لم تتوقف تداعيات التصريحات المفبركة المنسوبة لأمير قطر منذ لحظة صدورها ليلة الثلاثاء 23/5/2017، ورغم تكذيب تلك التصريحات من قبل الحكومة القطرية وتوضيح الأمر للجميع، فإن وسائل إعلامية معروفة بعينها، أصرت على إعادة نشر تلك التصريحات مرارًا وتكرارًا بشكل يوضح للجميع أن هناك أمر قد بُيّت لدولة قطر.
والتصعيد الإعلامي الذي تلا تلك العملية المفبركة ومن دول معينة ومعروفة، يدلل بما لا يدع الشك أن هناك إرادة إقليمية وخليجية قد تم الإعداد لها لضرب هذه الدولة، ذلك لأنها تمضي بما لا تشتهي نفوس حكام أبو ظبي، الذين يحاولون بذل كل جهدهم لمسك سياسة المنطقة، متجاوزين بذلك السعودية التي نجحوا في استدراج أميرها الشاب محمد بن سلمان وجعلوه يغرد في صفهم.
وسمح أولاد زايد لأنفسهم باللعب بالنار من خلال دعم فريق على حساب فريق آخر في العائلة المالكة السعودية نفسها، ولا نعرف إلى ماذا ستنتهي تلك اللعبة الخطيرة التي يلعبونها.
لو تذكر هادي أن قطر التي يتهمها بدعم الانقلابين والإرهابين باليمن، هي نفسها التي تدفع رواتب السلك الدبلوماسي اليمني للسلطة الشرعية منذ سنتين، لما أقدم على مثل هذه الخطوة وحفظ لليمن وشعب اليمن كرامته المنتهكة من قبل الإمارات والسعودية
وبعد مضي أكثر من أسبوع على الحملة الإعلامية التي قادتها القنوات المرتبطة بالإمارات، دون أن تأتي تلك الحملة أوكلها، بالأخص بعد أن سيطرت الفضائح التي نُشرت عن وزير الخارجية الإماراتي ومراسلاته مع أشخاص يرتبطون بالكيان الصهيوني، اضطروا للانتقال إلى مرحلة متقدمة من خطتهم التي تستهدف النظام القطري، فقاموا بحملة قطع العلاقات الدبلوماسية معها وضرب حصار بري وبحري وجوي عليها، يذكرنا بحصار ظالم قامت به نفس الدول مع أربابهم من الدول الغربية في فترة التسعينيات على العراق، جارين معهم الذي لا يشبع من الرز الخليجي، ومع الأسف وصل الأمر بمصر أكبر دولة عربية، للحال الذي لا يختلف فيه أمرها عن “جزر المالديف” في قرارها السياسي المرتهن بأمراء البادية الموجودين في الخليج.
ويوجهون الأمر للمغلوب على أمره رئيس اليمن هادي منصور بقطع علاقته بقطر، وهو الذي يقيم في الرياض مضطرًا بما يشبه الإقامة الجبرية، ولو تذكر هادي أن قطر التي يتهمها بدعم الانقلابين والإرهابين باليمن، هي نفسها التي تدفع رواتب السلك الدبلوماسي اليمني للسلطة الشرعية منذ سنتين، لما أقدم على مثل هذه الخطوة وحفظ لليمن وشعب اليمن كرامته المنتهكة من قبل الإمارات والسعودية، ناهيك عن دول لا يتم ذكر أسمائها إلا وقت التصويت على أمر ما، مثل جزر المالديف وجزر القمر للاستعانة بأسماء دولها لقاء مبالغ زهيدة.
ما سر عداوة أولاد زايد لقطر؟
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011 ودولة الإمارات العربية جعلت من نفسها المدافعة المخلصة عن ديكتاتوريات الأنظمة العربية التي سقطت غير مأسوف عليها، ونصَّبت نفسها الخصم اللدود للثورات الفتية في الدول العربية بثورة مضادة، على عكس ما فعلته قطر التي حاولت بكل جهدها دعم تلك الديمقراطيات الوليدة في الدول العربية، وعلى هذا نشأت العداوة البدوية التي لا تعرف مجال لمساحة من الاختلاف وإنه لا يفسد للود قضية.
عداوة الإمارات وباقي دولة الخليج العربي الحقيقية لقطر، لاعتقادها بأن وصول الإخوان للحكم في بعض الدول العربية والمدعومين من قبل قطر (حسب ظنهم) سيكون نذير شؤم وخطرًا كبيرًا على عروشهم، وأن هذه الجماعة سوف تزعزع أنظمتهم، رغم أن نظام قطر من حيث طريقة الحكم لا يختلف كثيرًا عن أنظمتهم، لكنه مع ذلك دعِم النظام القطري تطلعات الشعوب العربية
بل إنه تسلل إلى النفوس وأصبح حقدًا لا يستطيع كل ماء البحر أن يغسله، قطر تلك الدولة الصغيرة بمساحتها والكبيرة بسياستها، سببت الصداع لرؤوس الكثير من الحكام العرب، بسبب مواقفها وقناتها الفضائية التي فضحت ونشرت غسيلهم القذر على الملأ.
