أحد أهم الأحداث التي لا تُنسى من الانتخابات الإسرائيلية؛ هو معاناة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحصول على أصوات من الاستبعاد الصريح لفكرة قيام دولة فلسطينية تحت سمعه وبصره.
ويشير هيكل حكومته الائتلافية الجديدة إلى زيف تراجعه بعد الانتخابات عن هذا التصريح وسط الضجة الدولية، والذي لم ينخدع به أي شخص.
يمكن القول بأن أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل تتكون من أحزاب: الليكود، حزب التوراة اليهودية الموحدة، حزب شاس، وحزب كولانو، تستبعد هذه الأحزاب صراحةً قيام دولة فلسطينية، أو تقبل بشروط تجعل من احتمال قيامها، ناهيك عن قدرتها على البقاء، أمرًا مستحيلًا.
وتشمل هذه الشروط احتفاظ إسرائيل بالقدس الشرقية، والاعتراف بها كدولة يهودية، والحفاظ على أكبر الكتل الاستيطانية، التي يتم بناؤها على طبقات المياه الجوفية في الضفة الغربية والأراضي الخصبة، والتي تعيق التقارب الجغرافي للدولة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه: فإنّ تلك الدولة لابد أن تكون منزوعة السلاح وتتنازل عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
تنازلات كبيرة
لم يمضِ الكثير من الوقت بعد الإعلان عن حكومة ائتلافية – يوم الخميس- مع اعتماد بناء 900 وحدة استيطانية في القدس الشرقية، وفي الواقع لم يوافق أيٌّ من أعضاء الائتلاف على تجميد النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي يُعتبر غير قانوني بموجب القانون الدولي.
قام “نتنياهو” بتنازلات كبيرة لحزب البيت اليهودي، العضو اليميني داخل الائتلاف، والذي رفض صراحةً إقامة دولة فلسطينية، وكان دعمه في اللحظة الأخيرة حاسمًا لتشكيل أغلبية برلمانية، ودون دعمه؛ لكان الرئيس الإسرائيلي كلّف عضو برلمان آخر – على الأرجح إسحق هرتسوغ القيادي في الاتحاد الصهيوني المعارض وثاني أكبر حزب في البرلمان – بتشكيل الحكومة.
حصل البيت اليهودي على العديد من الحقائب الوزارية الرئيسية، بما في ذلك وزارتي العدالة والتعليم، إضافة إلى السيطرة على قسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية، والذي “يقوم بتحويل الأموال للمستوطنات”، حسبما ذكرت وكالة أنباء فرانس برس.
وأضافت الوكالة: “سيحصل الحزب على مقعدين في اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي، التي تتخذ قرارات حاسمة بشأن الحرب والسلام، ومنصب نائب وزير الدفاع، مع توليه مسؤولية الإدارة المدنية التي تدير الشؤون المدنية في معظم مناطق الضفة الغربية المحتلة”.
وفقًا لتقارير وسائل الإعلام، من المرجح أن يصبح نتنياهو – في الوقت الراهن – وزيرًا للخارجية، وفي الوقت نفسه رئيسًا للوزراء، ومن المرجح أن يظل موشيه يعالون من حزب الليكود، الذي يعارض أيضًا إقامة دولة فلسطينية، وزيرًا للدفاع ويكون له مكان في اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي، ومن المتوقع أن يصبح موشيه كاهلون، زعيم حزب كولانو، وزيرًا للمالية إلى جانب العمل في اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي.
وقال كاهلون، الذي يفضل استمرار بناء المستوطنات: “إن الحديث عن دولة فلسطينية لا معنى له، لأنه في الوقت الراهن ليس لدينا شريك، وليس هناك أحد للحديث معه من الجانب الآخر”، إذا كان هو وزملاؤه لا يرون أن السلطة الفلسطينية الخاضعة ورئيسها محمود عباس تستحق التحدث معها، إذن لن ينسى أحد من الجانب الفلسطيني حلم إقامة دولة فلسطينية للأبد.
بارقة أمل
وسط هذه الاحتمالات السوداء، توجد فرصة للفلسطينيين، وسواء أكانت الحكومة الإسرائيلية الجديدة أكثر وسطية أم أكثر يسارية، فإن المجتمع الدولي سوف يمنحها قرينة الشك، وينسى أن كل حكومة إسرائيلية، بغض النظر عن الأيديولوجية، رسخت بقوة احتلال واستعمار فلسطين.
بارقة الأمل مع ائتلاف نتنياهو الجديد هي أنّه لن يكون هناك أي ادعاء أو توقعات حول احتمال حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وعلى هذا النحو يجب على الفلسطينيين ومؤيديهم الاستفادة من العزلة الدولية المتزايدة لإسرائيل، حتى بين حلفائها.
وهذا يُعطي مزيدًا من الزخم لحركة المقاطعة والعقوبات وسحب الاستثمارات، وربما يساعد القضية الفلسطينية في المحكمة الجنائية الدولية، ويشجع السلطة الفلسطينية على الانضمام للمزيد من الهيئات والمعاهدات الدولية، ربما تشعر السلطة الفلسطينية أن هذا هو الوقت المناسب لتجديد محاولتها لاستصدار قرارٍ من مجلس الأمن الدولي لتحديد موعد نهائي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
فشلت المحاولة الأولى؛ بسبب الضغط الأمريكي والتهديد باستخدام حق الفيتو، ومع ذلك منذ تعهد نتنياهو الانتخابي بمنع إقامة دولة فلسطينية، قالت الولايات المتحدة: إنّها قد تعيد النظر في استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لدعم الحليف القوي لها.
إذا كانت المحاولة الثانية ناجحة؛ فإن إسرائيل ستتجاهلها تمامًا، كما فعلت مع عدد لا يُحصى من قرارات الأمم المتحدة السابقة، ولكن هذا من شأنه أن يضيف إلى عزلتها.
يجب أن توقف السلطة الفلسطينية خضوعها المخزي والتنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، لأنها لا تملك أي شيء لتقدمه لشعبها؛ وهذا سيؤدي إلى إجراءات إسرائيلية عقابية، ولكن هذه الحكومة المتطرفة ستحظى بدعم دبلوماسي أقل.
وربما يؤدي رفض إسرائيل الصارخ لإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى تحفيز الحركة من أجل دولة واحدة ذات ثنائية قومية، كما تم تعزيز صفوف هذه الحركة في السنوات الأخيرة من خلال إدراك الناس أن حل الدولتين لم يعُد ممكنًا بالنظر إلى مدى استعمار إسرائيل وتفتيت فلسطين.
ومن المفارقات، أن الساسة الإسرائيليين المعارضين بشدة لقيام دولة فلسطينية يمكن أن يكونوا هم السبب في أسوأ كوابيسهم: دولة ثنائية القومية مع مساواة بين المواطنين، وليس دولة عرقية يهودية ثيوقراطية يرغبون في ترسيخها.
تبدو احتمالات التوصُّل إلى حل تفاوضي للصراع مستحيلة أكثر من أي وقت مضى، ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك أمل، قد يكون العكس صحيحًا إذا تمكّن الفلسطينيون ومؤيدوهم من تحويل تعنُّت حكومة إسرائيل وعرقلتها للمحادثات إلى فرصة حقيقية في صالحهم.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية – ترجمة: التقرير