلك من خلال توفير الدعم الاستخباراتي والعسكري للهند، بما في ذلك تزويدها بأنظمة دفاع جوي ومعلومات بشأن تحركات القوات الباكستانية، ويعزز هذا الدعم تصميم نيودلهي على اتخاذ مواقف متشددة ضد باكستان، مما يقلل فعالية دعوات الصين للتهدئة.
في المقابل، قد يدفع التقارب الأمريكي الهندي الصين إلى تعزيز دعمها لباكستان، سواء عبر تقديم مساعدات عسكرية، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والسفن الحربية المتطورة والطائرات المقاتلة، أو تزويدها بالتكنولوجيا النووية لتعزيز دفاعاتها ضد الهند، أو دعمها دبلوماسيًا في الأمم المتحدة لموازنة النفوذ الأمريكي.
أما الموقف الروسي فقد كان أيضَا حاسمَا وواضحًا، فقد وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهجوم بأنه “جريمة وحشية لا يمكن تبريرها”، وأظهرت موسكو دعمًا واضحا للهند في هذه القضية، وهو ما يمكن أن يكون حاسمًا، إذا قررت الهند اتخاذ إجراءات عسكرية ضد باكستان، حيث من المتوقع أن تدعم روسيا الهند في هذا الصدد.
وفي حين تعتبر فرنسا من أكبر مزودي الهند بالسلاح، ولديها صفقات ضخمة مثل طائرات “رافال”، وتميل لتقوية التحالفها مع الهند في مواجهة النفوذ الصيني والروسي، يأتي موقف كندا، الذي كان مريبًا في هذه القضية، فالحكومة الكندية لم تصدر أي تصريح واضح يصف الهجوم، بل استخدمت لغة محايدة للغاية، وهو ما يعكس موقفًا دبلوماسيًا غامضًا بين الدولتين العضوين في الكومنولث ومجموعة العشرين.
هذا التحفظ في المواقف يثير تساؤلات حول توجهات كندا الجيوسياسية المستقبلية، خصوصًا في ظل العلاقة المعقدة بين الهند وكندا في قضايا مثل الإرهاب والعلاقات الثنائية، والخلافات حول القضايا الدبلوماسية، مثل الاتهامات بتورط الحكومة الهندية في بعض الأنشطة غير القانونية التي تشمل حالات ترهيب ومضايقة وابتزاز وإكراه على الأراضي الكندية، بالإضافة إلى مسألة تسليم المجرمين.
وأخيرًا بريطانيا التي لها تاريخ طويل ومعقد مع كل من الهند وباكستان، كونها القوة الاستعمارية السابقة التي قسَّمت شبه القارة الهندية عام 1947، وهي غالبًا ستحاول أن تظهر بموقف الوسيط الدولي الذي يدعو لوقف إطلاق النار وحل دبلوماسي.
وفي حال اندلاع حرب شاملة، فإنها ستميل نحو الهند بسبب العلاقات التجارية والاقتصادية القوية بين بريطانيا والهند، والتي تضاعفت بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”.
وفي حال دعمت أمريكا الهند صراحةً، فمن غير المرجح أن تخرج بريطانيا عن الخط الأمريكي، لكنها لن تشارك عسكريًا، بل ستكتفي بدعم دبلوماسي أو لوجيستي أو استخباراتي إن حدث ذلك.
قد يبدو من ذلك أن الهند سوف تحظى بأكبر دعم دولي في حربها ضد باكستان، فاقتصادها القوي وسوقها الكبير يجعلها شريكًا مفضَّلاً للعديد من الدول، كما تنتمي إلى تحالفات دولية إستراتيجية مثل “أكواد”، وهو ما يعزز نفوذها العالمي، بينما باكستان تعتمد بشكل رئيسي على الصين وتركيا والسعودية، لكنها لا تملك نفس الوزن الاقتصادي أو السياسي على الساحة العالمية.
ومع ذلك، يمكن ألا تظهر هذه الفروقات بقوة إذا استمرت الحرب لفترة قصيرة، لكن لو طال الصراع، فالكفة الدولية ستنحاز تدريجيًا لصالح الهند، إلا لو تغيرت الظروف أو تدخلت أطرافًا كبرى بشكل مباشر.
وبالنظر إلى تشابك تحالفات البلدين، وفي ظل حقيقة أنهما بلدان نوويان يحتكمان على مخزون لا يُستهان به من الأسلحة النووية، ويُصنفان ضمن العشرين الأولى في العالم، يبدو من الطبيعي الخوف الكبير على اتساع الأرض من الانجراف صوب حرب نووية، على خلفية ما وصل لإعلان قصف متبادل يذكِّي التوترات المتصاعدة في إقليم كشمير المتنازع عليه، وهذا يعني أن النزاع بين قوتين نوويتين يهدد بانفجار إقليمي، قد تتجاوز تداعياته حدود الجغرافيا، ليطال السلم والأمن الدوليين.