أسدل الستار على البطولة العربية للأندية المسماة بـ”كأس الملك سلمان” بتتويج نادي النصر السعودي باللقب بعد تغلبه على نظيره الهلال بهدفين لهدف في المباراة التي أقيمت بينهما على ملعب مدينة الملك فهد الرياضية بالطائف مساء السبت 12 أغسطس/آب 2023.
أقيمت تلك البطولة التي نظمها الاتحاد العربي لكرة القدم خلال الفترة من 27 يوليو/تموز وحتى 12 أغسطس/آب الحاليّ، وشارك فيها 38 فريقًا في الأدوار التمهيدية، صعد منهم 16 للتصفيات النهائية، بحضور نخبة من مشاهير كرة القدم في العالم على رأسهم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي قاد فريقه النصر للتتويج باللقب لأول مرة في تاريخ النادي بعد أن سجل هدفي الفوز في المبارة النهائية.
الكثير من علامات الاستفهام والانتقادات التي أثارتها البطولة منذ اليوم الأول لها، فيما يتعلق بالتنظيم ومواعيد إقامة المباريات، فضلًا عن التحكيم الذي احتل نصيب الأسد في حجم ومستوى الهجوم على البطولة، الأمر الذي أثار الشكوك بشأن التمهيد لأن يفوز بها فريق سعودي، وهي الشكوك التي نفاها مسؤولو الرياضة في المملكة.
تأسست البطولة العربية للأندية عام 1981 وهي عبارة عن مسابقة كرة قدم ودية بين أندية النخبة في الوطن العربي، مناصفة بين الأندية العربية الآسيوية (19 فريقًا) والأندية العربية الإفريقية (19 فريقًا)، فيما وصف البعض النسخة الأخيرة من تلك البطولة بأنها الأقوى على الإطلاق.. فهل حققت أهدافها بالفعل؟
تهانينا لـ #النصر و #الهلال على المباراة الرائعة التي جرت الليلة الماضية، حيث استمرت الإثارة حتى الدقيقة الأخيرة، وكانت أفضل مباراة كرة قدم شاهدناها منذ نهائي كأس العالم! مبروك لـ @AlNassrFC فوزه بـ #كأس_الملك_سلمان_للأندية ! 🏆💛 https://t.co/otpokiClUc
— U.S. Embassy Riyadh (@USAinKSA) August 13, 2023
مغريات مادية
قدمت السعودية العديد من المغريات المادية خلال تلك البطولة التي تعد الأعلى – منذ انطلاقتها ثمانينيات القرن الماضي – في حجم الجوائز المقدمة بها، إذ بلغت أكثر من 10 ملايين دولار، موزعة على الأندية المشاركة بها، وتتصاعد تباعًا من الأدوار التمهيدية إلى الأدوار الإقصائية فالنهائية.
يحصل كل فريق من الفرق المشاركة في الأدوار التمهيدية على 20 ألف دولار بجانب بدلات السفر، أما الفرق التي تصل إلى دور المجموعات فيحصل كل فريق فيها على 100 ألف دولار، وفي دور الربع نهائي يحصل الفريق المشارك على 150 ألف دولار.
كما يحصل الفريق المتوج باللقب، وهو النصر في النسخة الحاليّة، على 6 ملايين دولار، فيما يحصل صاحب المركز الثاني المسمى بالوصيف، وهو الهلال، على 2.5 مليون دولار، هذا بخلاف الجوائز الفردية الأخرى كأحسن لاعب في البطولة والهداف وأحسن حارس مرمى.
قسمت الأندية المشاركة إلى 4 مجموعات، كل مجموعة تضم 4 فرق، يتأهل صاحبا المركزين الأولى والثاني إلى دور الثمانية، وذلك بنظام خروج المغلوب حتى النهائي، وضمت المجموعة الأولى: الاتحاد السعودي والترجي التونسي والصفاقسي التونسي والشرطة العراقي، أما المجموعة الثانية فضمت: الهلال السعودي والسد القطري والوداد المغربي وأهلي طرابلس الليبي.
فيما جاءت فرق المجموعة الثالثة كالتالي: النصر السعودي والشباب السعودي والزمالك المصري والاتحاد المنستيري التونسي، أما المجموعة الرابعة والأخيرة فضمت شباب بلوزداد الجزائري والرجاء البيضاوي المغربي والوحدة الإماراتي والكويت الكويتي.
