سنوات عجاف طوال والمجتمع ينسلخ من الدين وحقيقته وكنهه انطلاقًا، وإذا رضع المجتمع دينًا رضعه صناعي مجهز ومعد عند غير منبعه الأصلي الطبيعي! والدين الصناعي يهتم بظاهر الإنسان دون مخبره وجوهره وحقيقة استخلافه واستعماله، فينتفخ صاحب الدين الصناعي ويمتلأ جسمه دون عقله وقلبه بهرمونات غريبة عن الدين الطبيعي تملأه بمنطق الواقع وغلبته وسطوته، فتجد صاحب الدين الصناعي كطفل رضيع تشغله الألوان والأشكال يتكيف معها ويلاعبها – عجزاً – وتلاعبه – قدرة وتمكنًا منه – فلا يعرف معروفًا إلا مايراه، ولا ينكر منكرًا إلا ما لا طائلة منه، أو فيه اختبار وابتلاء وامتحان يكشف حقيقته، كما أن صاحب الدين الصناعي ضعيف المناعة سهل الاختراق فيأتي الفيروس العقدي والميكروب التعبدي والطفيليات السلوكية لتتمكن منه جميعًا، وتسيطر عليه فتغير بوصلته، وتزيد رانه لتغلف قلبه؛ فينحرف المسار ويفقد الإتزان ويقع، فينطلي على صاحب الدين الصناعي النفاق والكفر والجاهلية بصورها وأهلهما وأشكالهما، فلا يستطع الفرار عنهم حتى يصبحوا جماعته وعزوته وأهله، فيفقد صاحب الدين الصناعي ارتباطه بالحبل السري لجماعة المسلمين مع مرور الأزمان والمواقف والاختبارات، كما أنه مع كثرة رضاعه لفساد الأقوال والأفعال وتبريراتهما يفقد رجولته ونخوته ومروءته – بعد فقده جوهر دينه وحقيقته – فتتحول الرجولة إلى ذكورة لاطعم لها ولا لون إلا في قذفها كما يقذف الحمار.
وأصحاب الدين الصناعى كثر بيننا، تراهم حولنا، يملأون الدنيا ضجيجًا بلا طحن، يعكرون صفو حياتنا ويلوثون عقولنا وأفهامنا، دنيانا بهم نكد وديننا معهم فسد، ينغصون علينا مجتمعاتنا، لا يألفون ولا يؤلفون، يبغضون الجميع والجميع يبادلهم البغض والكراهية، يحسبون أنفسهم شعب الله المختار وأبناء السماء والمتحدثون الرسميون باسمها، وهم عن الله بعيدون ومن عباده مستهزؤن وبدينه يتسامرون يتلاعبون، الأرض تلفظهم والأشجار والأحجار تلعنهم وملائكة السماء تقصفهم، ولا بقية حياء تردهم، ولا آثار نخوة تصدهم، فهم أصلاف أجلاف، أجساد البغال وعقولٌ خفاف، قلوبُ ذئاب طالحة، ووجوه مغبرة كالحة، لو قدّت من جلودها النّعال لفاقت أخفاف البعير.
ولقد رأيت العلج منهم له صفات واضحات وعلامات بارزات أو بعضها، فمن هذه الصفات وتلك العلامات ما يلي:
(1) ضعف إنسانيته
الإنسان عنده وسيلة والبشر كلهم رعاع إلا بقية من قطيعه وطائفته، لافرق عنده بين حيوان أو إنسان؛ فأمر قتله سهل وسفك دمائه حلال وانتهاك حريته من الأولويات وكشف عوراته من الضرورات المستحبات.
الإنسان هو وغيره كلاب تعوي والأهم قافلته تسير حتى ولو على جثث البشر وحياتهم وحرياتهم ولقمة عيشهم، فالكل عنده مهان ولا قيمة لإنسان طالما ليس من بني فكرته ولا من أصول حزبيته ولا من جذور بيئته.
الإنسان هو من يعيش عيشه ويفكر فكره ويصول ويجول في دائرته، وإن خالفته يومًا فاليوم أنت عدوه وبك فليبدأ ينهال عليك بالسباب وأقذع الأوصاف وأبشع صور الخيانة والعمالة.
