تم توقيف القس أندرو برانسون في ديسمبر 2016 بتهم التجسس وارتكاب جرائم لصالح تنظيم غولن وحزب العمال الكردستاني، حيث ذكر الملف القضائي لبرانسون أنه كان على علاقة قريبة بإمام منطقة “إيغي” التابع لتنظيم غولن أو الكيان الموازي، وعلى الرغم من أن كنيسة الراهب برانسون كانت في ولاية إزمير، فإن هاتفه المحمول أعطى إشارات توضّح وجوده في منطقة سوروج التابعة لولاية أورفا خلال مرحلة إرهاب تنظيم حزب العمال الكردستاني.
وفي أغسطس 2018 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا بسبب رفض الأخيرة إطلاق سراح القس وفيما رفضت تركيا العقوبات وتعاملت بنبرة تحد مع التهديدات مثل مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الألمونيوم والصلب التركية رغم وجود تراجع في الليرة التركية وحالة اقتصادية سببت شيئًا من عدم اليقين أمام المستثمرين، فإن شهرين من الزمن تقريبًا كانا كفيلين بحل الأزمة المتعلقة ببرانسون، فمحكمة الجنايات الثانية في ولاية إزمير التركية التي قضت بسجن برانسون 3 أعوام وشهر ونصف الشهر، إثر محاكمته بتهم التجسس وارتكاب جرائم باسم منظمات إرهابية، أمرت بإطلاق سراحه بعد الأخذ بعين الاعتبار الفترة التي قضاها في الحبس”.
رغم أنه لم يتم بعد رفع العقوبات الأمريكية على تركيا بخصوص مسـألة برانسون فإن هذا متوقع قريبًا، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في زيارته الأخيرة لتركيا: “سوف نتوصل إلى قرار قريبًا، الآن، هناك مبرر لرفعها – أي العقوبات – لكن لم يتم التوصل إلى القرار النهائي بعد، وسأتباحث مع الرئيس دونالد ترامب في هذا الخصوص”.
في الحقيقة هذه الخلافات هي أشبه بالبثور التي تظهر نتيجة وجود مرض داخلي، وهذا المرض في بسبب أنه لا يوجد تحالف حقيقي بين تركيا والولايات المتحدة
وهنا من الجدير بالذكر أن هناك من يرى أن موقف واشنطن من عملية إطلاق سراح برانسون هجمة جديدة على تركيا حيث قالت الكاتبة فاطمة أوزكان في مقالها في صحيفة ستار: “أمريكا تحاول تشكيل إدراك خاطئ لدى الرأي العام العالمي على الرغم من جميع الأشياء الواقعية التي تذكرها تركيا، إذ قال ترمب: “لم نتفق مع تركيا، أنا لا أتفق في خصوص الرهائن، أجرينا المفاوضات مع تركيا لفترة طويلة، وأكدنا أننا لن ندفع الفدية مقابل إطلاق سراح الرهائن”.
ومن الغريب أن ترامب قال هذه العبارات وكأن برانسون كان أسيرًا بشكل غير قانوني في يد تركيا ولم يكن سجينًا متهمًا بدعم الإرهاب، وكأن المرحلة القضائية قابلة للتفاوض أو حاولت تركيا التفاوض في هذا الخصوص أو أن تركيا طالبت بالفدية مقابل إطلاق سراح برانسون، وفي هذا السياق يجب على تركيا عكس مسار الإدراك الخاطئ الذي يحاول ترامب تشكيله، إضافةً إلى إظهار الواقع أمام أعين العالم، لأن الموقف الأمريكي يمثّل هجمة جديدة ولكن بشكل مختلف عن سابقاتها.
ربما أحدثت عملية إطلاق برانسون حالة من الارتياح في العلاقة بين البلدين لكن الأزمات والخلافات الرئيسية بين البلدين تجاه قضايا مركزية ما زالت موجودة منها مستقبل سوريا والقضية الفلسطينية والعلاقة والدعم الأمريكي لتنظيم غولن وتنظيم حزب العمال الكردستاني وعلاقة تركيا مع روسيا وإيران.
كل هذه الخلافات كانت تتفجر في صورة أزمات أصغر يمكن حلها جزئيًا مثل أزمة التأشيرات وأزمة رضا صراف وأزمة تهم اعتقال حراسة أردوغان في زيارته للولايات المتحدة وأزمة برانسون وأزمة شراء منظومة إس 400 من روسيا وهي في الحقيقة البثور التي تظهر نتيجة وجود مرض داخلي وهذا المرض في الحقيقة بسبب أنه لا يوجد تحالف حقيقي بين تركيا والولايات المتحدة ويوجد خلاف في قضايا إستراتيجية وهذا يسبب تناقضًا مع الماضي الذي كانت فيه العلاقة بينهما تعرف على أنها تحالف مع أنها أيضًا لم تكن كذلك تمامًا، وبالتأكيد كلما تم معالجة البثور سيتم إنتاجها مرة أخرى من جديد لأن العلاج يكون للعرض وليس للمرض.
لا يوجد حتى الآن سفير أمريكي في تركيا وعودته قد تكون خطوة مهمة للتطبيع
وهذا يجعلنا نقول إن إطلاق سراح برانسون قد يكون عاملاً مساهمًا في تخفيف التوتر وليس في حل الأزمات والخلافات الموجودة، ولكن الجانب الإيجابي في الأمر أن إنهاء العقوبات وإنهاء لغة التهديدات – خاصة أن إدارة ترامب ستسوق إطلاق سراح برانسون على أنه انتصار أمام الناخبين – يشير إلى أن حوارًا جاريًا بين تركيا والولايات المتحدة ومن المقرر أن يستمر في قضايا عديدة منها العمل الذي بدأ ولم يستكمل في منبج، وهناك إرهاصات للوصول لحل بشأن أزمة نائب رئيس مصرف هالك بنك هاكان أتيلا المعتقل في الولايات المتحدة، إضافة إلى الحوار الجاري في جريمة اختفاء واغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فقد كان هناك لقاء حواري بين أردوغان ووزير الخارجية التركي مع وزير الخارجية الأمريكي ومن المرجح أنه تم فتح هذه الملفات.
ربما سيكون للتفاهم بشأن هذه القضايا التي تبرز على أجندة علاقة البلدين انعكاسات إيجابية على بقية الملفات، وقد ذكرت في مقال سابق أن قضية تنظيم غولن قد تكون أسهل من قضية حزب العمال الكردستاني خاصة بعد الضربة التي تعرضت لها المنظمة داخليًا وخارجيًا، ولكن عدم التفاهم بشأن ملفات الحوار الحاليّة ستفتح أزمات ثانوية جديدة وربما أكبر من التي قبلها.
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى ما ذكرته الكاتبة هاندي فرات “أنه لا يوجد حتى الآن سفير أمريكي في تركيا وعودته قد تكون خطوة مهمة للتطبيع”، ولا أعلم هل تمثل عودته مؤشرًا للتحسن أو بوابة لخلق أزمات جديدة.