في مايو/ أيار 2023، استضافت السعودية قمة عربية هامة في مدينة جدة، تطرقت لمسار تطوير جامعة الدول العربية، وخرجت بأحد أبرز القرارات المرتبطة بمستقبل العمل العربي المشترك: تشكيل لجنة عربية برئاسة الرياض، مُكلّفة بمناقشة إصلاحات شاملة تمس هيكل وأداء جامعة الدول العربية.
بحلول مارس/ آذار 2024، اجتمعت اللجنة في العاصمة المصرية القاهرة لمناقشة ملف إصلاح وتطوير جامعة الدول العربية، لكن وسط هذه التطورات، برز ملف منصب ومقر الأمانة العامة للجامعة ودورها في المشهد الإقليمي والدولي كأحد القضايا الحساسة التي تثير جدلًا واسعًا امتد من منصات التواصل الاجتماعي إلى الأوساط السياسية.
ومع اقتراب انتهاء الولاية الثانية والأخيرة للأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري الأسبق أحمد أبو الغيط، بحلول نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، أعاد الحراك الإصلاحي إحياء نقاش قديم جديد، وأُثير الجدل مجددًا حول وجود تنافس بين ضفتي البحر الأحمر على زعامة العرب من خلال السيطرة على هذه المنظمة التي لم يكن لها من اسمها نصيب.
هذا التنافس حول أحقية تداول هذا المنصب بين الدول الأعضاء، تُغذّيه رغبة بعض الدول، منها الخليجية، في نقل مقر الجامعة إلى أراضيها، ونيّتها ترشيح أحد مسؤوليها لتولي منصب الأمين العام الذي لطالما ظلّ تقليدًا شبه حصري للدبلوماسية المصرية حتى اليوم، فهل يتغيّر هذا التقليد؟ وهل يُنقل مقر الجامعة خارج القاهرة؟
احتكار مصري للمقر والمنصب
قد تختلف الآراء حول أهمية جامعة الدول العربية، لكنها من أقدم المنظمات الدولية في العالم، فقد تأسست على أنقاض الحرب العالمية الثانية في عام 1945 بمبادرة من مصر، ومشاركة 6 دول عربية، من بينها العراق والسعودية، ويبلغ عدد أعضائها 22 دولة، نصفهم تقريبًا ليسوا على وفاق فيما بينهم، ولكل منهم صوت واحد في مجلس الجامعة.
ومنذ تأسيس هذه المنظمة لأغراض سياسية، اُختير المصري عبد الرحمن عزام باشا بالإجماع كأول أمين عام لها، وكان الوحيد الذي جاء قرار تعيينه في مُلحق خاص لميثاق الجامعة. ومنذ ذلك الحين، ربما اعتاد العرب أن يكون هذا المنصب للمصريين أوّلًا، لأن مصر تحتضن مقر الجامعة، وثانيًا لأن لها ما لها من ثقل عربي، سواء بعدد السكان أو حتى قوّتها العسكرية.

ويُختار الأمين العام للجامعة – وهو المنصب التنفيذي الأعلى، ويُعتبر رمزًا للقيادة السياسية والدبلوماسية في العالم العربي – من خلال ترشيح تُقدّمه إحدى الدول الأعضاء، يعقبه توافق سياسي بين الدول، ثم يُعتمد رسميًا بقرار من مجلس الجامعة بعد تصويت بأغلبية الثلثين، ويكون في درجة سفير، وفقًا لنص المادة 12 من ميثاق الجامعة، لكن إذا كانت تلك آلية الاختيار، فكيف كانت تتم في الدورات السابقة التي استأثر بها المصريون؟
كانت مصر تطرح اسم مرشحها للتصويت من دون منافسة، وإذا حاز موافقة ثلثي الأعضاء، يُعتمد أمينًا عامًّا، وإلا تعود لتطرح اسمًا آخر، لكن عمليًا كانت مصر تجمع التوافق للاسم الذي تريد ترشيحه قبل طرحه على الدول الأعضاء.
وتمتد ولاية الأمين العام 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وجرى العُرف أيضًا على اختيار الأمين العام من دولة المقر، أي مصر، وعلى هذا النظام، توالى على رئاستها 8 رؤساء، 7 منهم مصريون، وهو ما يعكس تقليدًا دبلوماسيًا جرت عليه العادة.
