الصورة: مصطفى ديمير، عمدة منطقة فاتح في اسطنبول كان من بين المقبوض عليهم
ترجمة من التركية وتحرير نون بوست
شهدت تركيا العام الماضي إحدى أسوأ المحاولات الانقلابية في تاريخها، عبر محاولة الانقلاب على الحكومة المنتخبة تحت عنوان “عمليات الفساد والرشوة”، وعبر استخدام أعضاء الأمن والسلك القضائي المنتسبين للتنظيم الموازي، غير أن التدابير التي اتخذتها الحكومة والتعقل الذي يتحلى به الشعب قد أحبط تلك المحاولة.
وقد تم خلال العام الماضي الكشف عن العديد من العناصر المنتسبة إلى التنظيم الموازي والمندسة داخل أجهزة الدولة، وستكشف صحيفة صباح في هذه السلسلة من المقالات عن حقيقة ما حدث في 17 و25 من ديسمبر الماضي، وإليكم القصة الحقيقية لمحاولة الانقلاب في 17 و25 ديسمبر، تلك القصة التي لم يكتب عنها أحد من قبل.
– يوم 16 ديسمبر 2013 الساعة 18:00
رن هاتف “حسين تشابكن” مدير أمن إسطنبول، الصوت في الهاتف يعود لشخص معروف، دخل إلى الموضوع مباشرة، قائلاً: “غدًا صباحًا سيدخل رئيس الحكومة التركية طيات التاريخ، وقد قام القضاء والشرطة بالاستعدادات اللازمة، وعليك أن تغلق هاتفك وتختفي”، ورغم الصدمة التي أُصيب بها تشابكن، رد عليه قائلاً: “هل أصابك مسّ؟ كيف تعتقد أنني سأفعل ما تقول”، وأضاف بلهجة حادة: “الجمهورية التركية تُدار بأخلاق الدولة…”.
ورغم توتر تشابكن فإن الشخص المتصل واصل تهديداته بلهجة هادئة قائلاً: “سيد تشابكن إنك تعرف جيدًا ماذا حدث لأحد أفراد عائلتك ومع من حدث ذلك، لدينا معلومات وتسجيلات مصورة عن ذلك، وستتم تلك العملية سواء قاومت أو لم تقاوم، وعليك أن تغلق هاتفك وتختفي مباشرة بعد انتهاء ساعات عملك اليوم، إذا كنت لا تريد أن تتحول إلى أحد المتهمين في هذه المرحلة، فتتعرض للعقاب ولا تستطيع أن تقابل الناس”.
– يوم 17 ديسمبر 2013 الساعة 5:00
تمت مداهمة منازل عدد من المسؤولين ورجال الأعمال في سلسلة من العمليات المتزامنة بدءًا ببيت وزير الاقتصاد “ظفر تشاغلايان” في العاصمة أنقرة، كما تمت في إسطنبول مداهمة منازل كل من وزير الداخلية “معمر گولر”، وابن وزير البيئة والعمران “أردوغان بيرقدار”، ومدير مصرف خلقبنك، ورجل الأعمال “علي آغا أوغلو”، ورئيس بلدية الفاتح “مصطفى دمير”، ورجل الأعمال الإيراني “رضا ضراب”، وكان أول من علم بالمداهمة من بين الوزراء وزير الداخلية معمر گولر وذلك في تمام الساعة السادسة صباحًا، حين اتصل به ابنه باريش گولر ليقول له: “لقد داهمت الشرطة بيتي يا أبي”، وعندها اتصل الوزير بمدير أمن إسطنبول غير أن هاتفه لم يرن.
