في 17 ديسمبر/كانون الأول 2024 وبعد 9 أيام فقط من سقوط نظام بشار الأسد، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على قمة جبل الشيخ في الجنوب السوري، ليقول “نحن هنا لدراسة الوضع لاتخاذ قرار بشأن الانتشار الإسرائيلي في هذا المكان المهم حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل”.
وفي الخامس من مارس/ أذار 2025 عاد إلى هناك مرة أخرى ليعلنها صراحة: “لقد غيّرنا وجه الشرق الأوسط”.
لم يخف نتنياهو ولا رفاقه من اليمين المتطرف ولا حتى حلفاءه من صقور المحافظين في البيت الأبيض، ناهيك عن اللوبي الصهيوني في واشنطن، نواياهم المعلنة سلفًا بشأن تدشين شرق أوسط جديد، وفق معايير مختلفة، تتقاطع مع الشرق الأوسط التقليدي شكلا ومضمونًا، وتنسف مرتكزاته من جذورها وتبني فوق ركامها أعمدة مغايرة، أكثر صلابة وأمتن قوة وأعمق تجذرًا.
وتأتي جولة التصعيد الإيراني الإسرائيلي الراهنة، رغم كل ما يثار بشأن دوافعها ومسبباتها وأهدافها، كحلقة أخيرة قبل اكتمال طهي هذا الشرق الجديد، المٌهندس داخل الأفران الصهيونية منذ عقود، لتحدد مآلات تلك المواجهة ما إذا كان سيتم الإعلان رسميًا إيذانًا بميلاد هذا الحلم الصهيوأمريكي أم تأجيله حتى إشعار أخر.
“إسرائيل 2.0”.. إعادة تقييم الأمن القومي
في أبريل/نيسان الماضي كشف معهد “مسغاف” للأبحاث (أحد أبرز مراكز التفكير في “إسرائيل”، والمرتبط بدوائر صنع القرار الأمني والسياسي، تأسس عام 2023 ويرأسه مئير بن شبات الذي عمل مستشارًا للأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية وكان رجل المهمات الخاصة عند نتنياهو ومبعوثه إلى الدول العربية والغربية) عن مشروع جديد حمل اسم “إسرائيل 2.0”، وهو عبارة عن خطة مفصلة للنهوض بـ “إسرائيل” تضمن تفوقها الإقليمي الكاسح وتطيح بكافة خصومها، الحاليين والمحتملين.
يقول المعهد في مقدمة مشروعه إن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ليس أقلّ من جرس إنذار لدولة “إسرائيل” والمجتمع الإسرائيلي، وعليه لابد من تغيير قواعد اللعبة وإلزام الدولة والمجتمع بإعادة التفكير السريع، لافتا أنه على الكيان الإسرائيلي أن يشهد عملية إعادة تنظيم شاملة، إلى جانب تغيير الأسطورة القومية وتكييفها مع الظروف المتغيرة.
ويطالب المشروع “إسرائيل” بتجديد وتحديث نفسها، بدلًا من الاعتماد على التقاليد السيادية اليهودية التي استمرت لنحو ثمانية عقود، فلابد من إعادة صياغة هويتها من جديد استعداداً للعقود المقبلة، من نواحٍ عديدة، معتبرًا أن حرب غزة يجب النظر إليها على أنها حرب نهوض.
ويتمحور النهوض وفق المشروع الإسرائيلي المقدم في بلورة الأهداف الاستراتيجية التي تسعى “إسرائيل” إلى تحقيقها ضمن إطار سياسي واسع النطاق قدر الإمكان، بالتفاهم مع الولايات المتحدة، من أجل تحقيق عدة أهداف رئيسية، أبرزها: “القضاء على الخيار النووي الإيراني، والتوصل إلى تفاهمات مع تركيا بشأن البنية الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط وتقاسم المصالح في سوريا، ووضع حد لخرق مصر لاتفاقية السلام، واستغلال الفرصة التاريخية للعمل بمزيد من الاستقلالية، الحزم والمبادرة من أجل التأثير في رسم ملامح منطقة الشمال الإسرائيلية مستقبلياً”.
