ترجمة وتحرير نون بوست
بحلول الوقت الذي شنت فيه مقاتلات إسرائيل المتطورة من طراز”إف-35″ هجماتها على المنشآت النووية الإيرانية والقيادات العسكرية العليا، كانت تهديدات أقل تطوراً قد عبرت الحدود بالفعل وتمركزت لتمهيد الطريق.
فقد أمضت إسرائيل أشهرًا في تهريب أجزاء مئات الطائرات الرباعية المفخخة، مخبأة في حقائب سفر وشاحنات وحاويات شحن، بالإضافة إلى ذخائر قابلة للإطلاق من منصات غير مأهولة، وفقًا لمصادر مطّلعة على العملية.
قال المطلعون إن فرقًا صغيرة مزوّدة بالمعدات تمركزت بالقرب من مواقع الدفاعات الجوية ومنصات إطلاق الصواريخ الإيرانية. وعند بدء الهجوم الإسرائيلي، نفّذت بعض هذه الفرق ضربات دقيقة ضد أنظمة الدفاع الجوي، في حين استهدفت فرق أخرى منصات الصواريخ أثناء خروجها من ملاجئها وتحضيرها للإطلاق، وفقًا لأحد المصادر.
وتُفسّر هذه العملية جزئياً محدودية الرد الإيراني حتى الآن على الهجمات الإسرائيلية، كما تُبرز كيف غيّرت التكنولوجيا المتاحة تجارياً موازين المعارك، وفرضت تحديات أمنية جديدة وخطيرة على الحكومات.
وجاءت هذه التكتيكات بعد أسابيع من تبني أوكرانيا أساليب مماثلة، حيث هرّبت طائرات مسيّرة إلى داخل روسيا مخبأة في أسطح حاويات شحن، لتهاجم عشرات الطائرات الحربية الروسية المستخدمة في ضرب المدن الأوكرانية.
وتُظهر هذه العمليات الاستخباراتية كيف يستخدم المهاجمون الإبداع والتكنولوجيا منخفضة التكلفة لاختراق أنظمة دفاع متطورة وتدمير أهداف استراتيجية بطرق يصعب صدها.
وجاءت عملية الموساد بهدف القضاء على التهديدات التي تواجه الطائرات الحربية الإسرائيلية وتدمير الصواريخ الإيرانية قبل إطلاقها، حيث أصابت الفرق الميدانية عشرات الصواريخ خلال الساعات الأولى من الهجوم، في حين ركز سلاح الجو الإسرائيلي بشكل مكثف على الدفاعات الجوية والصواريخ في الأيام الأولى من الحملة.
وأطلقت إيران نحو 200 صاروخ باتجاه إسرائيل في أربع موجات، من يوم الجمعة وحتى فجر السبت، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وأضرار مادية في مناطق حول تل أبيب. وكانت إسرائيل تتوقع رد فعل أشد، وفقًا لسيما شين، مسؤولة الاستخبارات السابقة في الموساد ورئيسة برنامج إيران في معهد أبحاث “الأمن القومي” الإسرائيلي بتل أبيب.
لكن شاين أكدت أن إيران لا تزال تملك موارد ضخمة قد تستخدمها في هجمات أعنف لاحقًا، قائلة: “كنا نتوقع رداً أشد بكثير، لكن هذا لا يعني أننا لن نواجه تصعيدًا اليوم أو غدًا”.
وأضافت أن الضربات التي استهدفت الدفاعات الجوية الإيرانية كانت حاسمة وأسهمت في فرض إسرائيل لتفوق جوي سريع، مشيرة إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي واصل استهداف هذه الدفاعات بشكل مكثف.

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي ديفرين، يوم السبت إن إسرائيل شنت في ساعة متأخرة من الليل هجمات على أهداف في طهران باستخدام 70 طائرة مقاتلة قضت أكثر من ساعتين في المجال الجوي للعاصمة الإيرانية.
