مرتدياً قميصاً أصفر يحمل شعار رابعة المألوف تقدم بطل الكونغ فو المصري محمد يوسف ليستلم ميداليته الذهبية في بطولة العالم في روسيا نهاية هذا الأسبوع. إلا أن ما اعتبره محمد يوسف رمز تضامن مع ضحايا الهجوم العنيف على ميدان رابعة العدوية في مصر في شهر أغسطس (آب) من هذا العام كلفه موقعه في الفريق وأفقده حق التنافس في المسابقات القادمة.
من الجدير بالذكر أن شعار رابعة، الذي يتشكل من أصابع الكف الأربعة مرفوعة وإبهامها مطوية، انتشر حول العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي دعماً للمعتصمين الذين قضوا نحبهم في رابعة، ذلك الميدان الذي يحمل اسم شخصية صوفية عاشت في القرون الوسطي اسمها رابعة (أي الرقم أربعة باللغة العربية)، والتي كانت الطفلة الرابعة التي أنجبتها عائلتها.
أصبح هذا الشعار هو العلامة التي تميز المحتجين ضد الانقلاب عن مؤيديه. بالمقابل كان المطالبون بخلع مرسي في ميدان التحرير يرفعون شعاراً لهم حرف الــــ V (بالإنجليزية) الذي توافق الناس حول العالم على أنه يرمز إلى السلام. يعتقد بأن شعار رابعة نشأ في تركيا حيث رفعه لاعب كرة القدم إمري بيلوزوغلو ولاعبون آخرون بعد كل هدف كانوا يحرزونه أثناء المباريات.
إلا أنه وعلى النقيض من رد فعل الحكومة التركية، التي انتقدت علانية الانقلاب في مصر، سارعت السلطات في مصر إلى اتخاذ إجراء صارم بحق محمد يوسف عقاباً له على تضامنه مع رابعة. فرغم أنه حاصل على ميدالية ذهبية وأخرى فضية، إلا أنه أعيد إلى بلاده من روسيا، وفصل من الفريق الوطني، وبمجرد وصوله إلى مصر تعرض للاستجواب وصدر بحقه منع من تمثيل بلده في بطولة الكونغ فو الدولية القادمة في كوالا لمبور (العاصمة الماليزية) يوم السابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني). وحجة السلطات في ذلك لم تقتصر على اعتباره عديم الولاء لبلده بل ذهبت إلى اتهامه بإهانة مصر بأسرها.
تأتي هذه الحادثة ضمن حوادث أخرى كثيرة تشكل معاً جزءاً من الحرب القمعية ضد حرية التعبير، تلك الحرب التي اجتاحت مصر بطولها وعرضها منذ الثالث من يوليو (تموز). فقد اعتقل السيسي وشركاؤه ما يزيد عن ألفي عنصر من عناصر الإخوان المسلمين. في تلك الأثناء قتل العديد من الصحفيين وتعرض الكثيرون منهم للاعتداء أو الاعتقال ودوهمت العشرات من المؤسسات الإعلامية. ومؤخراً صدر أمر بالتحقيق مع الإعلامي الساخر باسم يوسف بعد أن سخر من الجنرال السيسي في برنامجه التلفزيوني الأسبوع الماضي.
تعيد تجربة محمد يوسف إلى الذاكرة ما جرى في المكسيك عام ١٩٦٨ أثناء الألعاب الأولمبية التي أقيمت في مدينة مكيسكو العاصمة حينما رفع أمريكيان من أصول أفريقية قبضتيهما وقد ارتدتا قفازين أسودين في إشارة إلى شعار القوة السوداء بينما كانت الموسيقى تعزف السلام الوطني الأمريكي. كان الهدف من ذلك الاحتجاج الصامت لفت الانتباه إلى حركة النضال ضد التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية. كان هذان الأمريكيان هما تومي سميث الذي فاز بميدالية ذهبية وجون كارلوس الذي فاز بميدالية برونزية في سباق ٢٠٠ متر عدواً، واللذان قصدا باحتجاجهما التعبير عن الأمل والمقاومة والتحدي. أما بيتر نورمان، الذي فاز بالميدالية الفضية في نفس السباق ووقف إلى جانبهما على المنصة فارتدى شارة “المشروع الأولمبي لحقوق الإنسان” وذلك تضامناً معهما. ارتدى سميث لفحة سوداء، تعبيراً عن العزة السوداء، وارتدى كلاهما جوارب سوداء بلا أحذية تعبيراً عن الفقر.
فيما بعد، قال تومي سميث في مؤتمر صحفي: “إذا فزت فأنا أمريكي ولست أمريكياً من أصل أفريقي. ولكن إذا ما عملت ما يشين فسوف ينعتونني بالزنجي. نحن سود ونحن نعتز بأننا سود.” قام ابن نورمان، واسمه مات، بإعداد برنامج ثائقي عن تلك الحادثة باسم “التحية”، جاء فيه أن الرياضيين السود في ذلك الوقت كانوا يتعرضون للتمييز رغم أنهم كانوا يمثلون بلادهم في الألعاب الأولمبية، ومن مظاهر ذلك التمييز أنهم كانوا يطردون من المطاعم ويفرض عليهم استخدام مراحيض خاصة بهم.
طوال تلك السنوات كان جمهور المتفرجين يهزأ باللاعبين السود وتصدر عنهم شتائم بحقهم ويرجمونهم بما في أيديهم من أشياء. وبعد الحادثة المذكورة آنفاً، اتخذ رئيس اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية قراراً بتجميد عضوية كل من سميث وكارلوس من الفريق الأمريكي وأعادهما إلى بلدهما حيث انهالت عليهم التهديدات بالقتل.
لعل أشهر الرياضيين الذي وقف مدافعاً عن مبادئه هو بطل العالم في الملاكمة محمد علي. ففي السابع والعشرين من إبريل (نيسان) ١٩٦٧ سحبت منه السلطات جواز سفره، ونزعت عنه لقب بطل العالم للوزن الثقيل وحظرت عليه ممارسة الملاكمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية بسبب رفضه الانخراط في التجنيد الإجباري في الجيش الأمريكي أثناء حرب فيتنام. إضافة إلى كل ذلك، صدر بحقه حكم بالسجن لخمسة أعوام وبدفع غرامة قدرها عشرة آلاف دولار.
في مقابلة شهيرة أجريت معه في ذلك الوقت، قال محمد علي: “لا يمكن في أي ظرف من الظروف أن نشارك في حروب تحصد أرواح غيرنا من البشر”.
في عام ١٩٧١ أبطلت المحكمة العليا الأمريكية القرار بإرسال محمد علي إلى السجن، وفي عام ١٩٩٨ تم تكريم كل من تومي سميث وجون كارلوس للدور الذي لعباه في حركة الحقوق المدنية في أمريكا. وبغض النظر عما إذا كان مشجعو هؤلاء اللاعبين أكثر اهتماماً بالدور الذي لعبوه في مجال الرياضة، فقد حقق الرياضيون الثلاثة شهرة لمواقفهم المدافعة عن حقوق الإنسان والعدالة العنصرية لا تقل عن الشهرة التي حققوها من خلال الرياضات التي مارسوها.
بالرغم من أننا لا نعرف بعد مآلات قضية محمد يوسف وما إذا كان سيواجه حكماً بالسجن، إلا أن من المؤكد أن احتجاجه سوف يفهم على أنه مبادرة تضامنية مع أولئك الذين يتعرضون للظلم والاضطهاد وليس على أنه تصرف مشين صدر عن رياضي لا يدين بالولاء لبلده.