ترجمة وتحرير نون بوست
تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى على لائحة أكثر البلدان الخليجية تلوثا للهواء، تليها قطر في المرتبة الثانية، تتبعها كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين. عادة، يرتبط تفكيرنا بشأن الهواء الملوث بالدخان بالسماء التي يملأها السخام فوق بكين أو دلهي. في المقابل، يتنفس القاطنون في بلدان الخليج الهواء الأكثر سموما على كوكب الأرض، وذلك وفقا لما ورد في أحدث تحليل يستند إلى البيانات المتأتية من منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة. ونتيجة لذلك، يُعرّض أهل الخليج أنفسهم لجميع أنواع الأمراض والعلل.
في الواقع، يُقاس تلوث الهواء المحيط أو الهواء الطلق في المقام الأول وفقا لمقياسين انطلاقا من مستويات الجسيمات في الهواء. وفي هذا الصدد، ترتبط الجسيمات التي تُدعى “بي أم 10″، أي التي يبلغ قطرها 10 ميكرومتر أو أقل، بأنواع التلوث الأكبر والأكثر رداءة، فيما ترتبط الجسيمات “بي أم 2.5” بالجسيمات المجهرية الأصغر التي يكون قطرها أصغر بحوالي 30 مرة من قطر شعيرات الإنسان.
في الواقع، يتسبب هذا النوع من الجسيمات، الذي غالبا ما يُشار إليه “بالقاتل الصامت”، حتى وإن كان في مستويات منخفضة، في الأضرار الأكثر خطورة، حيث يشق طريقه مباشرة إلى الجهاز التنفسي ويصل إلى الرئتين. ووفقا لما أفادت به دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية، “تتسبب الجسيمات الصغيرة الملوثة في أضرارا صحية حتى وإن كانت نسبة تركيزها منخفضة. وفي الحقيقة، لم يقع تحديد المستوى الذي لا يلحق دونه أي ضرر بالصحة”.
الضباب الدخاني فوق طريق الشيخ زايد في دبي
لسوء حظ سكان الدول الخليجية، تعتبر المعدلات التي تسجلها المنطقة على مقياس “بي أم 2.5” مرتفعة بشكل غير مسبوق. وخلافا لذلك، تنص الإرشادات أو التوصيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية بشأن التعرض لمستويات تلوث الهواء على مقياس “بي أم 2.5” على أن المتوسط السنوي يبلغ 10 ميكروغرام لكل متر مكعب من الهواء.
من جهة أخرى، يظهر التحليل الذي يستند إلى بيانات سنة 2016، الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة لدراسة التلوث لكل بلد على حدة في جميع أنحاء العالم، أن المتوسط السنوي لتلوث الهواء في المملكة العربية السعودية يتصدر المركز الأول على الرسوم البيانية العالمية. ويبلغ هذا المتوسط 108 و127 ميكروغرام في بعض المناطق الحضرية، وهو ما يعادل أكثر من 10 أضعاف الرقم الذي تشير إليه منظمة الصحة العالمية.
أما بالنسبة لقطر، فتأتي بعد السعودية بمتوسط سنوي يبلغ 103 ميكروغرام، تليها مصر بمتوسط سنوي يصل إلى 93. وتظهر كل من الكويت والإمارات وليبيا والبحرين من بين أبرز 12 دولة يُشار إلى نوعية الهواء الخارجي فيها على أنها الأكثر تلوثا في العالم. في المقابل، يبلغ المعدل في الهند 62 ميكروغراما وفي الصين 54، فيما تحتل نيوزيلندا آخر القائمة بمعدل 5 ميكروغرامات، ما يعني أنها تتميز بالهواء الأنظف من بين هذه الدول.
تغرق المدن الخليجية على امتداد أيام لا تحصى في الضباب الناتج أساسا عن الغبار والعواصف الرملية التي تثيرها وتدفعها الرياح في المنطقة
مستويات مرتفعة من الغبار
تتباين الأسباب التي تقف وراء هذه المستويات المرتفعة من التلوث. ووفقا لما أفادت به منظمة الصحة العالمية، “لا يعد مصدر كل تلوث هوائي الأنشطة التي يقوم بها البشر. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تتأثر نوعية الهواء جراء العواصف الرملية، خاصة في المناطق القريبة من الصحاري”.
على صعيد آخر، قد لا تعاني الرياض أو قطر أو البحرين من موجات واضحة للغاية من الضباب الدخاني الأسود والسخام الظاهر في مدن من قبيل تشنغدو الصينية أو الله أباد الهندية أو كراتشي الباكستانية. في الواقع، غالبا ما يكون التلوث في هذه المدن ناجما بالأساس عن الدخان الصادر من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالاعتماد على الفحم وغيرها من المنشآت الصناعية.
من جهة أخرى، تغرق المدن الخليجية على امتداد أيام لا تحصى في الضباب الناتج أساسا عن الغبار والعواصف الرملية التي تثيرها وتدفعها الرياح في المنطقة انطلاقا من أبعد نقطة في الصحراء. وعلى الرغم من أن التلوث قد لا يكون جليا للعيان، إلا أنه يظل مميتا، حيث غالبا ما يحتوي على مستويات عالية من الفيروسات والمواد الكيميائية وحتى المواد المشعة التي تستخدمها الجيوش في المنطقة.
موظفون يعملون في المطار الكويتي بصدد كنس الرمل استعدادا لقدوم الرئيس الفرنسي خلال شهر شباط/فبراير سنة 2009، بعد هبوب عاصفة رملية.
