إن كنت من غير المعجبين بالبيتكوين، فأنت لست وحدك، لقد أعلن “بيل غيتس”، مؤسس إمبراطورية مايكروسوفت، عدم إعجابه بالعملات المشفرة، وزاد على ذلك بأنها تؤدي إلى القتل المباشر، عن طريق مساعدتها في تمويل المنظمات الإرهابية والمشاريع غير القانونية وذلك نتيجة لبُعدها الكامل عن مراقبة الحكومة.
“أنا لا أجد السرية التي تتواجد في البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة شيئًا جيدًا، فما الجيد في أن يصعب على الحكومات مراقبة الأموال التي تموّل المشاريع غير القانونية، وهو ما يشجع على غسيل الأموال والتهرب من الضرائب وتمويل تجارة المخدرات والجماعات الإرهابية، لم يكن هناك تكنولوجيا قادرة على قتل البشر بهذه الطريقة، وعلى المستثمرين في البيتكوين الحذر من ذلك”.
كانت هذه كلمات بيل غيتس في حديثه عن رأيه في العملات المشفرة، الرأي الذي هاجمه عليه الكثير من المستثمرين في البيتكوين معللين أن البيتكوين تشتري ما كانت تشتريه النقود من قبل، فإن كانت البيتكوين تساعد على تمويل الجماعات الإرهابية وتجارة المخدرات، فالنقود تفعل الشيء نفسه.
كان قد سبق لـ”غيتس” أن انتقد العملات المشفرة من قبل، واصفًا إياها بأنها أبعد ما تكون عن سرية الهوية، بل إنها تقاوم الرقابة على التعاملات التجارية بشكل واضح، وتدعم اللامركزية كنقطة قوة للتعاملات التجارية بتلك العملات في المستقبل، وهو ما يجعلها تنخرط أكثر في المعاملات غير القانونية، حيث قارن “غيتس” بين زيادة معدلات المعاملات التجارية بالعملات المشفرة وتقارير الوفيات الناتجة عن إدمان المخدرات في الولايات المتحدة، وأهمها “الفنتانيل”، المخدر المُستخرج من نبات الأفيون.
يرى “غيتس” أن العملات المشفرة تتهرب من الرقابة، وذلك لأن الأفراد في غنى عن التواجد بأنفسهم لتسليم الأموال، وهو ما يُحفز المستثمرين في البيتكوين على الانخراط في الجرائم وتجارة المخدرات و تجارة البشر دون الخوف من الرقابة، ذلك لأنه سيرسل الأموال ويستلمها دون الحاجة للتواجد بنفسه مع من يتعامل معهم من خلال تعاملات البيتكوين المشفرة غير المراقبة من قبل الدول ولا الحكومات.
بيل غيتس ليس وحده
“وارين بوفيه” الملياردير ورجل أعمال أمريكي
“وارين بوفيه” أحد أكبر الحيتان ورجال الأعمال في أمريكا، وصاحب شركة بيركشاير هاثاوي التي تُقدر قيمتها في السوق 304 مليار دولار، حذر من أن نهاية العملات المشفرة لن تكون نهاية سعيدة على الإطلاق، وعلى الرغم من أنه لا يستطيع الجزم بالوقت الذي ستنتهي فيه تلك العملات المشفرة وكيفية نهايتها، إلا أنه لا يُشارك أبدًا حتى ولو بمشاركة ضئيلة في الاستثمار في العملات المشفرة، فهو لا يعتقد أن من العقلانية الاستثمار في شيء لا يعرف عنه أي شيء والتوقعات المستقبلية الخاصة به غير متوازنة على الإطلاق.
“حينما أرى الكل يتحدث عن العملات المشفرة من طلاب الجامعة وأصحاب الشركات الناشئة والكثير من المستثمرين حديثي الخبرة بالاستثمار، أعلم جيدًا أننا على شفا فقاعة اقتصادية” – جون روجر صاحب شركة آريل الاستثمارية في الولايات المتحدة
يعتبر العديد من رجال الأعمال أن البيتكوين بمثابة احتيال وتزوير في مجال الأعمال، واتفق معهم على هذا الرأي العديد من الحكومات التي حظرت استخدام البيتكوين واعتبرت التعامل به غير قانوني، مثل حكومة كوريا الجنوبية على سبيل المثال، والتي حينما قررت أن تحظر كل أنواع التبادل التجاري بالبيتكوين هبط سعر الأخيرة بشدة، وذلك رغبة في حكومة كوريا الجنوبية في وقف ولع المواطنين بداية من ربات المنزل وحتى طلاب الجامعة بشراء وتبادل المعاملات التجارية بالبيتكوين دون مراقبة الحكومة لذلك.
