تواصل “إسرائيل” تشديد حصارها على سكان قطاع غزة، لتتفاقم معاناتهم يومًا بعد يوم مع توقف الخدمات الأساسية، بعد أن دخلت البلديات مرحلة الانهيار الكامل وعجزت عن القيام بمهامها نتيجة نفاد الوقود ومنع إدخال المواد اللازمة لتجاوز الأزمة.
وأدّى تعطّل معظم الآبار ومحطات التحلية والمضخات إلى تفجّر أزمة جديدة، تمثّلت في عطش غير مسبوق وتلوّث المياه، ما ساهم في انتشار الأمراض الجلدية وتكاثر الحشرات الضارة.
أدهم المدهون، أحد النازحين في محيط الجامعات بمدينة غزة، يقف أمام خيمته متأففًا من تجمعات مياه الصرف الصحي التي أغرقت المنطقة، وما تسببه من روائح كريهة وانتشار للبعوض وغيره من الحشرات.
ويقول لـ”نون بوست”: “نحن لا نواجه حربًا واحدة فقط، بل حروبًا متوازية؛ من بينها أزمة الصرف الصحي وتلوث البيئة، وأزمة المياه التي نعانيها في حياتنا اليومية وحتى في شربنا”.
ويشير إلى أنه يمشي أحيانًا قرابة الساعتين للعثور على مياه لعائلته المكونة من 10 أفراد، حيث يتضاعف استهلاك المياه في فصل الصيف، خاصة مع موجات الحر.
ويضيف أدهم: “أحيانًا يمر يومان دون وجود مياه في الخيمة، وتكون الأيام قاسية جدًا، خاصة على الأطفال، فهم يحتاجون للاستحمام مرتين في اليوم. أحيانًا يبكون بشكل هستيري من الحر، يطلبون المياه للتبريد على أجسادهم المنهكة”.
ويبيّن أن المشكلة لم تنتهِ هنا فقط، بل أيضًا تجمع النفايات يشكل أزمة كبيرة، إضافة إلى الروائح الكريهة التي تسببت في انتشار الذباب والبعوض في المنطقة بشكلٍ كبير، فبات توقف عمل البلدية همًّا جديدًا.
الأطفال والأمراض الجلدية
أيمن الرفاتي هو الآخر من بين الآلاف الذين يعيشون أزمة كارثية بفعل توقف عمل البلديات، وانتشار الأمراض الجلدية في أجساد الأطفال. يعيش أيمن في خيمة أمام بركة الشيخ رضوان، تحيطها القمامة وتجمع المياه التي بات لونها أخضر غامقًا، وتحلق الحشرات فوقها، مما يزعجهم في ساعات الليل.
يروي لـ”نون بوست”: “أطفالي أصيبوا بأمراض جديدة من لدغات البعوض والحشرات الضارة، وبكل أسف، غزة لا يوجد فيها علاج لهم بفعل الحصار الإسرائيلي ومنع دخول كافة الأدوية إلى غزة”.
أيمن لديه ستة من الأبناء، جميعهم مصابون بأمراض جلدية، ويخشى أن الأمراض الجلدية قد تؤدي إلى إصابتهم بأمراض أخرى هم في غنى عنها، بالإضافة إلى شح المياه اللازمة للاهتمام بنظافتهم الشخصية، وقلة المياه الصالحة للشرب. ناهيك عن رائحة مياه الصرف الصحي وتجمع النفايات في المنطقة، واختناقهم من الروائح الكريهة التي قد تصيبهم بمشاكل تنفسية.
ويعرب عن أمله في أن تنتهي الحرب وتعود بلدية غزة إلى مباشرة أعمالها في المناطق التي تحتاج إلى المياه والتخلص من المياه العكرة في بركة الشيخ رضوان، بالإضافة إلى التخفيف من معاناة النازحين، خاصة الأطفال.
سبق وأن قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف“، إن “أطفال قطاع غزة يواجهون ظروفا صعبة وسط الأمراض الجلدية والبيئة غير الصحية والأعمال العدائية التي لا تنتهي”.
معاناة نقل المياه
نورا اللحام نازحة في ملعب اليرموك برفقة أفراد أسرتها، تعيش معاناة أخرى في نقل المياه الصالحة للاستخدام الآدمي ومياه الشرب، بعد استشهاد معيلها الطفل أحمد (14 عامًا) الذي ارتقى أثناء جلب الطحين لعائلته.
تقول نورا لـ”نون بوست”: “أنا كسيدة لم أتوقع في حياتي أن أقوم بواجبات صعبة مثل نقل المياه من مكان بعيد. أشعر بتقوس في العامود الفقري وأكتافي لم أشعر بهما نهائيًا”.
وتشير إلى أن الحصار الإسرائيلي على مدينة غزة عمّق الأزمة، خاصة عمل البلديات التي باتت لم تستطع توفير المياه بشكل مستمر، فجميع خدماتها توقفت عن العمل، وأصبحت تتنقل من مكان إلى آخر لجلب المياه.
وتتساءل: “إلى متى سنبقى نعاني هكذا؟ أين العالم عن ما يحدث في غزة؟”، مضيفة: “أصبحنا نتمنى الموت، خاصة مع الاجتياح الأخير وعودة النزوح مرة أخرى”.
قطع شريان الحياة
يقول المتحدث باسم بلدية غزة، عاصم النبيه، إنه في الوقت الحالي هناك توغل لقوات الاحتلال الإسرائيلي في معظم مناطق مدينة غزة، مما أدى إلى تكدس معظم السكان في مناطق الوسط والغرب من المدينة.
ويشير النبيه لـ”نون بوست” إلى أنه توجد مناطق وأحياء كاملة، مثل حي الشجاعية والتفاح والزيتون، وكذلك جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، قد دُمّرت بشكل شبه كلي، وهذه المناطق تمثل المساحة الأكبر في هذه المدن.
ويبيّن أن الدمار طال المناطق الحيوية والبنية التحتية، وأن هناك أضرارًا في كل شيء، كالمدارس والمستشفيات وآبار المياه، منوهًا إلى أن البلدية تعاني من تدمير الاحتلال لمعظم مقدراتها. ويلفت إلى أن أكثر من 85 بالمئة من إجمالي الآليات الثقيلة وآبار المياه قد دُمّرت قبل هذا الاجتياح، متوقعًا أن تكون الأضرار أكبر من ذلك.
ويؤكّد أن ما تقوم به البلدية حاليًا هو إجراءات إسعافية لا تلبي احتياجات المواطنين، وأن استمرار الحرب يعني استمرار معاناة السكان، وقد تكون البلدية غير قادرة على تقديم الحد الأدنى من الاحتياجات، خاصة المياه التي تُعتبر شريان الحياة.