لكن هذا ليس قانونًا أو نصًّا دستوريًا أو تشريعًا مُلزِمًا، فليس في قوانين الجامعة ما يحدّد أن يكون المنصب لمصر أو أن يكون الأمين العام مصريًا، ولم ينص ميثاق جامعة الدول العربية على وجوب تعيين الأمين العام من جنسية معينة، ومع ذلك، ظلَّ العُرف مستقرًّا، ولم يُكسر هذا العرف سوى مرة واحدة فقط نُقل خلالها مقر الجامعة إلى تونس، وبقي فيها لما يقرب من 10 سنوات، ما سبَّب شرخًا كبيرًا في الجامعة.
حدث ذلك حين عُلّقت عضوية مصر في الجامعة، وقاطع العرب القاهرة بعد إقدام الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات منفردًا على توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع “إسرائيل” عام 1978، وجرى حينها نقل مقر الجامعة إلى تونس، وشغل المنصب وزير الإعلام والثقافة التونسي السابق الشاذلي القليبي خلال الفترة من عام 1979 إلى عام 1990.
لاحقًا، وبعد عودة المياه إلى مجاريها في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، استعادت مصر عضويتها في الجامعة، ليكون أمينها العام مصريًا، وتواصل مصر احتكار منصب الأمانة العامة حتى يومنا هذا.
لكن مع عودة مقر الجامعة إلى القاهرة، دار الحديث عن تداول منصب الأمين العام، وطرحت الجزائر آنذاك اسم الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، قبل أن تُسارع القاهرة بترشيح وزير خارجيتها الأسبق أحمد عصمت عبد المجيد، الذي توافق عليه الأعضاء لفترتين متتاليتين من عام 1991 حتى عام 2001.
الصراع على زعامة المنطقة
ظلّت مصر حتى سنوات طويلة الفاعل الرئيسي في مجمل الأحداث على الساحة العربية، لكن دورها الإقليمي وعلى الساحة العربية تراجع كثيرًا، خاصة في أواخر عهد مبارك، وتحديدًا حين انشغل بتوريث الحكم.
وفي السنوات القليلة الماضية، بدا أن تململًا جرى من بعض الدول العربية الفاعلة على الساحة من الدور المصري الساعي لاحتكار العمل العربي، وبشكل أوضح كانت السعودية، جارة مصر على الضفة الشرقية للبحر الأحمر، مَن أبدى اعتراضه.
ومنذ بدّلت المملكة ثوبها القديم مع وصول الملك سلمان ونجله الأمير محمد إلى السلطة، رأت أن للسعوديين ثقلًا حان وقت استغلاله، خاصة بعدما جرى اختبار هذا الثقل بعد وصول الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن إلى البيت الأبيض، وهو مَن كان يكنّ العداء لابن سلمان، وتوعّد بفرض عزلة عليه.
قرّر محمد بن سلمان حينها الانفتاح على لاعبين آخرين مناهضين للولايات المتحدة، منهم الصين وروسيا، وهو ما أجبر بايدن في أواخر عهده على الإذعان، وزار السعودية بحثًا عن تلطيف الأجواء معها، ثم ثبت ذلك أكثر بعد عودة ترامب للحكم واختياره المملكة كأول وجهة يزورها خارج الولايات المتحدة.
لم تكشف زيارة ترامب هذه ثقل السعوديين فقط، وإنما كشفت أيضًا أمرًا آخر، ففي الزيارة الأولى لترامب في عهدته الأولى، كانت مصر ورئيسها أبرز الضيوف الحاضرين للقاء ترامب في الرياض، لكن جرى إقصاؤها بشكل واضح في الزيارة الثانية التي بدأها من السعودية ثم قطر والإمارات، بل تبع ذلك مناوشات إعلامية بين المصريين والسعوديين، وتبادل اتهامات بتعمد الرياض تهميش مصر من المشهد.
والحقيقة أن الحرب الكلامية والإعلامية بين القاهرة والرياض انزلقت مؤخرًا إلى مستويات غير مسبوقة، ودارت رُحاها بين الشعبين المصري والسعودي على مواقع التواصل الاجتماعي، وتردّد صداها في أروقة السياسة، وكشفت تحليلات أن نارًا مشتعلة تحت الجليد بين البلدين.