أثار انتشار البيتكوين الجدل حول وقوع الثروة في يد من لا يعرف كيفية استخدامها، ليصبح عديمي الخبرة مستثمرين لهم دور في الاستثمار الدولي، وعلى الرغم من أن حكم “غيتس” أن البيتكوين تؤدي للموت المباشر هو حكم عام بعض الشيء، إلا أنه لم يكن خاطئًا، حيث لا تمول البيتكوين تجارة المخدرات فحسب، بل ثبت أنها تمول شراء الأسلحة على الإنترنت وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية، فبحسب نتائج الأبحاث التي تتبعت عمليات البيع على ما يُعرف بالشبكة السوداء وجدت أن الأغلبية يفضلون استخدام البيتكوين بدلًا من بطاقات البنوك على اختلاف أنواعها.
دول عربية منعت استخدام البيتكوين
كانت الجزائر والمملكة العربية السعودية من بين البلاد العربية التي حظرت استخدام البيتكوين، تمنع الجزائر رسميًا استخدام أو التعامل التجاري أو حيازة أي من العملات الرقمية وليس فقط البيتكوين، وذلك طبقًا لخطوة الحكومة الجزائرية في تطبيق نظام أكثر صرامة لمراقبة التعاملات الإلكترونية، من أجل الحد من استخدامها في تبييض الأموال والتهرب الضريبي وتجارة المخدرات.
“إنّ التعامل بالعملات الافتراضية يشكل انتهاكًا للأنظمة في المغرب، وسوف يتعرض متداولي هذه العملات للعقوبات والغرامات” – البنك المركزي المغربي
ورغم أن البيانات الصادرة في الجزائر تشير إلى محدودية تداول عملة بيتكوين الافتراضية، إلا أن المنع المفاجئ يكشف حجم تخوف الحكومة من تحوّل العملة المشفرة إلى ملاذ مالي مربح، في ظل ما تعيشه العملة المحلية، الدينار، من انهيارٍ في قيمتها في ظل خوف المواطنين من أن تعود الجزائر للنظام الاشتراكي المنغلق.
كما كانت حذرت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) من “عواقب سلبية” من تداول العملة الإلكترونية “، مؤكدة أن هذا النوع من العملات الافتراضية “لا يعد عملة معتمدة داخل المملكة”، ولا يخضع لرقابة الدولة داخل السعودية، إلا أنه لم يُحذر تعاملها رسميًا في المملكة وسط تحذيرات كثيرة من المؤسسات المالية السعودية.
حرم مفتي مصر تداول عملة “البيتكوين” الافتراضية معتبرا إياها وسيطا غير مقبول للتبادل وتشتمل على أضرار “الغرر والجهالة والغش الخفي”
كانت قد سبقت المغرب كل من الجزائر والسعودية في منع التعامل بالبيتكوين رسميًا، بعد أن قرر بنك المغرب ومكتب الصرف الأجنبي بيانًا أفاد فيه أن التعامل أو حيازة البيتكوين قد يعرض صاحبه للعقوبات والغرامات المالية وربما عقوبة السجن أيضًا، كما أوضح البيان أن أي استثمارات تقام بالبيتكوين لا تحصل على دعم من الحكومة وتحوم حولها الشبهات والمخاطر.
أما في مصر فقد قال الدكتور شوقي علام في بيان أصدرته دار الإفتاء في مطلع العام الجديد إن “ضرب العملة وإصدارها حق لولي الأمر أو من يقوم مقامه من المؤسسات النقدية، وإن تداول البيتكوين يعد تطاولا على ولي الأمر ومزاحمة لاختصاصاته وصلاحياته التي خصه بها الشرع، وإن شيوع هذا النظام غير المنضبط يخل بمنظومة نقل الأموال التقليدية والتعامل فيها كالبنوك ويسهل بيع الممنوعات وغسل الأموال والتهرب من الضرائب، ويؤدي لإضعاف قدرة الدول على الحفاظ على عملتها المحلية والسيطرة على حركة تداول النقد واستقرارها.
ربما يجد البعض أن الأموال النقدية قد فعلت بالضبط ما يتهم البيتكوين هؤلاء بالمساعدة على فعله، فاستطاع الناس التهرب من الضرائب وغسيل الأموال وتمويل المنظمات الإرهابية وتجارة المخدرات من خلال الأموال النقدية قبل اختراع البيتكوين بكثير، وما بين الجدل القائم حول ما إن كان للحكومات القدرة فعليًا على منع البيتكوين أم لا، تظل هذه العملة الرقمية حديث الكل حول العالم مستمرة في طريقها إما نحو نظام اقتصادي جديد أو نحو فقاعة اقتصادية جديدة.