تنتشر في مختلف مدن وقرى المملكة المغربية العديد من الأضرحة والزوايا التي أدمن السكان منذ القدم زيارتها والتبرك بها طلبًا للرزق والعلاج وأشياء أخرى لا يجدها المغاربة إلا هناك عند الوليّ الصالح، من هذه القرى قريتا “للاميمونة” و”مولاي بوسلهام” اللتان ترتبطان بتاريخ كبير، فالتقارب الجغرافي ينم عن تقارب في التاريخ والتقاليد والأعراف، وفق ما تناقله المغاربة شفويًا في غياب النص المكتوب، فماذا يحمل المخيال الثقافي والشعبي عن هاتين القريتين؟
العلاقة بين الوليين حسب الأسطورة
تقع الجماعة القروية “للاميمونة” في منطقة إستراتيجية ضمن الجماعات المحلية المنتمية لإقليم القنيطرة بجهة الرباط سلا القنيطرة، ولهذا الاسم العديد من الدلالات، وفق الباحث المغربي في علم الاجتماع محمد قويط الذي يقول إن الروايات الخاصة بتسمية للاميمونة متعددة، إلا أن أكثرها شيوعًا أن الاسم نسبة إلى الولية الصالحة التي يوجد ضريحها بساحة النزالة.
ويقول قويط في تصريحه لنون بوست: “هذه الولية الصالحة ترجع حسب السكان من الشرفاء الكناويين بالصحراء، وقد عاصرت الولي الصالح مولاي بوسلهام الذي يبعد ضريحه نحو 30 كيلومترًا عن الجماعة”.
فيما توجد مدينة مولاي بوسلهام الساحلية شمال غرب البلاد، ويقول محمد إن اسم المدينة يعود لأحد الأولياء الذي يقال إنه أتى إلى المدينة من مصر فاستقر بها وسمي بهذا الاسم أي السلهام نسبة للباسه التقليدي “السلهام” والسلهام حسب ما هو متعارف عليه هو البرنس أو العباءة.
يرى الأهالي أن لكل واحد من الأولياء الصالحين في المغرب خوارق عديدة عُرف بها
يقول محمد إنه توجد علاقة تاريخية قديمة قدم التاريخ بين مولاي بوسلهام وللاميمونة، حيث “نجد المخيال الثقافي والشعبي يحمل رواية تؤكد أن الولية الصالحة للاميمونة الكناوية سقطت في حب الولي مولاي بوسلهام، وعندها دعت الله أن يجعلها أمة سوداء، كي لا تلهي مولاي بوسلهام عن عبادة الله لأن جمالها لا يقاوم فكلاهما كان معتكفًا في نفس المكان”.
ويضيف “المخيال الشعبي يقول إن الله استجاب لدعاء للاميمونة حيث كانت خلال النهار تظهر في صورة أمة سوداء ذميمة، وتبقى في خدمة عشيقها، أما في الليل عندما تنتهي من خدمة الولي الصالح مولاي بوسلهام يعود إليها جمالها وحسنها الذي لا يقاوم”.
ضريح للاميمونة
يقول بعض الأهالي إن للاميمونة طلبت أن يبنى لها ضريح عند وفاتها قريب لضريح مولاي بوسلهام، ويضيفون أنها كانت جاهلة بشعائر الصلاة حيث اشتهرت بأنها خلال إقامة صلواتها كانت تتوجه إلى القبلة، مرددة في ركوعها وسجودها بخشوع “ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة” وقد اتخذها أتباع الطريقة الكَناوية بالمغرب كأحد المْلوك التي لها طقس احتفالي خاص بها سواء من حيث الموسيقى والغناء أم الرقص واللون.
ويبلغ عدد الأضرحة في المملكة 5038 ضريحًا تشرف عليهم وزارة الأوقاف المغربية، وعدد الزوايا يقدر بـ1496 زاوية تتوزع في أرجاء البلاد، وهو ما اعتبره وزير الشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، في مداخلة برلمانية “دليلاً على تأطير روحي جيد للمغاربة وتمسكهم بالقيم الإسلامية والأولياء الصالحين”.
خوارق الأولياء الصالحين
تستند الأضرحة والزوايا على كرامات الولي الذي يُدفن في قبر بأرض خاصة به وليس في مقبرة مع بقية المسلمين أو يُدفن بداخل الزاوية، ويُشيَّد على القبر بناء يُغطى بأثواب خضراء عليها بعض الآيات القرآنية لربطه بالدين الإسلامي ولشرعنته أمام زواره.
يبقى لكل ولي صالح قصصه الخاصة وكراماته الخارقة التي تتجاوز حدود المعقول أحيانًا، وتندرج في إطار الأساطير والخرافات، تتوارث سردها الأجيال وتكون محل ثقة، خاصة في صفوف من يعتقد بقدرات الأولياء فوق الطبيعية التي منحها لهم الله نظرًا لالتزامهم الديني وزهدهم وتصوفهم.