وعلّل بعض المصريين الأمر برمته بأن الرياض سحبت البساط من تحت أقدام مصر بالأموال التي عرضت استثمارها في أمريكا، ومن خلال صفقاتها العسكرية، أو حتى في مجال الذكاء الاصطناعي، في حين سخر الجمهور السعودي من مصر وحجمها وتأثيرها في العالم، مدّعين أن المصريين يبالغون بالحديث عن بلادهم وتأثيرها على الساحة الدولية، وعلى هذا كانت المناكفات مؤخرًا بين الجمهورين المصري والسعودي.
وكان هذا الشعور متبادَلًا لدرجة أن مصر قررت منفردة تقريبًا حضور قمة عربية في بغداد تخلّف عنها معظم زعماء العرب، ووُصفت بأنها خطوة تقارب نحو إيران لمناكفة السعودية، خاصة أن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي حملت في طيّاتها لومًا لموقف العرب تجاه القضايا الملحّة على الساحة، كما لم تحمل الكثير من المباركة لخطوة السعودية التاريخية بدعم رفع العقوبات الغربية عن سوريا.
وتعدّ سوريا تحديدًا أبرز الملفات الشائكة بين القاهرة ودمشق، فمصر تتحفّظ حتى الآن كثيرًا على التقارب مع سوريا الجديدة، بل إن إعلامها لا يتوانى عن انتقاد الرئيس السوري أحمد الشرع، وهو موقف معاكس تمامًا لموقف السعودية الذي يُصوَّر على أنه أكثر انفتاحًا ودعمًا ومساندة لدمشق.
وليست سوريا وحدها أبرز هذه الملفات الخلافية، فهنالك أيضًا ملف إعمار غزة، الذي تحلم مصر بأن تكون هي المسؤولة عنه، في حين يرى البعض أن الخليج لا يريد أن يكون بنكًا للإعمار تستفيد منه الشركات المصرية حصرًا، حيث تتمسك القاهرة حتى الآن بحصرية هذا الملف، مع العلم أن الخليج تحديدًا هو مَن تتوجه إليه الأنظار بالتمويل.
وبالرغم من التقارب المصري السعودي في ملفات أخرى كالسودان مثلًا، لكن ما يفرقهما أكثر من ذلك، فقد قررت القاهرة فعلًا تأكيد بعض الشكوك بالبحث عن خيار بديل عن السعودية، حين انفتحت على طهران بشكل مباشر، وزار وزير خارجية إيران القاهرة، والتقى السيسي، وكانت هذه ذروة الصعود بالنبرة، حيث وصل الأمر إلى ما يشبه التهديد بأن مصر قادرة على مضايقة جيرانها في الخليج لو أرادت ذلك، ليعقب ذلك محاولات من أصوات تنادي بتهدئة الأوضاع، مثلما فعل وزير الخارجية المصري الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية سابقًا عمرو موسى، وشاركه كثير من الشخصيات السياسية في البلدين.
العلاقة المتينة بين المملكة العربية السعودية ومصر عمود رئيسي للعالم العربي يراد كسره حاليا . علينا جميعا ان نرعي هذه العلاقة وندعم مسيرتها .لا تعرًضوها لعلماء التشكيك والوقيعة ولا يجب ان نقع في شباكهم ولنجعل السوشيال ميديا منطلقا ايجابياً لخدمة المستقبل العربي وليس العكس
— Amre Moussa (@amremoussa) May 19, 2025
تنافس مصري خليجي على المنصب
مع قرب اختيار أمين عام جديد للجامعة العربية، تفجّرت الأزمة مرة أخرى، وعاد الصراع على قيادة المنطقة، وعادت معه التكهنات إلى الساحة، وتوسّعت النقاشات على منصات التواصل الاجتماعي، وتداول البعض أسماء مرشحة، منها خليجية، لخلافة الأمين العام الحالي للجامعة، دون تأكيدات رسمية حول ذلك، لكنها عكست تباينًا في الرؤى بين الأصوات العربية حول من يحق له قيادة هذا الموقع الرمزي في المرحلة المقبلة.
