طالعتنا الأنباء مؤخرا أن البنك الدولي منح كعادته المغرب قرضا بقيمة 130 مليون دولار فى إطار التمويل المتعلق بالقرض الرابع الخاص بدعم سياسة تنمية قطاع النفايات المنزلية. ويعد بذلك هذا القرض، الثاني ضمن سلسلة من عمليتين، في شكل قروض سياسات التنمية، والذي يهدف إلى دعم جهود الحكومة المغربية لإرساء نظام تدبير مندمج للنفايات المنزلية من جهة، وإلى إغراق البلد بالديون الخارجية من جهة ثانية وبالتالي إرساء التبعية التي طالما آمل المغاربة التخلص منها خصوصا مع مجئ الحكومة الحالية التي عرفت بانتقادها الشديد لسياسة القروض الخارجية أيام المعارضة.
وبلغت الديون العمومية الخارجية ما مجموعه 277 مليار درهم خلال سنة 2014، مقابل 234 مليار دهم خلال السنة التي سبقتها، وهو ما جعل المديونية العمومية الخارجية تمثل 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام. هذا ما كشفت عنه الأرقام الصادرة عن مديرية الخزينة والمالية الخارجية في مذكرتها الصادرة مؤخرا حول الدين الخارجي للخزينة. ويعزا هذا الارتفاع إلى حاجة الدولة إلى التمويل الخارجي وضعف النمو الاقتصادي علاوة أن الحكومة تلجأ إلى الاقتراض الخارجي حتى تترك للقطاع الخاص الاقتراض من الداخل.
إن مشاكل المديونية الدولية للمغرب لم تَأت من قبيل الصدفة، وليست عابرة ولا جديدة. ففي القرن 19 وفي ظل توسع الرأسمالية الأوروبية، كانت المديونية عاملا مساعدا في تسريع التدخل الأجنبي للمغرب كما لغيره من البلدان جنوب المتوسط (مصر وتونس)، والتحولات التي نتجت عنها ستعيد تشكيل الاقتصاد المغربي فيما بعد. كما أننا نعيش اليوم على إعادة انتاج نفس المسار، ولن تتسبب الحكومة الحالية للمغاربة سوى في أزمة مالية خانقة تتجاوز الازمة الحالية التي لن تعصف سوى بفقراء هذا البلد؛ و أعلن البنك الدولي من خلال تقرير سابق له أن ربع سكان المغرب، أي مايعادل 8.5 ملايين شخص، معرضون للفقر المدقع.
ويبدو أن الحكومة المغربية لا تهتم بتقارير البنك الدولي طالما أنها ترى ضعف المصداقية في التقارير الدولية لكنها تهتم بشكل جلي بقروضه المكرسة للتبعية والتي تكلف المغرب غاليا اقتصاديا وسياسيا. و لا يرى المغاربة أي ضرورة من هذه القروض طالما لا يستطيعون ملاحظة نتائج هذه التمويلات بشكل جلي على أرض الواقع فأسعار المتطلبات اليومية في تزايد ملحوظ أدى هذا إلى يأس شريحة مهمة من المغاربة من وعود الحكومة الوردية، وتسارعت وثيرة الوعود في الأشهر الاخيرة أي مع اقتراب موعد الانتخابات. فعلى الرغم من الدعاية الإعلامية والسياسية التي خصصتها وزارة الداخلية ومعها الأحزاب، لدعوة المغاربة غير المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة، لتقديم طلباتهم بالتسجيل مباشرة لدى المكاتب الإدارية المخصصة أو عبر شبكة الأنترنت، للتصويت في الانتخابات الجماعية والجهوية التي ستنظم في يونيو القادم، إلا أن المعطيات الحالية تشير إلى عزوف كبير للمغاربة في الإقبال على التسجيل في اللوائح الانتخابية. و يدل هذا على وعي المغاربة بأن النخب السياسية لا تخدم مصالح الشعب بقدر ماتخدم مصالحها الذاتية، وبانخراطهم فى العملية الانتخابية فإنهم يخدمون بشكل غير مباشر مصالح هذه النخب السياسية؛ وبالتالي انخراطهم الفعلي في الفساد.
لقد صرح عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، مطلع السنة الجارية أن الفريق الحكومي يتعامل بجدية مع التقارير الدولية وأكد مطمئنا المغاربة أن البلد شهد نجاحا ملموسا في ترتيب العديد من التقارير الدولية. نعم يبدو الأمر كذلك فجهود الحكومة الرامية إلى تقدم المغرب في التصنفيات الدولية قد أعطلت أكلها حيث أكدت الدراسة الاخيرة التي قام بها بها مكتب “ماكينزي” الأمريكي أن المغرب احتل المرتبة الأولى في المديونية على المستوى القاري وبهذا يعتبر المغرب البلد الإفريقي الأكثر مديونية بحيث احتل الرتبة 29 عالميا ويبرز ذلك أن الحكومة المغربية تسير بحزم في سباقها نحو الهاوية. وفي تقاصيل أخرى للدراسة المذكورة فإن حصة الدين الخارجي للمغرب مقارنة مع الناتج الوطني الخام السنوي ارتفعت إلى نسبة 136 بالمائة، أي بمعدل ارتفاع وصل عشرين نقطة من ضمن النسبة المائوية للناتج الوطني الخام السنوي.
إن الحكومة الحالية ملزمة أولا وقبل كل شئ بأن تحقق مستوى عيش كريم للساكنة، وذلك من خلال تطوير نظام رخاء متماسك ومحدد بشكل جيد، يجمع بين المساعدة والضمان الاجتماعي. كما أنها ملزمة يتحسين رتبة المغرب في مايخص التعليم والبحث العلمي والصحة وغيرها لا في المديونية وارتفاع نسبة البطالة والفقر. كما أنها ملزمة إعادة النظر في مسألة المديونية العمومية، واعتماد وسائل وحلول أخرى لوضع حد لدائرة الإقتراض وذلك عبر إيجاد رافعات مالية أخرى لإقتصاد البلاد. ولا يطالب المغاربة الحكومة أن تصلح كل ما أفسدته الحكومات السابقة، فالفساد في هذا البلد متجدر. لكن التاريخ سيحكي أن بنكيران وفريقه وجدوا فسادا فأكملوا عليه.