علامة استفهام
تعرضت البطولة لموجة انتقادات حادة بسبب الأخطاء التحكيمية الفادحة التي شهدتها بعض المباريات وحسمت نتائجها للفرق السعودية على حساب منافسيها من الفرق العربية الأخرى، وهو ما أثار الشكوك بشأن توجيه البطولة منذ البداية نحو السعودة وتتويج فريق من المملكة بها مهما كانت الظروف، وهو الرأي الذي لم يرق لآخرين.
لعل الهجوم الأبرز كان من فريق الزمالك المصري بسبب الأخطاء التحكيمية التي ارتكبها الحكم الليبي عبد الواحد حريويدة الذي أدار لقاء الفريق المصري مع الشباب السعودي في الجولة الثانية من دور المجموعات، وهي المباراة التي انتهت بفوز الشباب بضربة جزاء مشكوك في صحتها.
قرر الزمالك التقدم باحتجاج رسمى إلى الاتحاد العربى لكرة القدم واللجنة المنظمة، ضد الحكم الليبى، إذ يرى مسؤولو القلعة البيضاء (أحد ألقاب نادي الزمالك) أن الحكم تعمد توجيه المباراة لصالح الشباب السعودي من خلال احتساب العديد من القرارات التحكيمية غير الصحيحة، وأبرزها ركلة الجزاء.
هجوم آخر شنه المدير الفني لنادي الوداد البيضاوي المغربي، عادل رمزي، بسبب الأخطاء التي شهدتها مباريات فريقه مع السد القطري والهلال السعودي، واصفًا التحكيم في البطولة بأنه “دون المستوى”، فيما علق لاعب الفريق محمد أوناجم بقوله: “عيب وعار هادشي ديال التحكيم ومسؤولو البطولة العربية لم يحترموا الوداد”.
الناقد الرياضي السعودي عادل الملحم في تغريدة له كتب قائلًا: “كل شي ناجح في البطولة إلا التحكيم!!”، ليشاركه في الرأي الإعلامي الرياضي المغربي محمد الروحلي، الذي علق على مشاركة فريقي بلده، الوداد والرجاء، بأن البطولة وضعت تحت مقاس الأندية السعودية، وأن الفرق الأخرى قدمت تضحيات من أجل أن يفوز فريق سعودي بالبطولة.
رياضة وسياسة.. هدف مزدوج
حاولت السعودية من خلال استضافتها لتلك البطولة مع منحها الامتيازات المادية تلك غير المسبوقة منذ تاريخ انطلاقها، تحقيق هدفين رئيسيين، الأول: التسويق الرياضي للمملكة وجذب الأنظار إلى ما شهدته كرة القدم لديها من تطوير كبير خلال الأعوام القليلة الماضية، ما جعل الدوري السعودي واحدًا من أقوى الدوريات في المنطقة.
بطبيعة الحال فإن دوري يلعب به نجوم عالميون مثل رونالدو وبنزيما ومانيه ونيفيز ومالكوم وسافيتش وبروزوفيتش ومحرز وفيرمينو وكيسي وفابينيو وديمبلي وهيندرسون، لا شك أنه سيكون قويًا بصرف النظر عن أي أبعاد أخرى، وهو ما يجعله قبلة للمشاهدين ومحبي كرة القدم، ليس في السعودية وحدها.
وبالنجوم الكبار الذين احتضنتهم البطولة العربية تلك، فإنها نجحت في لفت الأنظار لقوة الكرة السعودية وما حققته من طفرة كبيرة على مستوى الأداء الفني من خلال جلب العشرات من أباطرة اللعبة بمئات الملايين من الدولارات أو على مستوى البنية التحتية حيث تدشين العديد من الملاعب المتطورة.
بطولة الغالي ملكنا رسمية غصب عن اللي ما يرضى.. نعم رسمية غير معترف بها الفيفا.. الذي لعبت كاس العرب الاخيرة للمنتخبات في قطر تحت مظلته.. بطولة جائزتها اغلى من جل البطولات القارية.. مبروك يا نصر جاءت بعد بعد مشقة وتعب💛💙#كاس_الملك_سلمان_للانديه️ pic.twitter.com/r10NNikcDu
— سعيد يوسف الهلال (@saeedalhelal) August 12, 2023
أما الهدف الثاني فهو الترويج للمملكة عبر المسار الرياضي، وهو هدف مرتبط بشكل كبير بالهدف الأول، ويعد نتيجة منطقية له، فجذب الأنظار هو المهمة الأصعب ليأتي بعدها تقديم الرسائل الإيجابية الضمنية عن قيادة المملكة ورؤيتها التطويرية الليبرالية الجديدة، من خلال خلق منظومة جديدة من القوى الناعمة المؤثرة، وهي الإستراتيجية التي يتبعها ولي العهد منذ 2019 وحتى اليوم، التي يحاول من خلالها تقديم أوراق اعتماده للعالم من خلال صورة الأمير الإصلاحي البعيد كل البعد عن صورة المملكة الأصولية الطابعة في أذهان الجميع على مدار عقود طويلة.
