للمرة الأولى وبحضور رؤساء لمراكز إحصائية عن 22 دولة حول العالم وعدد من ممثلي المنظمات الدولية والإقليمية، عُقِد في رام الله الاجتماع التاسع لفريق الأمم المتحدة المعني بالشراكة والتنسيق وبناء القدرات في مجال الإحصاءات لمناقشة البرنامج التنموي 2030 للتنمية المستدامة في فلسطين.
وبرغم تأكيد رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله على تحقيق التنمية المستدامة بالاعتماد على مواهب وقدرات الشباب الفلسطيني في ظروف استثنائية بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي، فإن عديد من الخبراء أكدوا فشل التنمية في ظل الاحتلال.
قارب المشهد الكاتب والمفكر الفلسطيني خليل نخلة الذي عمل مشرفًا على برامج الاتحاد الأوروبي في قطاع التربية والتعليم في فلسطين الذي يرى أن فشل التنمية يعود لجملة تهديدات أبرزها غياب السيادة السياسية والاقتصادية والغذائية للفلسطينيين، والاعتماد المطلق على المساعدات الغربية، وكذلك طبيعة الطبقة الرأسمالية الفلسطينية التي تهدف في استثماراتها لزيادة الربح”.
الجدير ذكره أن نخلة أصدر كتابين مهمين في سياق التنمية الفلسطينية المعتمدة على التمويل الخارجي أولهما “أسطورة التنمية في فلسطين” عام 2004، وكتاب “فلسطين وطن للبيع” عام 2010 تحدث فيهما عن استحالة تحقيق التنمية في ظل الاحتلال، إضافة لبروز نخبة فلسطينية معولمة تتحكم في المجريات الاقتصادية، كاشفًا عن الأجندة السياسية للممولين في المساعدات متعددة الأطراف للفلسطينيين القادمة من البنك الدولي مثلًا، أو المساعدات الثنائية المباشرة القادمة من أمريكا وعديد من الدول، إذ تتناقض هذه الأموال مع مفهوم التنمية التحررية لخلقها اقتصاد تابع للاحتلال الإسرائيلي بكل تشعباته.
هل الأرقام التي يقدمها الإحصاء الفلسطيني حقيقية؟
يرى المختص في التنمية الاقتصادية نور أبو عجوة أن الإحصاء الفلسطيني يقدم مؤشرات حقيقية للوضع الجغرافي والديمغرافي والتنموي الفلسطيني، لكن ليس بالإطلاق، يرجع ذلك لاعتماده على الأرقام المقدمة من المؤسسات الدولية والتي تشكل المصاريف التشغيلية لمشاريعها ما يقارب 40%، على حساب الفلسطينيين، كما أنها تقدم مرتبات عالية جدًا وامتيازات كبيرة للعاملين، إضافة إلى أن كثير من المشاريع تعتمد على استيراد المواد اللازمة لمشاريعها من الدول المانحة وهذا ما يؤثر بالسلب على المنتجات الفلسطينية.
ويقول أبو عجوة لـ”نون بوست”: “سبق أن اعتمدت الخطط التنموية الفلسطينية على مؤشرات الإحصاء الفلسطيني، ولكن المؤشرات الأساسية كالفقر والبطالة والناتج المحلي إضافة إلى الصادرات والواردات ازدادت سوءًا، والسبب تشوه الواقع الفلسطيني بسبب الاحتلال”.
بلغ عدد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية قرابة 4.952.168 فلسطيني، في حين لا توجد إحصائية موثقة لعدد اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات كالأردن ولبنان وسوريا، وكذلك في أوروبا وأمريكا اللاتينية
وأضاف أبو عجوة: “المؤسسات الدولية لا تعتمد على مؤشرات القياس التي يقدمها الإحصاء الفلسطيني، فهي تأخذ بياناتها من المنظمات غير الحكومية التابعة لها، وهو ما يضعف دور الإحصاء الفلسطينية”.