وأضاف ديفرين: “هذه أعمق عملية نفذناها حتى الآن داخل إيران”، موضحًا: “لقد أتحنا حرية حركة جوية كاملة”.
وفي يوم السبت، تداولت بعض الصحف الإيرانية، من بينها صحيفة تسنيم المرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي، تحذيرًا من أجهزة الاستخبارات الإيرانية حول احتمال استخدام إسرائيل لشاحنات البيك أب والشاحنات الثقيلة لنشر الطائرات المسيّرة.
وقد دمجت إسرائيل بشكل مكثف عمليات استخباراتية طموحة ضمن حملاتها العسكرية، حيث افتتحت حملة استمرت شهرين ضد ميليشيا حزب الله اللبنانية في الخريف الماضي بعملية أسفرت عن انفجار آلاف أجهزة البيجر واللاسلكي التي يستخدمها عناصر الحزب بشكل مفاجئ.
أظهرت إسرائيل أيضًا أن عملاءها تمكنوا من التسلل بعمق داخل الأراضي الإيرانية، ففي صيف العام الماضي، نفذت عملية اغتيال استهدفت زعيم حركة حماس إسماعيل هنية عبر تهريب قنبلة إلى غرفته المحمية جيدًا في بيت ضيافة تابع للحرس الثوري، وتفجيرها أثناء حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
وفي الحملة الحالية، شملت عمليات الموساد داخل إيران البحث عن أهداف قيادية في طهران، وفقًا لأحد المطلعين على تفاصيل العمليات.
وكانت الطائرات المسيّرة عنصرًا ثابتًا في العمليات الإسرائيلية ضد إيران، ففي عام 2022، استخدمت طائرات رباعية المحركات محملة بالمتفجرات لضرب موقع إنتاج طائرات مسيرة في مدينة كرمنشاه غرب إيران، وبعد عام استهدفت الطائرات المسيّرة مصنع ذخيرة في أصفهان.
وقال المطلعون إن وكالة الاستخبارات بدأت التحضير للعملية الخاصة بالطائرات المسيّرة منذ سنوات، حيث كانت تعرف مواقع تخزين الصواريخ الإيرانية المعدة للإطلاق، لكنها كانت بحاجة إلى القدرة على مهاجمتها بسبب اتساع مساحة إيران وبعدها الجغرافي عن إسرائيل.
وقام الموساد بإدخال الطائرات الرباعية المسيّرة عبر قنوات تجارية، مستعينًا بشركاء أعمال غالبًا ما يكونون غير مدركين لطبيعة المهمة. وكان العملاء على الأرض يجمعون الذخائر ويوزعونها على الفرق الميدانية. درّبت إسرائيل قادة الفرق في دول ثالثة، الذين بدورهم قاموا بتدريب الفرق الأخرى.
وراقبت هذه الفرق تحركات الصواريخ الإيرانية، ثم استهدفتها قبل تجهيزها للإطلاق، وفقًا لأحد المطلعين. وكان الموساد يدرك أن الشاحنات التي تنقل الصواريخ من المخازن إلى مواقع الإطلاق تمثل عنق زجاجة لإيران، التي تمتلك أربعة أضعاف عدد الصواريخ مقارنة بعدد هذه الشاحنات.
وأسقطت الفرق عشرات الشاحنات، ولا تزال تعمل على الأرض حتى يوم الجمعة، بحسب المصادر.
وقالت سيما شين، مسؤولة سابقة في جهاز “الموساد” الإسرائيلي، إن هذه العمليات وجعلها علنية لها تأثير إضافي مهم، مشيرة إلى أنه “لا يمكن لأي مسؤول رفيع في إيران التأكد من أنه غير معروف للاستخبارات الإسرائيلية ولن يكون هدفًا”. وأضافت: “الأمر لا يقتصر على الضرر المادي، بل يشمل القلق النفسي الذي تسببه هذه العمليات”.
الكاتبان: دوف ليبر وأندرو دويل
المصدر: وول ستريت جورنال