الإنسان من وقف بجواره للحظات أو ثوان يتذكره ويتفحصه ومن بعدها فتراب الأرض ليسكنه وغبار الدنيا ليركمه، فالكبرياء ردائه والعظمة ثيابه والغرور تاجه، ورأسه عالية كالنخل العقور وهامته مرتفعة كحائط مشروخ وعليائه باقية صامدة في وجه الريح العاتية
(2) قلة عبادته
لاتجده على الصلوات محافظًا، ولا للفجر في حياته نصيبًا، ويفرغ المسجد إلا من جسده، ولا مكان فيه لقلبه، وقليل هو في ذكره لله وتبتله ودعائه له والسجود له، والقرآن ليس ونيسه وهو ليس من أهله ينظر له نذرًا ويقرأ فيه ندرًا، حبله بينه وبين القرآن مقطوع وحسه مفقود وعمله به مبتور، تدينه ظاهري وقلبه أجوف، وصفحات يومه تندر بفعل الخيرات ومليئة بالمنكرات والغلطات والمسيئات والسيئات، كثير الأخطاء جاف غليظ كلكوز فارغًا حجريًا خشبيًا، لا طعم ولا لون ولا رائحة
(3) كثير العداء والأعداء
لاصديق له ولا ونيس لديه ولا حبيب له ولا حائط يرتكن عليه ولا بيت يحضنه ولا حضن يحميه ولا إيواء يسكن إليه ولا سكن يرمى إليه ويأويه.
مسخ من المسوخ ولا يدري، فصيلته الزومبي وطائفته القطيع، نافر ونكير والجلوس معه كالبقاء مع نافخ الكير، أعدائه كثر وأصدقائه ندر لأشياء عنده وقليل عندهم وماسبق والكثير عنده.
(4) ناكر الجميل
لايعرف لأحد معروفًا وينكر على الناس فضائلهم وجميل صنائعهم ونبل عاداتهم معه، يأخذ ولا يعطي، وإذا أعطى أقل، وإذا أخذ استقل، كل له يريد ولغيره لا من مزيد، منان زنان كثير الفتن والافتتان.
(5) غليظ الحوار
حواره زمجره ووجهه مسخره كله مغضبة جلسته محزنة ووده قليل وخصامه كثير ليس سهل الرجعة لكنه صعب الطلعه لايغض للصغير من الكلام وينسى العظيم من الفعال لا يقدر كبير ولا يوقره ولا يحترم شيبة ويبجله، وفعله وزره وخصامه فجره، لايبقي لعقله وهلة، ولا حلم له ولا أمل عنده.
(6) جهاده ودعوته
جهاده ونضاله جعجعة وبعبعة وخض بدون زبدة ولا جبن، ليس له رؤية ولايملك فكرة فلا رأى لديه ولا طرح يملكه ولا حجة عنده، يكثر عند الزحمة ويقل عند الطلب، نقده كثير وفعله قليل وعمله صغير وصوته عال ونفسه عزيزة لا يخضع لأحد ولا ينزل للناس ولا ينزلهم مكانتهم، لا دعوة له، ولا قدوة يملكها، ولا إمكانات عنده، فهو كالزير الجاف ينضح عرقًا، رائحته كريهة، وفمه بالكتيريا يمتلىء، والفطريات في جسده تبيض وتفقس، مبغوض مكروه محظور موتور.
واجبنا نحوه
رجل به هذه الصفات والأوصاف أو بعضها لا نتركه لبكتريا عقله وفطريات نفسه وجراثيم أخلاقه، لابد من إعادة تربيته وغربلة أخلاقه وتمحيص واختبار تدينه واحتضانه في بوتقة إيمانية وحضن تربوي ومعسكر أخلاقي.
لابد من حرث تربة إنسانيته من جديد وزرع صوبته الإيمانية في ظروف وأحوال مختلفة عن بيئته وحاضنته الفاسدة وحقن الأخلاق الأساسية والإنسانية وخلق حاضنة فكرية بعيدة عن سياسة طائفة الزومبي وأخلاق القطيع.
فكم من علوج المتدينين أصحاب الدين الصناعي بيننا يلوثون بيئتنا، وينخرون في جسد معيشتنا ويبقرون بطون حياتنا وينغصون جمعنا.
وسامحني أخي – راعاك الله وهداك – إن وجدنا صفة أو بعض صفات العلوجية في أحدنا أو كثير منا، فلعل الله بعث إلينا جرس إنذار ليقرع القلوب قبل العقول لننتبه من عوار الطريق ووحشة دروبه وذئاب سالكيه.
فلنا الله ..
والأمة بهم ثكلى والمستقبل لا بزوغ له ولا فجر فيه بدون مداواتهم ومعالجة أفكارهم وأخلاقهم وعقولهم.
العِلْجُ: كلُّ جافٍ شديدٍ من الرجال. (المعجم الوسيط)