لا يذهب الأهالي هناك طلبًا لشفاء مريض فقط، بل أيضًا لتسهيل الزواج
يرى الأهالي أن لكل واحد من الأولياء الصالحين في المغرب خوارق عديدة عرف بها، فمولاي بوسلهام كان معروفًا، وفق محمد، بالسلهام الذي يجر البحر من ورائه فيتبعه، وعندما يغطي يده في الماء تأخذ كل شعرة منه سمكة.
أما عن للاميمونة فيقول الباحث المغربي إن المخيال الشعبي للقرية فيه أن هذه الولية الصالحة التي عرفت بجمالها الجذاب كانت راعية غنم، والغنم التي كانت ترعاها يأتيها المأكل والمشرب من تلقاء نفسها دون أن تقوم هي بذلك، وتبقى الأغنام هادئة لا تحرك ساكنًا وميمونة في مكانها.
وتعتني المملكة المغربية كثيرًا بالأضرحة والزوايا، حيث تخصّص لها ميزانيات مالية كبيرة كل سنة، سواء من ميزانية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أم عبر هبات من الملك محمد السادس، إذ تعدى الإنفاق عليها خلال السنة الماضية 146 مليون درهم مغربي (16 مليون دولار)، من أجل تجديدها وترميمها والمساعدة في أداء مهامها الدينية.
وظائف هذه الأضرحة
للأضرحة في المغرب، بحسب الباحثين، العديد من الوظائف التي تؤمنها لروادها والمدمنين على زيارتها والتبرك بها، فهي مكان لعلاج بعض الأمراض المستعصية، خصوصًا النفسية والعقلية، ومكان لطلب الزواج والإنجاب والرزق، فضلاً عن وظائف أخرى.
تتجلى الوظيفة النفسية الاجتماعية لهذه الأضرحة في تحقيق نوع من الاستقرار النفسي الاجتماعي، فهذه الأضرحة، وفق محمد تمنح زائرها نوعًا من الهدوء خاصة عند تلاوة القرآن مع سكونية الفضاء ونظافته، فهي علاقة تأثر وتأثير.
ويقول محمد قويط إن هذا الهدوء لا يتعلّق بخوارق أو بركة الوالي بالمكان لكنه متعلّق بطبيعة الفضاء المؤثث والهادئ الذي يؤثر في نفسية الفرد وبالتالي يحصل على نوع من الاستقرار النفسي الذي يرنو له في ظل الضغط النفسي الذي يعانيه يوميًا.
أما عن وظيفته الاجتماعية، فللضريح مكانة رمزية كبيرة لدى الأفراد، وفق محمد، حيث كان ملجأ لحل النزاعات بين العائلات والقبائل المتنازعة فيما بينها، وهناك من كان يقسم باسمه – أي الوالي – ليرضي الطرفين، لما للوالي الصالح من كرامة ومكانة عند الأهالي، فهو الوسيط المقدّس الذي لا تردّ له كلمة ولا رأي.
https://www.youtube.com/watch?v=GrRdIPCqRrc
للأضرحة، وظيفة اقتصادية أيضًا تتجلى في تنظيم المواسم التي يلجأ لها الأفراد من كل حدب وصوب لبيع أغراضهم وعرض سلعتهم، فخلال شهر شعبان، يقول محمد: “ينطلق النشاط التجاري بمولاي بوسلهام وهو عبارة عن موسم يطلق عليه السكان المحليون بشعبانة بالدارجة المغربية، حيث تباع وتشترى مجموعة من البضائع بمختلف أنواعها وأشكالها لزيارة الضريح”.
وتعرف أسعار إيجار العقارات في تلك الفترة ارتفاعًا كبيرًا نظرًا لقدوم زوار من خارج المدينة، لزيارة مولاي بوسلهام للتبرّك به وطلب عونه، وطلب الاستشفاء من أمراض مختلفة خاصة الأمراض النفسية التي يرجعونها عادة إلى “المس” و”العين” و”التثقاف” و”السحر” و”التوكال”.
هنا نرى أن الأضرحة تلعب دورًا استشفائيًا، ففي مولاي بوسلهام كان هناك بيت بالمحاذاة مع الضريح يطلق عليه بيت الظلام، حيت يكون ملجأ لمرضى الصرع، فتدخل العائلات مريضها البيت وتغلق الباب بإحكام لمدة قد تصل لـ24 ساعة، حسب درجة المرض أو قابلية الأسرة للموافقة، ظنًا منهم أن الولي له قدرة استشفائية وطرد الأرواح الشريرة.
لا يذهب الأهالي هناك طلبًا لشفاء مريض فقط، بل أيضًا لتسهيل الزواج وإبعاد شبح العنوسة عن الفتيات الراغبات في الزواج اللواتي لم يسعفهن الحظ في الزواج، وأيضًا لطلب الذرية والعون في الحفاظ على زوج يرغب في تغيير “عتبة بيته” والزواج من امرأة ثانية.