كما “بجانب العمليات العسكرية الناجحة لتدمير ما تبقّى من الجيش السوري، وتعزيز الوجود الإسرائيلي على الحدود مع سوريا، ينبغي التحرّك سياسيّاً لضمان ألّا يُشكّل النظام القادم في سوريا تهديداً لأمن إسرائيل”
الانفصال النظيف.. حلم الشرق الأوسط الجديد
في عام 1996 صدر تقرير شهير بعنوان “A Clean Break: A New Strategy for Securing the Realm” (“الانفصال النظيف: استراتيجية جديدة لتأمين المملكة”)، صاغه فريق من المحافظين الجدد الأمريكيين، بتكليف من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، بقيادة مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق ريتشارد بيرل، وذلك لتقديم صورة كاملة عن “إسرائيل” الجديدة لنتنياهو في بداية مسيرته السياسية.
التقرير الأقرب للوثيقة، والذي حمل دعم ومباركة الخبراء اليهود في الولايات المتحدة، والمقسم إلى 6 أقسام رئيسية، كشف ولأول مرة عن حلم نتنياهو في تدشين شرق أوسط جديد، تكون فيه الهيمنة المطلقة للكيان الإسرائيلي، بعد إضعاف أو تدجين أو تحييد كافة القوى الإقليمية، وإخراجها عن معادلة الصراع بشكل جزئي أو كلي.
ولم يكن هذا التقرير مجرد تنظير سياسي تقليدي كغيره من الأوراق النظرية المطروحة في ذلك الوقت لمساعدة نتنياهو في حكمه، بل هو خطة استراتيجية محكمة تقدم قائمة مطولة من النصائح والسياسات العامة التي تقود في النهاية لإعادة صياغة المنطقة وفق أبجديات خاصة تضمن التفوق الإسرائيلي لعقود طويلة قادمة.
واعتُبر طرح “إعادة تشكيل الشرق الأوسط” الذي دعت إليه تلك الوثيقة بمثابة رؤية استباقية لتغيير الأنظمة في المنطقة، وهو ما اتضح لاحقاً في السياسة الأمريكية خلال غزو العراق في 2003 والإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهو التوجه الذي يتعارض مع ما روج له رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، بشأن الدور الذي لعبه “السلام” في تحقيق فوائد لإسرائيل، إذ اعتبرت الوثيقة أن هذا السلام أفقد الكيان الإسرائيلي تفوقه المطلق ولا بد من إعادة النظر في استراتيجياته التقليدية.
وخلصت تلك الوثيقة إلى عدد من التوصيات التي بدأ العمل عليها فعليًا منذ تسعينات القرن الماضي، أبرزها تدمير العراق كنقطة ارتكاز قومية يمكن أن تشكّل تهديدًا في المستقبل، وعزل سوريا وتقويض نفوذها في لبنان وفلسطين، وإضعاف الكيانات المركزية في المنطقة لصالح كيانات مذهبية وعرقية متنازعة، والتحالف مع دول الخليج سنّيًا لمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع استثمار الخوف من الشيعة والمقاومة، وأخيرًا تحويل الصراع العربي-الإسرائيلي إلى “خلاف محلي” يمكن حله إداريًا.
ووفق ما جاء في هذا المشروع الأقرب للاستعماري، فإن الشرق الأوسط الجديد الذي يحلم به نتنياهو وصقور البيت الأبيض، لا يمكن تدشينه دون هندسة صراعات جديدة تُنهك العالم العربي وتُشرعن وجود “إسرائيل” كقوة مركزية حامية للاستقرار في قلب فوضى مصطنعة.