ولأجل تحقيق هذا الهدف فتحت المملكة خزائنها لاستضافة العديد من الفعاليات الرياضية والفنية والإعلامية، حيث تهرول الرياض لسحب بساط الريادة في تلك المجالات من تحت أقدام روادها التقليديين في المنطقة، من أجل أن تقدم نفسها بوجه جديد وصورة مغايرة تمامًا تلقى القبول والدعم من الجميع.
مساحيق غسيل السمعة
في تقرير نشرته مجلة “إيكونوميست” عن المليارات التي تنفقها السعودية على كرة القدم، أشار إلى أن حجم الأموال المضخة في هذا القطاع وبلغت 10 مليارات دولار، قد تجعل الدوري السعودي ينافس الدوريات الأوروبية الكبرى، وربما يسحب البساط منها، لافتة أن هذا الإنفاق مدعوم من ولي العهد السعودي، وتشرف عليه الكيانات العملاقة المملوكة للدولة مثل صندوق الاستثمارات العامة وصندوق الثروة السيادية وشركة أرامكو النفطية.
المجلة كشفت أن حملة التسويق الرياضي للسعودية لم تتوقف عند حاجز كرة القدم فقط، وشراء بعض الأندية وعلى رأسها نيوكاسل يونايتد الإنجليزي مقابل 391 مليون دولار، فضلًا عن الحصول على خدمات نجوم كرة القدم في العالم، ما أثار قلق الكثير من مدربي أوروبا والمهتمين بالشأن الرياضي بها، لكنها امتدت لتشمل مجالات أخرى.
القوى الناعمة السعودية تزدهر في كل مكان ..#الاتحاد #النصر @SaudiVision2030 #كاس_الملك_سلمان_للانديه️ #النصر_الشرطه_العراقي pic.twitter.com/SZcAKO2NSd
— أحمد العرفج (@Arfaj1) August 9, 2023
من أبرزها لعبة الغولف، حيث وافقت الهيئة الرئيسية في أمريكا، PGA Tour، على الاندماج مع البطولة السعودية جولة Liv Golf، كما تستضيف جدة سباق الجائزة الكبرى الجديد للفورمولا 1، وتقوم ببناء مضمار بالقرب من الرياض، وفي مجال التنس فهناك تنبؤات بشأن استضافة المملكة بطولات تنس عالمية ومباريات ملاكمة ومصارعة كبيرة وبطولات رياضة إلكترونية في شتى المجالات، فضلًا عن اختيارها لاستضافة الألعاب الآسيوية الشتوية في عام 2029.
وتسعى السعودية من خلال تلك الاستثمارات إلى استقبال 100 مليون زائر سنويًا بحلول عام 2030 مقارنة بـ64 مليون زائر استضافتهم في عام 2021، وهو الهدف الذي يخدم أجندة التنوع الاقتصادي التي تتبناها المملكة، كذلك يخدم رؤيتها السياسية في التسويق لنفسها وقيادتها.
وترى المجلة أن تلك الإستراتيجية التي تتبعها المملكة هي إعادة استنساخ لفكرة قديمة، تقوم على أساس توظيف الرياضة لخدمة الأهداف السياسية، كما فعل موسوليني في كأس العالم عام 1934 وهتلر مع الألعاب الأولمبية عام 1936، والصين عندما استضافت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية العام الماضي، كذلك روسيا التي استضافت كأس العالم لكرة القدم في عام 2018، كما واجهت قطر هي الأخرى اتهامات بالتسويق السياسي خلال استضافتها لمونديال 2022.
يصطدم طموح السعودية بشأن تلك الاستثمارات المليارية في الرياضة بسجلها الحقوقي المشين، الذي سيظل عارًا يلاحقها أينما ذهبت وأنفقت، حيث تراجع الحريات وقمع حقوق المرأة وموجات الاعتقال التي لا تتوقف، كما أن العالم لم ينس بعد جريمة القتل المروعة للصحفي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول أكتوبر/تشرين الأول 2018 ولا مسؤولية الرياض عن آلاف القتلى في اليمن، هكذا اختتمت المجلة الأمريكية تقريرها.