أما أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر وأحد المشاركين في البرنامج الإنمائي للاقتصاد الوطني الفلسطيني معين رجب اعتبر أن التخطيط الفلسطيني للتنمية ركز على جلب التمويل فقط وبأي شكل دون النظر لتأثيرات المشاريع القادمة على التنمية الفلسطينية.
وقال لـ”نون بوست”: “في السابق تم الاعتماد على حجم التمويل لبناء الخطط، فقد كان يوعز السياسيون لنا بعمل خطة وفق مبلغ معين من التمويل وبشكل سريع حتى لا يضيع التمويل”، وأضاف رجب: “على مدى عقود طويلة كان هناك تركيز على سن تشريعات وقوانين تحكم الحياة السياسية والاقتصادية الفلسطينية، لكن الاحتلال اخترق كل هذه القوانين مما أدى إلى تشوه كبير في المؤشرات الإحصائية وعدم استقرار لها فأضعف قدرتها على مواكبة التنمية”.
يذكر أن المركز الفلسطيني للإحصاء عاكف على تنفيذ أكبر فعالية إحصائية متمثلة في التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت عام 2017 تحت شعار “معًا وسويًا لنبني الوطن”، فقد بلغ عدد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية قرابة 4.952.168 فلسطيني، في حين لا توجد إحصائية موثقة لعدد اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات كالأردن ولبنان وسوريا، وكذلك في أوروبا وأمريكا اللاتينية.
التلاعب في المؤشرات لصالح الدعم
تسعى دول للإبقاء على مؤشرات تنموية محددة كمعدلات الفقر والصحة والتعليم حفاظًا على استمرارية الدعم الدولي والمنح والقروض الميسرة لها، وتسعى دول نامية ثانية إلى إبراز تحسن ملحوظ في مؤشرات الفساد والاستقرار المالي والبطالة للهروب من إصلاحات صندوق النقد الدولي والتي ستنعكس سلبًا على حال الموظفين، ففي تونس مثلًا تتعرض الدولة لشروط قاسية تدفع إلى رأسملة الدولة متمثلة في تسريح ما لا يقل عن 40 ألف عامل بتقاعد مبكر كخطوة أولى، ورفع يد الحكومة عن السوق لخلق اقتصاد موازٍ قد يضر الطبقة المتوسطة والفقيرة بشكل واضح بعد رفع الدعم عن الحاجيات الأساسية كالوقود والكهرباء.
سعيد العبادلة المتخصص في مؤسسة الوساطة للأوراق المالية في فلسطين يرى أن الفجوة كبيرة بين بيانات المراكز الإحصائية في الدول العربية وحقيقة الأمر على الواقع، إلا أنه يؤكد أهمية مراكز الإحصاء في العملية التنموية كدور استشاري وليس تنفيذيًا، معتبرًا أن من يتحمل فشل الخطط التنموية هم السياسيون نتيجة لعدم ملاحقة الفاسدين ومتابعة حركة المال المهربة للخارج.
محاولات إرضاء المانحين والجمهور المحلي ببيانات غير دقيقة تؤدي إلى فشل خطط التنمية الحكومية إذا ما اعتمدت عليها
وعن مركز الإحصاء الفلسطيني قال العبادلة لـ”نون بوست”: “في الآونة الأخيرة ظهر اهتمام واضح في المركز الفلسطيني للإحصاء، مما يدل على خطوات جيدة نحو التنمية، يبقى أن يتم توفير دعم أكبر باعتبار الجهاز يتلقى دعمه من الحكومة مباشرة، لتوسيع عينات المسح للحصول على نتائج أكثر دقة”.
إن محاولات إرضاء المانحين والجمهور المحلي ببيانات غير دقيقة تؤدي إلى فشل خطط التنمية الحكومية إذا ما اعتمدت عليها، لكن للخروج من هذا المأزق يحتاج مركز الإحصاء الفلسطيني كحالة خاصة بين الدولة والاحتلال إلى دعم إضافي للحصول على بيانات دقيقة بمساحة أوسع وعينة أكثر شمولية، قد تضع المسؤولين المحليين والدوليين تحت طائلة المسؤولية، وتخفف من كاهل التبعية للاحتلال.