كلام كثير هذه الأيام عن جامعة الدول العربية و عن دورها وعن مقرها وعن منصب امين عام الجامعة وعن ميزانيتها وعن الرواتب الخ الخ . البعض يتحدث عن ضرورة تدويل منصب الأمين العام للجامعة وجعله حقا لجميع دول الأعضاء خاصة انه لا يوجد نص في ميثاق الجامعة يحدد جنسية الأمين العام وانما…
— Alaa Mubarak (@AlaaMubarak_) June 9, 2025
ومنذ سنوات، طرح كتّاب وصحفيون مقرّبون من سلطات دول عربية أسئلة على وسائل التواصل: ما دام القانون التنظيمي الداخلي للجامعة لا يُلزم أن يكون الأمين العام مصريًا، فلماذا تحتكر مصر المنصب؟ ولماذا لا يكون هناك أمين عام مساعد يقتسم الصلاحيات مع الأمين العام؟
د . خالد :
ماذا قدمت الجامعة للشعوب او للقضايا العربية ،
ما فرقت إن كان أمينها مصري
او عُماني فالأجدى إعادة صياغة
برنامج عملها ودعم وإلزامية قرارتها عند موافقة الغالبية عليها،
أما بوضعها الحالي فإقفالها بالضبة والمفتاح واجب لزوم توفير مصاريف تشغيلها— أحمد حيدر الناصر الغامدي (@AbuAlfaroog) February 1, 2021
الجديد هذه المرة هو ما طرحه كتّاب سعوديون: لماذا لا يكون هناك أمين عام من دولة عربية غير مصرية، مثل السعودية؟ وقرّر بعضهم ترشيح أسماء منهم، وتحدّثت تقارير إعلامية عن طرح اسم وزير الدولة للشؤون الخارجية السابق عادل الجبير، أحد أبرز الدبلوماسيين السعوديين، وسفيرها الأسبق أيضًا في واشنطن، على رأس القائمة.
هل سيكون عادل الجبير….
أميناً عاماً لجامعة الدول العربية؟👀✋🏻🇸🇦‼️🚨🚨🚨🚨🚨🚨🚨🚨🚨🚨🚨🚨🚨🚨
منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية،يمكن تعيينه بعد تصويت ثلثي الأعضاء،بناءً على ميثاق الجامعة،وبما أن فترة الأمين العام الحالي معالي أحمد أبو الغيط ،قد إقتربت من نهايتها،فمن… pic.twitter.com/BsA4iREtha
— د . عواض القرني (@AlqarniAwwad) June 7, 2025
لم ترشّح السعودية الجبير بشكل رسمي، بل تم تداول اسمه في وسائل الإعلام من قبل أسماء سعودية وخليجية بارزة، ففي تغريدة على منصة “إكس”، دعا الكاتب السعودي عبيد العايد إلى إنهاء ما وصفه بـ”احتكار الخارجية المصرية للأمانة العامة للجامعة”.
وقال العبيد صراحةً: “حان الوقت فعلًا لأن يقود الجامعة أعلام العرب ودُهاة السياسة وليس سواهم”، مشيدًا بترشيح الجبير لتولي هذا المنصب، واصفًا إيّاه بالمتحدث اللبق والقوي الذي يستحق دعم السعوديين وكل العرب لرئاسة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية”.
حان الوقت لخروج الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من إحتكار الخارجية المصرية
حان الوقت فعلا لأن يقود الجامعة أعلام العرب ودهاة السياسة ، وليس سواهم #عادل_الجبير_الجامعة_العربية
يستحق الداهية والمتحدث اللبق والقوي معالي وزير الدولة عادل الجبير أن يحظى بدعم السعوديين وكل العرب… pic.twitter.com/GIOcCy0ZBP— OBAID (@obaidalayed) June 5, 2025
على الجانب المصري، بدأت القاهرة سريعًا بترشيح أسماء للحفاظ على هيمنتها على المنصب، وطُرح اسم وزير الخارجية السابق سامح شكري في وقت سابق، لكن مصادر دبلوماسية مصرية قالت إن اعتراضات على شخصه، جميعها كانت خليجية، أدّت إلى تراجع أسهمه، قبل التفكير في نائب وزير الخارجية بدر عبد العاطي.