وبدأت إرهاصات تطبيق ما جاء في هذا المشروع الذي روج له المحافظون الأمريكيون الجدد، بول وولفويتز، ريتشارد بيرل، ودونالد رامسفيلد، داخل مطبخ القرار الأمريكي، عقب تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث استثمار حالة الهلع والصدمة التي أصابت العالم جراء تلك الهجمات لتمرير أجندة عدوانية شاملة على الشرق الأوسط، كانت أولى سطورها غزو العراق في 2003 وإبعاده عن معادلة القوى الإقليمية.
إيران.. المحطة الأخيرة نحو الحلم
بحسب ما جاء في الوثيقة فإنه يجب على “إسرائيل” التخلي تمامًا عن محادثات السلام التقليدية والمفاوضات التي كانت تُجرى مع الفلسطينيين والدول العربية، بل والقوى الإقليمية بما فيها إيران، وتستعيض عنها باتباع نهج أكثر صرامة بتعزيز النفوذ الإسرائيلي من خلال الوسائل العسكرية والسياسية، بما في ذلك الضغط على الأنظمة المعادية وتركيعها أو على الأقل إخراجها عن المشهد.
وهذا ما بدأ يلوح في الأفق منذ عملية طوفان الأقصى التي اعتبرها مقربون من دوائر صنع القرار في تل أبيب وواشنطن بداية النهاية للكيان الإسرائيلي إذا لم يتدارك نفسه سريعًا ويٌسرع الخطى في تدشين الشرق الأوسط الجديد الذي يضمن التفوق الإسرائيلي لعشرات السنين القادمة، ومن هنا جاءت التحركات المكثفة والسريعة والتي شاركت فيها قوى إقليمية ودولية.
نتنياهو وخلال خطابه في الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2024 رفع خارطة حدد فيها عدد من الدول التي قال إنها تهدد “إسرائيل”، ووصفها بأنها “دول ملعونة”، وهي: إيران وسوريا والعراق واليمن ولبنان، وهي الخارطة التي اعتبرها البعض حينها إعلان حرب من أجل تغيير الشرق الأوسط الجديد وتدشين النسخة المعدلة منها على المقاس الإسرائيلي.
البداية كانت بتجفيف منابع المقاومة في غزة والتي مثلت الشوكة الأكثر خطورة في ظهر المحتل، فكان الحصار المشدد بعد تحييد الحلفاء الجغرافيين، مصر والأردن، وإخراج حزب الله عن المعادلة بتقييده بالقرار الأممي 1701 بعد الضربات الموجعة التي تلقاها منذ بداية حرب غزة، وتنحية سوريا جانبًا بعد سقوط النظام وحالة الفوضى والارتباك التي تعاني منها، والتوغلات الإسرائيلية المتتالية وهندسة المشهد السوري بشكل يخدم الأجندة الإسرائيلية، هذا بخلاف العراق البعيد بطبيعة الحال عن دائرة الخطر منذ عقود
حتى القرار العربي تم استئناسه وإدخاله حظيرة التدجين عبر اتفاقات أبراهام والتفاهمات الاقتصادية والتكنولوجية بين البلدان العربية و”إسرائيل”، وبذالك ضمنت تل أبيب إخراج كل اللاعبين العرب من المشهد وإسقاطهم من فوق شجرة الخصوم التي لم يتبق عليها سوى إيران وذراعها اليمني (الحوثي)، وعليه جاء التصعيد الحالي لكتابة السطر الأخير في تلك المسرحية قبيل إسدال الستار إيذانا بميلاد الشرق الأوسط الذي تحلم به “إسرائيل” وحليفها الأمريكي وتخطط له منذ قرابة 30 عامًا.