أنقرة في الساعة 9:00
عندما لم يتمكن وزير الداخلية من التواصل مع مدير الأمن، اتصل في الساعة 7:00 بـ “حسين عوني موتلو” والي إسطنبول، غير أن الوالي لم يتمكن هو أو أي أحد آخر من الاتصال بمدير الأمن لمدة 17 ساعة في ذلك اليوم، وفي الساعة 17:30 بدأت أجهزة الإعلام التابعة للتنظيم الموازي تبث الأخبار عن العملية، بهدف كسب الرأي العام لصالحها، وعندما علم رئيس الحكومة حينها “رجب طيب أردوغان” بتفاصيل الأحداث، رد على تلك العملية بعملية أخرى، ثم أعطى التعليمات اللازمة إلى وزير الداخلية الجديد “أفكان آلا” قائلاً: “على مدير الأمن أن يواصل عمله حتى الصباح وكأن شيئًا لم يكن، ولا تتدخل في عمله، وبعد الاطلاع على أسباب اختفائه افعل معه ما يجب”.
وفي هذه الأثناء أعلن الإعلام الموازي أنهم سيبثون بشكل متواتر أخبارًا عن العملية التي نزلت على الرأي العام التركي مثل القنبلة، ثم بدأوا يعملون على إخراج الأمر على أساس أن نجل رئيس الوزراء “بلال أردوغان” هو المستهدف في تلك العملية، وفي الأثناء اجتمع رئيس الوزراء مع المسؤولين الأساسيين والمقريبن له في أنقرة، وذلك لتحديد الإستراتيجية التي سيتم اتباعها في هذا الظرف، وبعد حصوله على معلومة تفيد بأن العمليات الأمنية ستتواصل، أطلق أردوغان حملة ثانية، ووضع تلك العمليات تحت مراقبة مزدوجة، وبذلك تمت عرقلة عملية جديدة كان أحد النواب العامين والشرطة يعتزمون إجراءها من دون موافقة مدير الأمن والنائب العام، وذلك بعد إتمامهم العملية الأولى دون إعلام النيابة العامة.
إسطنبول – الساعة 11:30
في الساعة 11:30 خرج مدير الأمن “حسين تشابكن” من مخبئه ووصل إلى مبنى إدارة الأمن وأشار في تصريحات للإعلام بأنه لا علم له بالعمليات الأمنية، وفي الساعة 15:00 تم إحكام المراقبة على حركة الدخول والخروج إلى مبنى إدارة الأمن، واجتمع عدد من الأمنيين الذي نفذوا العملية في باحة المبنى، مهددين من حولهم ومنادين بالقول: “سنواصل العمليات في حال تأثر عملنا وحياتنا بهذه العملية”، الإعلام الموازي وبعض المؤسسات الإعلامية الأخرى التي تلقت توجيهات من الإعلام الموازي نقلت ذلك في بث مباشر على أساس أنه احتجاج على “عملية فساد وارتشاء كبيرة”، باذلين كافة جهودهم لإنجاح المحاولة الانقلابية.
والسؤال المطروح هنا أين يتموقع القضاة والنواب العامون الذي يمثلون الجانب القضائي في خطة الانقلاب هذه ذات الأبعاد الدولية؟ التحقيقات المزعومة التي تمت في 17 ديسمبر كان تجري تحت إشراف النائب العام في مكتب مكافحة التهريب والمخدرات “جلال كارا”، والنائب العام بمكتب الجرائم الإدارية “محمد يوزغتش”.
– قاموا بتحييد القضاة
قام وكيل النائب العام بإسطنبول “زكريا أوز” بمهمة التنسيق، وقد تم تكليفه بهذه المهمة بعد أن أخذت منه الصلاحيات الخاصة إثر قيامه باعتقال عدد من الصحفيين وجمع كتاب للصحفي “أحمد أيشيق” قبل الطباعة، وذلك في إطار التحقيقات التي أجراها في قضية قناة “أودا تي في” ذات العلاقة بقضية أرغنكون، أما الجانب الإعلامي من العملية فقد اضطلع بها وكيل النائب العام في تلك الفترة “فكرت ستشان” وهو أحد النواب العامين في قضية أرغنكون، وتتضمن العمليات المتزامنة ثلاثة ملفات منفصلة، وهي ملف مجموعة رضا ضراب وملف بلدية الفاتح وملف مجموعة إدارة المساكن الاجتماعية، وقد تم دمج هذه الملفات الثلاثة واستخدامها صبيحة 17 من ديسمبر في تلك الهجمة.
