ترجمة وتحرير نون بوست
نشرت منظمة الشفافية الدولية تقريرًا سنويًا صنّفت فيه دول العالم حسب نسب الفساد فيها، وتستند الإحصائيات على معدلات حرية الصحافة والشفافية المالية وسيادة القانون.
تحتل أفغانستان، استنادًا إلى إحصائيات المنظمة، المركز الـ 166 من أصل 188 دولة، ففي أفغانستان، يضطر ستة مواطنين من أصل عشرة إلى دفع رشاوى لتسهيل المعاملات الحكومية، وأشار العديد منهم إلى انتشار الفساد واستفحاله في جميع هياكل الدولة وارتفاع نسبه في سنة 2010 مقارنةً بما كانت عليه سنة 2007، وتجدر الإشارة إلى أن أسباب الفساد في أفغانستان متعددة، من بينها اندلاع الحروب وتفشي التخلف والفقر. هذا بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تهيئة المناخ المناسب لتزايد الفساد وتفشيه في كل أركان الدولة.
وصرح مكتب المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان في تقرير نشره بعنوان “الدروس المستفادة”، أن الولايات المتحدة لم تستخفّ فقط بحجم الفساد المستفحل في أفغانستان بل زادت الوضع سوءًا عبر منح مبالغ مالية طائلة لمتعاقدين غير خاضعين للمحاسبة ولحلفائهم المثيرين للريبة، وقد بادرت الولايات المتحدة بمحاربة الفساد بعد عقد من تفشي مظاهره ولم تقم على إثرها بأية محاولات أخرى جدية للإصلاح.
وأشار المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، جون سوبكو، في نفس التقرير إلى أن الفساد في أفغانستان قد شهد تراجعًا إلى حدود سنة 2001، إلا أنه منذ ذلك الحين أصبح أكثر تفاقمًا، وقال سوبكو في هذا السياق إنه “انجر عن محاولات تدخل الولايات المتحدة لإعادة إعمار أفغانستان تفشي فساد منظم في كل أجهزة الدولة من محاكم وجيش وشرطة، بالإضافة إلى الخدمات المصرفية وبقية القطاعات الحيوية الأخرى”.
لقد أصبح الفساد جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفغان منذ سنة 2001 وانعكس ذلك من خلال تحول نظرة الأفغان لظاهرة الرشوة، حيث كانوا يعتبرونها عملًا مخزيًا إلا أنه أصبح هناك اتفاق ضمني على أنها شر لا بد منه.
كما أن الولايات المتحدة قامت بضخ عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأفغاني، معتمدة على انعدام الرقابة وعلى التعاقد مع جهات مشبوهة فضلاً عن الشراكة مع أجهزة تابعة للدولة حيث إن جلّهم متهمون بالفساد.
وفي سنة 2012، بلغ إنفاق وزارة الدفاع الأمريكي أوجه في أفغانستان، حيث تجاوز الإنفاق 19 مليار دولار أي ما يعادل 93% من الناتج الداخلي الخام في أفغانستان، وقد لاحظ المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان أنه قد تم اختلاس جزء من المبالغ التي من المفترض استغلالها في دعم الاقتصاد الأفغاني، وكما هو متوقع، فإن الاقتصاد المحلي عجز عن التعامل مع فوائض الأموال مما تسبب في تفشي المزيد من الفساد.
وقد تعمق هذا الفساد من خلال تعامل واشنطن مع قادة حروب فاسدين؛ فقد قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “بتفريغ أكياس نقدية” في مكتب الرئيس الأفغاني في العاصمة كابول، وبالتالي، فشلت الولايات المتحدة في معالجة الفساد في وقت مبكر كما عجزت عن دعم حكومة نزيهة وشفافة.
تداخل الفساد مع الجهود الأمريكية لإصلاح التعليم نزولًا تحت رغبة دافعي الضرائب الأمريكيين الذين ظنوا أنه سيتم إنفاق أموالهم في بناء مدارس وتهيئة محيط دراسي سليم للأطفال الأفغان، حيث إن المدارس القليلة التي تم إنشاؤها وأصبحت قيد العمل تعتبر من المباني الآيلة للسقوط، وعلى عكس السجلات الرسمية، فإن عدد المنتسبين من ذكور وإناث قليل جدًا.
إن مشكلة الفساد في أفغانستان متجذرة وعميقة ولا يمكن لبرنامج واحد أن يجد لها حلًا، بل بالعكس إن محاولات الولايات المتحدة لمحاربة الفساد والتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان باءت بالفشل وأصبحت مكلفة للغاية.
قدم المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان في تقريره قائمة تتمثل في ستة دروس وست عشرة توصية فيما يخص السياسة الخارجية الأمريكية في تعاملها مع أفغانستان استنادًا إلى الأبحاث التي قام بها، هذه التوصيات القيمة لم تجد صداها المتوقع، من بين هذه التوصيات ضرورة تقديم تكوين مهني للمقاولين والوكلاء الأجانب، ولكن الإجراء الضروري الآن هو إعادة تقييم جذري للسياسة العدوانية الخارجية الفاشلة التي أدت إلى خلق تلك العلاقات المشبوهة في المقام الأول.
وتجدر الإشارة إلى أن المشكلة في أفغانستان لا تكمن في الفساد المنظم الذي دعمته الولايات المتحدة، بل في تدخلها في الشؤون الداخلية لأفغانستان، فإذا كنا نرغب في تجنب تكرار الأخطاء، يجب أن تخضع واشنطن إلى التدقيق مثلها مثل كابول لتجنب مزيد من الفساد الإداري.
المصدر: فيديراليست