ووسط محاولات الرياض لتولي مسؤول سعودي المنصب، ربّما قررت القاهرة مسايرة العرب، حيث تتحدّث التقارير عن مساعٍ مصرية بالدفع برئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي لمنصب الأمانة العامة، خلفًا لأبو الغيط، الذي يشغل المنصب منذ عام 2016، في خطوة هي الأولى من نوعها على مدار تاريخ الجامعة.
ورغم أن مدبولي ليس الأوفر حظًا كما يرى السفير المصري السابق والممثل السابق لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة حسين عبد الخالق حسونة، تتداول صحف محلية اسمه كأبرز المرشحين المصريين لتولي هذا المنصب، لتمتّعه بثقة كبيرة لدى السيسي وأجهزة الدولة، وهو ما يزال على رأس منصبه، وفي هذه الحالة، لن يترك السيسي منصب مدبولي شاغرًا، حيث إن لديه قناعة بتولي الفريق كامل الوزير رئاسة الحكومة رغم إخفاقاته بوزارتي النقل والصناعة.
لكن حتى هذا الاسم الذي ظنّت القاهرة أنه مقبول عربيًا، لم يحظَ بالتأييد اللازم حتى اللحظة، فقد اصطدمت طموحات السيسي بتولي مدبولي المنصب برغبة سعودية في فك ارتباط المنصب بمصر، ما سبّب غضب المصريين الذين اعتبروها خطوة لتهميش دور القاهرة الريادي، ناهيك عن مخالفة ذلك لعُرف تولّي الأمين العام وزارة خارجية مصر، وليس رئاسة وزرائها.
كما رشّح بعض الإماراتيين بعض الأسماء، مثل أنور قرقاش، الذي شغل منصب وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات، ويعمل حاليًا كمستشار دبلوماسي لرئيس الإمارات، في حين أشار البعض إلى أن آلية اختيار الأمين العام تستلزم موافقة ثلثي أعضاء مجلس الجامعة، وهو ما لا يضمن حصول الإمارات في هذه المرحلة على هذا العدد من الأصوات لمرشحها، ويشي بغياب التوافق على اسم خليجي من خارج دولة المقر.
معالي الدكتور انور قرقاش ..
معالي الاستاذ عادل الجبير ..احد منهم يستلم المنصب وسيحدث تغيير جذري في الجامعة العربية ..
حان الوقت لتفعيل دور الجامعة العربية بكل مواثيقها وانظمتها ..
— سيف الدرعي (@saif_aldareei) June 9, 2025
ومع غياب التأكيدات الرسمية، قد يبدو الآن أن ثمّة توافقًا خليجيًا على أن مقر الأمانة العامة ومنصب الأمين العام لا بدّ من تدويره، فمثلًا اقترحت قطر أن يكون المنصب كل مرة لبلد عربي، وهو ما رأى فيه رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني فرصة لإنعاش دور الجامعة العربية وتعزيز حضورها، وأيّدت بعض الدول العربية، بما في ذلك المغرب وتونس والسودان، هذا الاقتراح.
يعيدنا ذلك بالذاكرة إلى عام 2011، عندما دبّ الخلاف حول منصب الأمين العام، الذي اضطرت مصر إلى طرح اسم وزير خارجيتها في الحكومة المؤقتة بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، نبيل العربي، لشغله، بعد اعتراضٍ على ترشيح السفير والبرلماني السابق مصطفى الفقي، ودفع هذا الخلاف قطر آنذاك إلى ترشيح الأمين العام الرابع لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية، قبل سحبه بعد التوافق بين الدول الأعضاء على العربي.
التهافت على “مشروع فاشل”
من المثير للسخرية أن التنافس داخل الجامعة العربية – بدلًا من التعاون والتكامل في الأدوار – يدور حول مؤسسة دبلوماسية تُوصَف بأنها واحدة من أهدأ الأماكن في العالم، فهي مكان مستقر، لا يتعجّل في شيء، يعقد قمة عاجلة بعد أسابيع، وربما بعد أشهر من الحدث الذي تُعقد القمة لأجله، لكن المهم أن القمة تُسمى قمة عاجلة، أي أنها قمة عاجلة تُعقد على مهل.