ومن هنا جاء التصعيد الأخير مع إيران، والذي تجاوز هدف القضاء على المشروع النووي كما هو مٌعلن رسميًا، إذ بات بنك الأهداف الإسرائيلي أكثر تنوعًا وزخمًا، خاصة بعد انكشاف هشاشة الدفاعات الجوية الإيرانية وسهولة اختراقها استخباراتيًا وأمنيًا، مما حول سمائها إلى ساحة استعراض للقدرات الجوية الإسرائيلية، وهو ما أغرى نتنياهو وجنرالاته للإيغال أكثر نحو أهداف كان الحديث عنها في السابق دربًا من الخيال.
ومن أبرز تلك الأهداف التخطيط لإسقاط النظام الإيراني وزعزعة استقراره وتأليب الشارع الإيراني ضده، وقد بدا هذا التوجه جليًا في تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي قال إن “الظروف مهيّأة لانتفاضة شعبية”، بينما دعا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الإيرانيين صراحة إلى التظاهر لإسقاط النظام.
ومن خلال التصعيد تهدف تل أبيب لاستثمار المشهد لفرض شروطها في ملف قطاع غزة وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على طاولة المفاوضات، كل هذا يقود في النهاية إلى هندسة المنطقة، على المقاس الأميركي والبوصلة الإسرائيلية، شرق أوسط تكون فيه الهيمنة المطلقة لإسرائيل، وهو ما سيفتح الباب تلقائيًا أمام التطبيع الإجباري بعد تدشين معادلة قوى مغايرة تفرض فيها تل أبيب كلمتها على الجميع.
الهيمنة الإسرائيلية.. قلق وترقب إقليمي
كما قلنا في السابق إن المقاومة في غزة هي امتداد لعمق الأمن القومي العربي، الذي انكشفت عوراته تمامًا بعد حرب الإبادة الإسرائيلية ضد القطاع والمستمرة لأكثر من 600 يومًا، فإن التواجد الإيراني يمثل رمانة ميزان مُعتبرة في معادلة الردع الإقليمي، فبشكل موضوعي تُعد طهران القوة الإقليمية الوحيدة القادرة على مناطحة تل أبيب بعد خروج العرب عن معادلة القوة.
وانطلاقًا من تلك القاعدة، يرى العقلاء من العرب، بما فيهم الخليجيون، أن تدشين الشرق الأوسط الجديد عبر إضعاف إيران وإسقاطها بالشكل الكامل في ظل هشاشة المشهد الإقليمي وحالة الفوضى التي تخيم عليه لا يخدم مصالحهم على الإطلاق، رغم الخلاف الأيديولوجي التاريخي بينهما، إذ إن إبعاد طهران عن الساحة وتراجع نفوذها جذريًا بتلك الضربات الإسرائيلية الأمريكية القاسية سيخلق حتمًا فراغًا استراتيجيًا في المنطقة، وهو الفراغ الذي ستملأه “إسرائيل” بطبيعة الحال، ما يتسبب في خلل في موازين القوى لصالح الكيان المحتل.
هذا الخلل الذي يمنح تل أبيب التفوق الكاسح على المستوى الإقليمي، ويجرد العرب من كافة أوراق الضغط والقوة التي بحوزتهم، سياسية كانت أو اقتصادية، ويحولهم إلى قطعان تسعى جاهدة لاسترضاء سيد المنطقة الجديد، وفق شروطه الخاصة، وهو ما لا تريده العواصم العربية بما فيها الداعمة والمطبعة والمتناغمة مع الكيان الإسرائيلي.
ولعل رد الفعل الخليجي والعربي الأولي عقب الهجوم الذي شنه الطيران الإسرائيلي ضد أهداف إيرانية فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران الجاري يعكس وبشكل نسبي تحولًا لافتًا في الخطاب السياسي، لاسيما الخليجي، تجاه الكيان الإسرائيلي، وحالة القلق التي تخيم على الأجواء جراء تلك العربدة الصهيونية، حيث جاءت الإدانة واضحة وعلنية، بل وصل الحال إلى الإعلان رسميًا عن دعم إيران في مواجهة تلك الهجمات ووصفها بالدولة الشقيقة كما جاء في بيان الخارجية السعودية.