إن عداوة الإمارات وباقي دولة الخليج العربي الحقيقية لقطر، لاعتقادها بأن وصول الإخوان للحكم في بعض الدول العربية والمدعومين من قبل قطر (حسب ظنهم) سيكون نذير شؤم وخطرًا كبيرًا على عروشهم، وأن هذه الجماعة سوف تزعزع أنظمتهم، رغم أن نظام قطر من حيث طريقة الحكم لا يختلف كثيرًا عن أنظمتهم، لكنه مع ذلك دعِم النظام القطري تطلعات الشعوب العربية ولم يتعامل مع إرادة الشعوب بالطريقة البشعة التي تعاملت بها الإمارات معهم.
ووصلت الغيرة والحقد البدوي بأصحابها لمراحل بالغة في الوضاعة، فهم يحقدون على نجاح قطر بتنظيم كأس العالم لكرة القدم القادمة، وامتلاكها لأنجح قناة إخبارية بالعالم العربي، الأمر الذي يدلل على ضحالة تفكيرهم وانسلاخهم من كل ما يمت للقيم السامية بعلاقة.
ما الذي يريد أن يفعله أولاد زايد؟
من خلال الهجمة الإعلامية المنظمة من قبل الإمارات وباقي الدول التي تناصب قطر العداء، يبدو أن هذه الدول عازمة على اقتراف أمر جلل، فالكثير من المحللين السياسيين الذين يعرضون وجهة النظر الإماراتية يهيئون الأجواء لتدخل عسكري مباشر ضد النظام القطري، ويعدون العدة لذلك، فيقول أحد المحللين على قناة العربية، إنه لا يوجد أمام قطر سوى تغير نظام حاكمهم الحالي، أو الامتثال لكل ما تريده منهم دول الخليج، أو بمعنى أدق ما تريده منهم الإمارات، وهو أمر خطير يؤسس ليس لديكتاتورية في محيط بلدهم المتحققة فعلًا، إنما بدأت تحاول فرض ديكتاتوريتها على باقي الدول المجاورة منها وغير المجاورة.
ولتمرير هذه الرغبة الإماراتية ساقت الإمارات والدول التي معها مجموعة من الاتهامات لقطر بعيدة جدًا عن الواقع ويصعب الاقتناع بها لهشاشتها، مثل دعمها للحوثيين في اليمن وتحالفها مع إيران ودعمها للحركات الإرهابية، والكثير من التهم الباطلة التي يحاولون من خلالها شيطنة قطر، وهي من البطلان بحيث لا تنطلي على أحد، ولو كانت العلاقة مع إيران تهمة بالنسبة لإيران والإمارات، لماذا يسكتون عن سلطنة عُمان التي تقيم أوثق العلاقات مع إيران علنًا ودون مراعاة لا للسعودية ولا لغيرها، بل إننا لا نستبعد أن يقوموا بفبركة بيان صادر من داعش أو القاعدة تدعم فيه قطر، لتثبيت تهمة دعم الإرهاب عليها.
مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعبر عن نبض الشارع الخليجي، تنطلق بهاشتاجات ترفض هذه الهجمة غير المبررة ضد قطر، ولتثبت شعوب الخليج أنها مع الحق وضد الظلم الذي يقع على دولة شقيقة مثل قطر
كل هذا جعل مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعبر عن نبض الشارع الخليجي، تنطلق بهاشتاجات ترفض هذه الهجمة غير المبررة ضد قطر، ولتثبت شعوب الخليج أنها مع الحق وضد الظلم الذي يقع على دولة شقيقة مثل قطر.
ولأجل تطبيق سيناريو إسقاط النظام القطري فهناك خطط عدة لذلك، أحدها إحداث الفتنة داخل عائلة آل حمد من خلال دعم أولاد عمه ذوي التوجهات المختلفة تمامًا مع توجهات الأمير “تميم”، أما إذا لم ينجح هذا السيناريو فإن السيناريو الأقرب للتحقيق هو التدخل العسكري المباشر للقوات السعودية والإماراتية لإسقاط النظام القطري.