الجامعة العربية.. صرف بلا عائد. ووجود بلا دور
أ.د. عايض محمد الزهراني
أستاذ فلسفة التاريخ النقديhttps://t.co/KOca5dMaDI#مقالات_مكة#صحيفة_مكة @arableague_gs @lassecgen— صحيفة مكة الإلكترونية (@makkahnews1) June 10, 2025
وبالكاد يعرف الناس اسم أمينها العام، الذي لطالما سمعنا عنه فقط في بيانات الإدانة أو التضامن التي تُصدرها الجامعة أو في القمم واللقاءات الرسمية التي تعقدها، فلم يكن يومًا ضمن اهتمامات المواطن العربي، وتتميّز عملية انتقال السلطة فيها بالسلاسة، ولا أحد يسمع بها تقريبًا، لأن الأمين العام يكون غالبًا من دولة واحدة، ويأتي حتى من مؤسسة واحدة.
وعاشت الجامعة العربية الكثير من الانتكاسات، وشهدت تحت قبتها العديد من الخلافات منذ سنين طوال وحتى اليوم، ويصفها البعض بأنها لا تحظى بالشعبية الكافية لدى الشعوب العربية، خصوصًا بعد فشلها في حل عدد من القضايا كان على رأسها الصراع العربي الإسرائيلي، واحتلال “إسرائيل” لفلسطين عقب تأسيسها.
ومنذ أحداث الربيع العربي، تُتّهم الجامعة الحاضرة الغائبة بأنها تمر بامتحان لم تسجّل فيه نقطة واحدة لصالحها، وتجد صعوبة في جمع العرب من أجل موقف موحّد وفعّال، ولطالما انتُقدت بأنها مؤسسة تؤدي دورًا شكليًا، ولكنها – وفق البعض – لم تعد قادرة على الحفاظ على ذلك الدور، فلم تنجح – وكان متوقعًا – في وضع حد للحرب في سوريا ووقف نزف الدماء، واكتفت بالبيانات وتجميد عضوية النظام السوري.
بعد ذلك، أُضيف إلى سجلها كمؤسسة تتحمّل وزر فشل الدبلوماسية العربية في حل أي ملف في المنطقة، العديد من القضايا، منها الصراع في ليبيا واليمن، والذي أدّى إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة في الدولتين، ولم تنجح الجامعة في التدخّل لإيجاد الحلول الممكنة، ما جعلها تحت نيران الانتقادات دائمًا.
واليوم، تزداد الانتقادات الموجّهة لها بالتزامن مع غياب دورها المطلوب على الساحة العربية، وعدم تحقيقها شيئًا ملحوظًا على مستوى التكامل الإقليمي، أو حتى التعاون الاقتصادي والعسكري، وبقيت مشاريعها صغيرة نوعًا ما، وغالبًا ما حوّلت الكثير من المطالبات إلى الأمم المتحدة.
وتفتقر الجامعة إلى قوة الضغط الضرورية لحل الأزمات الدامية في المنطقة، وتفشل دائمًا في جمع القادة العرب من أجل موقف موحّد لوضع حدّ للحرب في أكثر من منطقة مشتعلة، وتجلّى عجزها عن أداء دورها في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
ويرى الكثيرون أنها ستتحوّل فيما بعد إلى مجرد منظمة إدارية تعقد الاجتماعات دون تأثير كبير، وهو الأمر الذي تعمل على تفاديه بعض الدول الأعضاء، في ظل استمرار اشتعال المنطقة، وغياب الكثير من الدول عن قُبّة الجامعة.
هل اقتربت الهيمنة المصرية من نهايتها؟
لا يقتصر الجدل على السعودية ومصر، بل يمتدّ ليشمل رغبة دول خليجية وعربية أخرى في تدوير منصب الأمين العام ومقر الجامعة بين الدول الأعضاء، لضمان تمثيل عادل وتفادي هيمنة دولة واحدة، في ضوء صعود التأثير الخليجي إقليميًا ودوليًا، ومساهمة دول الخليج في الجامعة مباشرة.
