يومًا بعد يوم يبدأ قناع الديمقراطية والاستبسال في الدفاع عن الشعوب المظلومة والمنكوبة الذي كانت تلبسه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتصدره للمنطقة، يتساقط تدريجيًا ليُكشف عن وجهها الحقيقي تجاه القضية الفلسطينية وفصائل المقاومة وعلى رأسهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
هذه المرة أرادت واشنطن أن توجه تهديدًا مباشرًا وعلنيًا لكل دولة عربية أو إسلامية أو حتى منظمة خارجية، تقوم بدعم المقاومة الفلسطينية من قريب أو بعيد، في محاولة للضغط على كل من يساند ويدعم القضية الفلسطينية لنفض يده عنها خوفًا من “العقاب الأمريكي”.
لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي وافقت قبل أيام على ثلاثة تشريعات تستهدف حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي في فلسطين على الصعيدين المالي والسياسي.
العقاب الأمريكي
ويعاقب مشروع القانون الحكومات والأفراد الأجانب الذين يقدّمون دعمًا ماليًا للحركتين، وتشمل العقوبات التعاملات المصرفية للدولة التي تخرق هذا القانون، ومنع استيراد البضائع منها، ومنع أي صفقات سلاح أو ذخيرة مع الجهة المعنية، وينتقد التشريع – الذي دعمه رئيس اللجنة إد رويس – ما قال إنه دعم قطري وإيراني لحماس والجهاد الإسلامي على الصعيدين العسكري والمالي.
وأقرت اللجنة القرار شفويًا، وسوف يطرح خلال الأسابيع المقبلة على مجلس النواب للتصويت عليه، ولا تطبق العقوبات في حال قدم الرئيس الأمريكي شهادة بأن تلك الدولة أوقفت دعمها لحماس والجهاد الإسلامي، وفي الوقت ذاته وافقت اللجنة على تشريع يوقف المساعدات المالية الأمريكية للسلطة الفلسطينية حتى تتخذ خطوات موثوقة لإنهاء أعمال العنف ضد الأمريكيين والإسرائيليين، وفي أغسطس الماضي، أقرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تعليق المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى السلطة الفلسطينية.
صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، قالت: “الائتلاف الإسرائيلي الأمريكي للعمل أشاد بالموافقة على مشروع القانون“، وأضافت الصحيفة “هذا التشريع الحيوي يعزز احتمالات السلام بتكييف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية حتى تنتهي من سياستها البغيضة للمجني عليهم إرهابيًا وعائلاتهم”، على حد زعمها.
مشروع القرار الذي قدمه مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي، يستهدف بشكل خاص دولة قطر، خصوصًا أنه يأتي وسط حملة إعلامية شرسة عليها، والحصار المفروض عليها من الدول العربية
وفي أول تعقيب رسمي لها، نددت حركة حماس بالمشروع الأمريكي الجديد ضد المقاومة الفلسطينية بشكل عام وحركتي حماس والجهاد الإسلامي بشكل خاص، وأكد القيادي البارز في الحركة والنائب في المجلس التشريعي يحيى العبادسة، أن التحرك الأمريكي الجديد بمعاقبة كل من يدعم المقاومة الفلسطينية ويساند القضية ويواجه المحتل الإسرائيلي، تجاوز للخطوط الحمراء كافة، لن نقبل به.
وأضاف: “الإدارة الأمريكية هي وجهة الإرهاب الحقيقي في المنقطة، ويومًا بعد يوم يعلم الجميع أنها داعمة ومساندة للإرهاب والعدوان الإسرائيلي في المنطقة العربية بأكملها، وخاصة الأراضي الفلسطيني، وهذا القانون كشف زيفها وكل أوراقها”، وذكر القيادي في حركة حماس “المقاومة الفلسطينية حق مشروع طالما وجد الاحتلال الإسرائيلي على أرضنا، ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية لسن قوانين وتشريعات لمعاقبة كل من يدعم فلسطين وقضيتها العادلة، مخالف للقوانين الدولية والإنسانية والحقوقية كافة وتدخل سافر بالشؤون الفلسطينية الداخلية”.
ولفت العبادسة إلى أن كل مخطط ومشروع قرار أمريكي في المنطقة هدفه الأول والرئيسي حماية “إسرائيل” ومصالحها الأمنية والمخابراتية في المنطقة، ويبدو أن المقاومة الفلسطينية باتت تزعج الجميع فتتسارع الدول لوأد تلك المقاومة ومحاولة الضغط عليها بكل الأشكال لتحييد مسارها، وختم القيادي في حركة حماس حديثه بالقول: “خطوة غير جديدة على الولايات المتحدة التي ترعى الإرهاب في المنطقة، والولايات المتحدة مصنفة طيلة تاريخيها بأنها تقف ضد آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وتعمل ضمن هذا الإطار، وضمن المنظومات التي تخدم الكيان الإسرائيلي”.
تفاصيل المؤامرة
مشروع القرار الذي قدمه مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي، يستهدف بشكل خاص دولة قطر، خصوصًا أنه يأتي وسط حملة إعلامية شرسة عليها وحصار مفروض عليها من الدول العربية.
ويصعب فصل مشروع القانون المطروح في 24 من مايو/أيار الحاليّ، أمام الدورة الحالية للكونغرس الأمريكي، تحت عنوان “فرض عقوبات على ممولي الإرهاب الفلسطيني”، عن الحملة التي تشنها مجموعة من العواصم العربية ضد الدوحة، إذ يستخدم نصّ مشروع القانون المقدم من عضو الكونغرس الجمهوري بريان ماست، المصطلحات نفسها التي “تتهم” بها قطر، على خلفية دعمها للمقاومة الفلسطينية واستضافتها قيادة حركة حماس المستهدفة بمشروع القانون المذكور.