وفي هذه الحالة فإن القوات القطرية لن تستطيع دفع هذا العدوان وحدها، لا سيما أن في قطر قاعدة كبيرة للقوات الأمريكية يمكن أن تساعد المعتدين عسكريًا، يبقى السؤال هنا ماذا سيكون رد فعل تركيا التي ترتبط باتفاقية دفاع مشترك مع قطر وتمتلك قاعدة عسكرية فيها قوامها ثلاثة آلاف جندي تركي؟
على ما يبدو أن تركيا في موقف صعب، حيث تجد نفسها في ورطة كبيرة إذا تدخلت لصالح قطر عسكريًا في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها، وما ستعمل عليه تركيا هو محاولتها لاحتواء الأزمة دبلوماسيًا، حيث ظهر وزير خارجيتها ليعرض التدخل بوساطة بين الأطراف المختلفة، وفي ظننا أن تلك المساعي التركية لن تكون لها آذان صاغية من الإمارات والسعودية بعد أن حسموا أمرهم.
ليست قطر وحدها مستهدفة
يبدو أن الإمارات والسعودية تتعاملان مع الموضوع القطري وقضايا أخرى بالمنطقة كدفعة واحدة، فمن المرجح أن يرافق محاولات تغيير النظام القطري، الهجوم على غزة ومحاولة إلغاء حركة حماس من المعادلة السياسية في الإقليم.
فـ”إسرائيل” ليس لديها مثل هذه الفرصة المثالية المتمثلة بمواقف العرب المعادية للإخوان وحماس وتوجههم للكيان الصهيوني على اعتباره حليف وليس عدوًا، ورغم إعلان حماس بعدم ارتباطها بأي نوع من الرابط التنظيمي بالإخوان المسلمين، فإن هذا لا يعفيها من ذنب خياراتها الوطنية التحررية من وجهة نظرهم.
لو أن نتيجة القتال باليمن لتخليصها من الحوثيين، احتلالها من قبل ولدي زايد وسلمان، فيالها من أثمان باهظة تلك التي دفعها الشعب اليمني على لا شيء
إن أحد أهم المستهدفين بالحملة ضد قطر هي جماعة الإخوان المسلمين التي يتوحد في عدائها كل ديكتاتوريات المنطقة و”إسرائيل” عدوة الأمة الرئيسية والولايات المتحدة، وسيستمر مسلسل الاستهداف، باستهداف ليبيا وشعبها المنكوب من خلال رجلهم هناك “حفتر” الذي افتضح أمر عمالته للقاصي والداني، فالقوات الفرنسية تدعمه وتقاتل معه، والسيسي يرسل طائراته لتقاتل معه، وكذلك طائرات الإمارات.
ويعدون الخطط لليمن بقسمتها لشمال وجنوب، فتستأثر الإمارات بالجنوب وتمنّي السعودية بدولة موالية لهم بالشمال بقيادة “نجل علي صالح” بعد أن يسحقوا فيها حزب الإصلاح الغريم التقليدي لمشايخ وأمراء الخليج، ولو أن نتيجة القتال باليمن لتخليصها من الحوثيين، احتلالها من قبل ولدي زايد وسلمان، فيالها من أثمان باهظة تلك التي دفعها الشعب اليمني على لا شيء، بل إننا لا نستبعد أنهم سيستهدفون نظام الحكم في السودان، وما كشفه السودان من التدخل المصري في الشأن السوداني ودعمه لحركات التمرد هناك ليس ببعيد ونحن نعلم بأمر من يتحرك السيسي.
مؤامرة كبيرة على السعودية
هي مؤامرة كبيرة لو يفطن لها قادة السعودية ويدركون أنهم في النهاية سيكونوا المستهدفين، وكذلك ديننا الإسلامي وفق مذهب أهل السنة والجماعة وإحلال فقه الجامية محله، وقد عملت الإمارات في سبيل هذا الكثير، ليس آخرها مؤتمر كروزني الذي أخرج علماء أهل السنَّة كلهم من أهل السنَّة والجماعة، وهو يوضح لنا مدى التوافق الإماراتي مع الخطط “الإسرائيلية” والإيرانية في رسم مستقبل المنطقة الذي لن يكون للإسلام القويم فيه وجود إذا ما نجحت خططه لا سامح الله.
مع شديد الأسف عندما كانت تلك الشعوب ترجو من السعودية قيادة العرب والمسلمين، نجد أنها تُقاد من قبل الإمارات، وإذا استمر الحال على هذا فإن النصر سيكون لا محالة حليفًا لإيران
وفي الوقت الذي تكتوي الشعوب العربية بنار المد الإيراني، وترنو إلى السعودية لتوحيد جهود العرب والمسلمين ضد الخطر الإيراني، نجدها تفتح حروبًا جانبية ضد قطر من أجل سواد عيون ابن زايد، لقد أحبطتم شعوبنا أيما إحباط.
ومع شديد الأسف عندما كانت تلك الشعوب ترجو من السعودية قيادة العرب والمسلمين، نجد أنها تُقاد من قبل الإمارات، وإذا استمر الحال على هذا فإن النصر سيكون لا محالة حليفًا لإيران ما دام الخلاف مستمرًا بين العرب، وقد صدق خامنئي حينما قال: “السعودية لن تنتصر في اليمن”.