وتوسّع الجدل أيضًا بسبب تداول مطالب بنقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى السعودية، فبحسب المادة رقم 10 في ميثاق الجامعة، فإن المقر الدائم هو مدينة القاهرة بمصر، ويعني هذا أنه إذا أرادت أي دولة عربية، مثل السعودية، نقل المقر، يجب إعادة النظر في المادة 10، بينما يمكن لمجلس الجامعة أن يعقد اجتماعات في أي بلد من الدول الأعضاء الـ22.
آن الأوان لنقل مقر الجامعة العربية إلى الرياض، حيث تُصنع قرارات العرب وتُحترم كلمتهم.
ويجب أن يكون الأمين العام سعوديًا عربيًا، يُجسد هيبة الموقف ويعبر عن الصوت الحقيقي للأمة من مركز ثقلها الإسلامي والعربي والعالمي .#الرياض_عاصمة_العرب 🇸🇦#عادل_الجبير 🇸🇦… pic.twitter.com/Dx867oVWTB— عبدالله بن طلق (@abdtalaqfs) June 9, 2025
ويُلخّص ذلك الميثاق ما اجتمع عليه العرب حقًا، فبعد 8 عقود من التأسيس، لم نشهد أبدًا تدريبًا عسكريًا مشتركًا جمع كافة الدول العربية، أو حتى قرارًا سياسيًا نافذًا من قبل الجامعة، ودائمًا ما كانوا مختلفين حول الإجماع أو الأغلبية.
رغم كل هذا، قد يتساءل كثيرون: ما الذي جعل هذه الدول تطالب الآن بتدوير المنصب والمقر؟ يرى كتّاب خليجيون أن السعودية تبدو اليوم الأحق بهذا المنصب، فقد أثبتت – بحسب قولهم – حضورها على الساحة السياسية الدولية، خاصة رفع واشنطن العقوبات عن سوريا بطلب من ابن سلمان، وهذا زاد من رصيدها لدى العرب، وتزايدت المطالب في المملكة لما أسموه قيادة العرب والمنطقة.
ويرى أصحاب هذا الصوت أن السعودية ستلعب دورًا بارزًا خلال الفترة المقبلة للمّ شمل العرب، وأن السعوديين سيتركون بصمة وتأثيرًا، حتى لو كان في منصب أمينٍ عام للجامعة العربية التي تُعتبر منظمة “شكلية” في نظر كثيرين، ووجود اسم سعودي على رأسها قد يضخّ فيها الحياة.
ومع ذلك، يرى منتقدون أن دور دول الخليج يتمحور حول “الدعم المالي والاقتصادي” مقارنة بدور مصر في الوساطة في غزة، وفي الشأنين السوداني والليبي، ويستدلّ هؤلاء على ذلك بزيارة ترامب التي تمخّضت عن استثمارات بتريليونات الدولارات، دون أن تتمكن دول الخليج من إقناعه بإيقاف حرب الإبادة التي تشنّها “إسرائيل” على غزة.
لكن ليس السعوديون وحدهم من يطالبون بالمنصب، فحتى الجزائر من بعيد دخلت على الخط، وطالبت هي الأخرى بكسر احتكار المصريين للمنصب، وسبق أن اقترحت خلال القمة التي استضافتها قبل سنوات، ومع الولاية الثانية للأمين العام آنذاك عمرو موسى، “تدوير” المنصب في إطار ما سمّته “إصلاحات الجامعة”، وهو ما يجعل مهمة القاهرة هذه المرة ليست سهلة كما يقول مراقبون، خاصة في ظل رغبة بعض الدول الأعضاء في طرح مرشّحيهم للمنصب.
ورغم حدوث هذه الدعوات في كل مرة يتم فيها اختيار أمين عام جديد، إلا أن هذه المرة تبدو مختلفة، فالمشهد العربي يُجرى تغييره، وقد يقود التغيير هذه المرة لاعبون جدد، وبينما تتابع المنطقة بأسرها بصمت ما قد يكون بداية لمرحلة جديدة في قيادة العرب، يبقى أن نرى ما إذا كانت الرياض أو غيرها ستنجح في كسر العرف التاريخي وانتزاع المنصب من مصر، أم يستمر الاحتكار المصري لموقع المقر ومنصب الأمين العام؟