في حقيقة الأمر، يُؤدي هذا المزيج من الهواء الملوث عند دخوله الجسم إلى ارتفاع خطر التعرض لمشاكل صحية كبيرة، في حين يُشار إليه على أنه عامل محتمل ومهم يساهم في ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض السرطان والقلب والجهاز التنفسي. وفي هذا السياق، يمثل الربو مشكلة صحية خاصة في المنطقة، حيث يُعاني منها حوالي ربع سكان السعودية، ما يمثل أحد أعلى المعدلات في العالم. ولكن، لا يمكن بأي حال من الأحوال إلقاء اللوم بشكل كامل على العواصف الرملية والغبار لتسببها في تفشي التلوث في المنطقة أو على التغيرات المناخية المختلفة.
الدور البشري
ساهمت الدول الخليجية في تفاقم المشكلة من خلال توظيفها لثرواتها النفطية والغازية الهائلة في إطار سياسات متهورة تهدف من خلالها لتحقيق نمو اقتصادي واستهلاك مرتفع، وذلك على حساب البيئة وصحة شعوبها. وقد شهد معدل الدخل الفردي في قطر، التي تعد أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم، ارتفاعا خلال السنوات 17 الماضية. فقد ارتفع معدل الدخل الفردي من 30 ألف دولار سنة 2000 إلى 130 ألف دولار. في الأثناء، يتَحتم على المملكة الصحراوية الصغيرة أن تدفع ثمن هذا التطور.
على العموم، وإلى حد الآن، تعد قطر أكبر مصدر للغازات الدفيئة التي تعتبر من أبرز العوامل وراء تغير المناخ. علاوة على ذلك، تعتبر صناعات النفط والغاز، إضافة إلى إنتاج الخرسانة الضخمة المستخدمة في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك الاستعداد لفعاليات كأس العالم لكرة القدم 2022، المساهم الرئيسي في تلوث الهواء والبيئة.
خلال شهر آب/أغسطس سنة 2017، تم كشف النقاب عن نموذج لملعب الثمامة في الدوحة، الذي يتم تشييده من أجل كأس العالم سنة 2022، والذي سيتسم بنظام تبريد ذو تكنولوجيا فائقة.
في حقيقة الأمر، يقع في الدول الخليجية دعم المياه والكهرباء بنسب كبيرة من قبل الدولة في حين يقبل المواطنون على استخدامها بشكل مبالغ فيه. أما بالنسبة لقطر، يقع استخراج 90 بالمائة من المياه من محطات تحلية مياه البحر. فضلا عن استهلاك هذه المحطات لنسب مرتفعة من الطاقة، تعد أيضا مصدرا للتلوث. وفي هذا الصدد، أعلن حكام قطر عن مخططات لمزيد اعتماد الطاقات المتجددة غير الملوثة للهواء، إلا أنه لم يقع تحقيق أي تقدم يذكر في الغرض.
في الآن ذاته، رفضت السلطات تقارير منظمة الصحة العالمية، وذلك نظرا لوجد نتائج أخرى فيما يتعلق بنسبة التلوث تدعي أنه لا يوجد أي خطر على صحة السكان. والجدير بالذكر أنه قد تم تسجيل مستويات مرتفعة لتلوث الهواء في كل من الدوحة ومدينة الوكرة.
واقع قاتم
في معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية، أصبح إنكار الوقائع فيما يتعلق بالتلوث، بمثابة رد فعل مشترك بين مختلف الدول. وعلى الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد اتخذت بعض الخطوات لمكافحة تلوث الهواء، إلا أن البيانات تظهر أنها لا تزال من بين مناطق العالم الأكثر تلوثا. في الأثناء، ما فتئت السلطات في الرياض والبحرين والدوحة تدّعي، في ظل الاعتماد على بعض المبررات، أن الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والوكالات الأخرى، مربكة في بعض الأحيان في حين تستند إلى معايير مختلفة.
بعض البلدان، لا سيما في أوروبا، لديها شبكات شاملة من محطات الرصد الأرضية، التي تعتبر أكثر الآليات دقة لقياس مستويات تلوث الهواء
فضلا عن ذلك، لم تتوان هذه الدول عن التطرق إلى واقع أن البلدان الأخرى لديها مشاكل على حد السواء فيما يتعلق بتلوث الهواء. من جانبها، أكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 90 بالمائة من سكان العالم يعيشون في المناطق التي يشكل فيها الهواء خطرا على الصحة. وفي هذا السياق، اضطرت مدن في أوروبا، مؤخرا، على غرار لندن وباريس، إلى اتخاذ جملة من الإجراءات للحد من تلوث الهواء.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض البلدان، لا سيما في أوروبا، لديها شبكات شاملة من محطات الرصد الأرضية، التي تعتبر أكثر الآليات دقة لقياس مستويات تلوث الهواء. وعموما، يتطلب الرصد نسبة التلوث في الهواء معدات متطورة وخبرة تقنية فضلا عن تمويل مستدام، في حين يجب أن يتم إدارتها بشكل سليم. في المقابل، وفي معظم أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا يوجد إلا عدد قليل من هذه المحطات في حين أنها متباعدة، ولا تدار بشكل متسق في معظمها. نتيجة لذلك، لا يوجد قدر كاف من البيانات الموثوقة.
بدلا من ذلك، يتم رصد البيانات المتعلقة ببلدان المنطقة في المقام الأول من قبل وكالة ناسا وأقمار صناعية أخرى، علما وأنه، أحيانا، تكون هذه المعلومات غير دقيقة نظرا للغطاء السحابي وبسبب ظروف الأرصاد الجوية الأخرى. ومع ذلك، وبغض النظر عن كيفية الحصول على هذه الإحصائيات أو تحليل فحواها، تعد صورة التلوث في معظم أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قاتمة. ففي الحقيقة، باتت المنطقة تفقد الهواء النقي بنسق سريع.
المصدر: ميدل إيست آي