ادعى مشروع القرار أن حماس تتلقى دعمًا من إيران وجهات أخرى، وادعى مقدمو المشروع أن طبيعة الأسلحة التي تحوزها حماس، والتي تصدت لها أنظمة الدفاع الإسرائيلية في أوقات سابقة، تؤكد تلقيها مساعدة من هؤلاء الداعمين
ويناقش الكونغرس المشروع وهو موجه بالدرجة الأولى نحو حركة حماس التي يذكر مشروع القانون بأنها مصنفة على لوائح وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب منذ أكتوبر/تشرين الأول 1997، ثم دولة قطر التي يذكرها المشروع خمس مرات بزعم تقديمها دعمًا ماديًا للحركة الفلسطينية، وعلى خلفية استضافتها قيادة الحركة في الدوحة.
وهاجم المشروع قطر باعتبارها ممولًا رئيسيًا لحركة حماس، وكونها تستضيف عددًا من كوادر الحركة الأساسيين وعلى رأسهم القائد العام السابق خالد مشعل، وافتتح القائمون على المشروع ورقة المقترح، بزعم أن حماس منظمة إرهابية أجنبية ومصنّفة على وجه التحديد من حكومة الولايات المتحدة باعتبارها إرهابية عالمية، وأنّها مسؤولة عن مقتل إسرائيليين وما لا يقل عن 25 مواطنًا أمريكيًا.
وادّعى المشروع أن قطر تمول منذ سنوات حركة حماس، مشيرًا إلى أن الحركة أعلنت وثيقتها الجديدة من الدوحة، واعتبر القرار الوثيقة مجرد محاولة لإظهار وجه جديد من خلال العودة إلى حدود عام 1967، لكنها مع ذلك ما زالت تحمل مضمون الوثيقة الأساسية، الداعية إلى تدمير “إسرائيل”.
وبالإضافة إلى قطر، فقد ادعى مشروع القرار أن حماس تتلقى دعمًا من إيران وجهات أخرى، وادعى مقدمو المشروع أن طبيعة الأسلحة التي تحوزها حماس، والتي تصدت لها أنظمة الدفاع الإسرائيلية في أوقات سابقة، تؤكد تلقيها مساعدة من هؤلاء الداعمين، وافترض القائمون على المقترح، أنه على الرغم من الخلافات بين حماس وإيران فيما يتعلق بالأزمة السورية، الشراكة بينهما لم تنقطع.
ونقل النص تصريحات للقيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق قال فيها: “الدعم الذي تقدمه إيران للمقاومة الفلسطينية سواء كان في مجال الخدمات اللوجستية أم التدريبات أو الأموال لا مثيل له”، ولم توضح الوثيقة تاريخ المقابلة أو على أي قناة تليفزيونية، ولم يقتصر المشروع على الجهات التي تدعم حماس، ولكنه يقترح فرض عقوبات على كل من يقدم مساعدات لحركة “الجهاد الإسلامي” أيضًا.
وزعم المشروع أن “دعم الإرهاب الفلسطيني عقبة أمام حل الدولتين ويقلل من احتمال إقامة سلام دائم ومستدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”، ودعا إلى تطبيق سياسة الولايات المتحدة في منع حماس أو الجهاد الإسلامي أو أي جهة تابعة لهما أو واقفة خلفهما من الوصول إلى شبكات الدعم الدولية التابعة لها.
وطالب المشروع، مستندًا إلى القانون الدولي لمنع الإرهاب، من الرئيس أن يقدم إلى الكونغرس تقريرًا سنويًا يحدد الأشخاص أو الوكالات أو الأدوات التابعة لدولة أجنبية تساعد لوجستيًا أو ماديًا حركتي حماس أو الجهاد الإسلامي الفلسطيني أو أحد المنتسبين لهما أو المنتسبين لداعميهما.
ويطالب مشروع القرار بفرض عقوبات اقتصادية على الجهات الداعمة، تتضمن حظر التصدير والاستيراد، تحديدًا حظر صفقات الأسلحة والتبادل الأمني، وكذلك حظر القروض ومصادرة الممتلكات في الولايات المتحدة.
كما يطالب مشروع القانون الرئيس بتقديم تقرير إلى الكونغرس عن كل حكومة تقدم الدعم لحماس أو الجهاد الإسلامي الفلسطيني أو أي منظمة تابعة لهما أو تدعمهما، وبعد تحديد الحكومات، يجب على الرئيس تعليق المساعدة الأمريكية لهذه الحكومة لمدة سنة واحدة، وإصدار تعليمات للمديرين التنفيذيين لكل مؤسسة مالية دولية بالتصويت ضدّ أي قرض أو مساعدة تقنية لتلك الحكومة لمدّة سنة.
ورغم أن مشروع القرار لا يذكر حركة “الإخوان المسلمين” بالاسم، فإن المصطلحات التي يستخدمها تشبه إلى حد بعيد ما يتم كتابته وقوله من أطراف الحملة الموجهة اليوم ضد قطر، والتي تركّز على ما تقول إنّه دعم قطري للمقاومة الفلسطينية التي تعتبرها بعض العواصم العربية مثل أبو ظبي والقاهرة “إرهابية“.