وبعد فترة قصيرة تم التوصل إلى الأسباب الكامنة وراء عدم علم النائب العام بتلك العمليات، ولم يقم الفريق الخاص بإدخال المعلومات اللازمة في نظام شبكة المعلومات التابع لوزارة العدل، كما أنه لم يعط أي معلومة للنيابة العامة، ووقع على قرارات الاعتقال القاضي “جميل غديكلي” الذي كان مناوبًا يوم الإثنين 16 ديسمبر، غديكلي هذا كان قد حكم ببراءة الشرطي المتهم بإضافة أرقام أحد منتسبي حزب التحرير إلى هاتف الملازم محمد علي تشلبي المتهم في قضية أرغنكون، وكان الفريق الخاص قد ضمّن على عملياته من كافة الجوانب، ولم يبلّغ النيابة العامة ولم يُسجل الملفات في نظام المعلوماتية بوزارة العدل.
– الخيانة عند التناوب على العمل
تم إعداد جدول التناوب الخاص بشهريْ ديسمبر ويناير حسب الجدول الزمني للعملية، وتم اختيار القضاة المناوبين في الفترة الممتدة بين 31 ديسمبر 2013 و5 يناير 2014 المتزامنة مع الموجة الثالثة للعملية، بحيث يكونون هم من سيصدرون قرارات التفتيش والإيقاف والاعتقال، ولو تمت العملية كما خططوا لها، لراجت أخبار عن دخول تركيا الموجة الثالثة من العملية.
في 31 ديسمبر تم تكليف القاضي “علي أفندي بكساك” قاضيًا مناوبًا، وبكساك هذا كان قد حطم رقمًا قياسيًا في إصدار أحكام بالسجن عندما قضى بسجن 33 عسكريًا من بين 34 متهمين في قضية المطرقة، أما القاضي الآخر المناوب في نفس اليوم فهو “أوكطاي آتشار” الذي وافق على التنصت على أحد رجال الشرطة تحت اسم مستعار في قضية قناة “اودا تي في”.
أصدر القاضي جميل غديكلي المناوب في 4٤ يناير القرار بتنفيذ الموجة الأولى من العملية، وفي 5٥ يناير تناوب القاضي داود بدر الذي أصدر قرار الاعتقال الجماعي في قضية المطرقة العمل مع مراد أوروندو.
– الإقالة من الوظيفة
في الساعة 5:00 من صباح يوم 18 ديسمبر قام الإعلام الموازي بنشر معلومة مفادها إتمام قائمة اعتقال 71 شخصًا، وبدأ التحقيق مع المعتقلين، وصرح المحامون أن موكليهم تم الاعتداء عليهم وتعذيبهم نفسيًا وجسديًا في زنزانات باردة.
في الساعة العاشرة تمت إقالة مدير الشعبة المالية “يعقوب صايغيلي”، ومدير شعبة مكافحة الجريمة المنظمة “نظمي آرديتش”، مع 5 مدراء أقسام أخرى بتهمة التصرف بشكل يخالف قانون الخدمات الداخلي لمديرية الأمن، وتنفيذ عمليات من دون علم مديريهم، في الساعة 12:00 تمت إقالة مدير أمن إسطنبول حسين تشابكن، وبعد صدور هذا القرار بنصف ساعة غادر تشابكن مديرية الأمن دون توديع الموظفين، وأمام مبنى مديرية الأمن أدلى بصريح للصحفيين اكتفي فيه بالقول: “لقد تم نقلي إلى الإدراة المركزية، وكما تم تعييني فقد تم نقلي، نحن موظفون في الدولة، وأبارك للوطن والشعب هذه الخطوة”.
المصدر: جريدة صباح