القلق من إرهاصات الشرق الأوسط الجديد تجاوزت الجغرافيا العربية إلى المعسكر الشرقي، حيث أعلنت باكستان رسميًا دعمها وتضامنها الكامل مع إيران، إذ أجرى رئيس وزرائها شهباز شريف اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأبلغه أن بلاده تقف في تضامن كامل مع “الشعب الإيراني الشقيق ضد العدوان الإسرائيلي غير المبرر”.
فيما دعا وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف، العالم الإسلامي إلى الاتحاد في مواجهة “إسرائيل”، مؤكدًا على دعم بلاده لطهران على كل المنصات الدولية.
وقال في كلمة له أمام البرلمان، السبت 14 يونيو/حزيران إن “إسرائيل استهدفت إيران واليمن وفلسطين. وإذا لم تتحد الدول الإسلامية الآن، فإنها تواجه كلها المصير نفسه”، فيما تناثرت أنباء عن دعم عسكري باكستاني قُدم إلى الجيش الإيراني خلال الساعات الماضية.
وتؤمن إسلام أباد أن الطموح الإسرائيلي لن يقف عند حاجز طهران فحسب، فمن المحتمل أن يكون الدور التالي عليها، وهو ما كان قد أشار إليه نتنياهو بشكل معلن خلال مقابلة متلفزة له حين أعلن بكل وضوح رغبته في القضاء على الحلم النووي لكل البلدان الإسلامية، ذاكرًا بالاسم إيران وباكستان، وأي دولة إسلامية يراودها هذا الحلم.
نتنياهو: بعد أن ننتهي من إيران، ستكون باكستان هي التالية. pic.twitter.com/ekzLRIqOhM
— محمد سليمان (@Mohammadtajdeed) June 14, 2025
روسيا والصين أيضًا دخلا على مسار القلق والترقب، وإن كان ذو بعد اقتصادي في المقام الأول، حيث أبلغت موسكو عبر قنوات خلفية طهران أن “أي تصعيد ميداني سيؤثر سلبًا على مشاريع الطاقة الروسية المشتركة مع إيران”، لا سيما في مجالات الغاز وخطوط التصدير الجديدة عبر بحر قزوين، الموقف ذاته أعربت عنه الصين، الحليف الاقتصادي الأكبر لطهران، والتي عبرت عن “قلق حقيقي من أن تؤثر الضربة على استقرار طرق إمداد الطاقة”.
ورغم ما تعكسه مواقف موسكو وبكين من منح المخاطر الاقتصادية الأولوية القصوى في توجهاتها مقارنة بحماية حليفهم الإيراني في تلك المواجهة مع “إسرائيل”، إلا أن لكلا البلدين موقفًا صارمًا في مواجهة السياسة الأميركية الأحادية ورفض استراتيجية العالم ذو القطب الأوحد، وهي الاستراتيجية التي يرسخها مشروع الشرق الأوسط الجديد بملامحه المعلنة حتى وإن لم يتم الكشف عنها بشكل رسمي.
في الأخير.. يجب النظر إلى التصعيد الإيراني الإسرائيلي الأخير، أيًا كانت قراءاته المختلفة، كنقطة فارقة في مستقبل المنطقة، وعلامة محورية في رسم مسارات خارطة النفوذ، وتحديًا لوجستيًا يفرض على الجميع إعادة تقييم المشهد بصورة أكثر برغماتية بعيدًا عن التقيد بأطر أيديولوجية ضيقة، حتى وإن بدا في ظاهره جولة في معركة عض الأصابع بين طهران وتل أبيب، على خلفية رغبة الولايات المتحدة وإدارة ترامب في التوصل إلى اتفاق نووي جديد، بمقاييس أمريكية، تحد من الطموح الإيراني النووي وقبل الانتهاء الزمني لبنود اتفاقية 5+1 في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.