ترجمة وتحرير نون بوست
لم يستغرب أحد من فوز “عبد الفتاح السيسي “.. خصمه “حمدين صباحي” يتميز بأنه جاء ثالثًا في سباق شارك فيه اثنين! لقد أبطل الناس أصواتهم أكثر مما صوتوا لصباحي.
ما كان مفاجئًا، هو المدى الذي ذهبت إليه الحكومة لضمان مستوى من الإقبال لئلا تُعقد مقارنات لا مفر منها مع الانتخابات الرئاسية لعام 2012، الانتخابات الرئاسية الوحيدة التي عقدت في مصر على مدار تاريخها.
اختارت لجنة الانتخابات أن تضيف العديد من البهارات للتصويت، فقالت إن الجماهير غير راغبة في التصويت بسبب سوء الأحوال الجوية، بدلاً من أن تقول إن الناس كانوا يعلمون بالنتيجة قبل أشهر من إعلانها ولذلك عزفوا عن المشاركة، لكن انتخاب الرؤساء بالتزكية لا يبدو جيدًا في ذلك العصر، وفي حالة مصر! ولذلك عرضت الحكومة عطلة رسمية ويومًا إضافيًا للتصويت، وأغلقت أحد أكبر أسواق البلاد، وكان النقل مجانيًا لمراكز الاقتراع، ثم هددت الحكومة المصريين بغرامة 500 جنيه، وهو ما يعادل أجور ستة أسابيع لأكثر من ربع السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، كما أهان مراسلو التليفزيون المصريين بدون توقف!
في جميع الأحوال، كانت هناك عدة أسباب لعدم التصويت في تلك الانتخابات، أولها هو التأكيد على اللامبالاة، فإذا أراد النظام أن يعيد عهد مبارك، فليعد الناخبون أيضًا لعهد مبارك ويمتنعون عن المشاركة، فالدولة ستقوم بالأمر وحدها، حتى من شاركوا كانوا يعلمون ذلك جيدًا، وهناك خط رفيع بين اللامبالاة واتخاذ قرار واعٍ بعدم المشاركة، فبعض المصريين كذلك قاطعوا اعتراضًا على العملية السياسية المعيبة، وفي كل الأحوال، فالمقاطعة تعكس شكلاً من أشكال خيبة الأمل من العملية الانتخابية؛ ولذلك فالقول بأن العزوف عن المشاركة هو انتصار لفصيل سياسي بعينه (الإخوان المسلمون دعوا للمقاطعة) هو حكم سابق لأوانه.
ومع ذلك، فإن صدور نتائج استطلاع مركز بيو للأبحاث يقدم بعض الرؤية للمواقف العامة التي ساعدت في تشكيل النتيجة، فقد أجرى المركز مسحًا شمل ألف شخص، ووجد بيو أن فقط 54٪ يؤيدون السيسي، رغم ما يقوله الإعلام عن شعبية العسكري الساحقة، كما أن الدراسة أكدت أن الانطباعات الإيجابية عن الجيش انخفضت بنسبة 17٪ هذا العام، وتراجعت شعبية الإخوان بنسبة 25٪ عن العام الماضي، المثير للاهتمام أن الإخوان كانوا هم الوحيدين الذين تعرضوا لحملة تشويه منظمة استهدفتهم، بل والمفاجأة أن الرئيس مرسي ما زال يُنظر إليه بشكل إيجابي من قبل 42٪ من المستطلعة آراءهم بعد أن كان قد حصل على 53٪ العام الماضي.
هناك، بطبيعة الحال، معارضة إسلامية لن تنضب في مصر، لكن نسبة المشاركة المنخفضة في التصويت، بالتزامن مع بحث مركز بيو، يمكن أن تساهم في إدراك أن الإقبال الضعيف ليس إلا مظهرًا من المعارضة المتنامية، أو ربما خيبة الأمل.
هناك عنصر أيضًا لم يحصل على الكثير من الاهتمام كما ينبغي، وهو دور النظام القديم، كانت هناك تكهنات منذ فترة من أن السيسي سيبدأ في تطوير قاعدة شعبية له، ومن المسلم به أن تأييد الجيش للسيسي سيضمن تأييد النظام القديم له كذلك، لكن صفحات التواصل الاجتماعي العربية كانت تعج بالتحليلات من أن أحد أسباب الإقبال الضعيف هو أن الأقوياء المحليين اختاروا البقاء على الهامش، إدراكًا منهم لمركزيتهم في الدولة، لم يقوموا بدورهم هذه المرة على أمل الحصول على مزيد من النفوذ في النظام الجديد من خلال إظهار أنهم يقدمون خدمات لا غنى عنها.
وكما ذكرت وكالة آسوشيتد برس، فقد أدى الإقبال الضعيف في اليوم الأول بالحكومة إلى حالة من الذعر، مما دفع الجميع للاتصال بالجميع، وبدأ الوجهاء في المحليات في طلب المساعدة من مواطنيهم، يُقال إن بعض الوجهاء من النظام القديم رفضوا التعاون، احتجاجًا على قرار المحكمة الصادر مؤخرًا والذي منع أعضاء الحزب الوطني (حزب مبارك) من الترشح في الانتخابات.
هناك آخرون بطبيعة الحال، استفادوا من الفرصة واستولوا عليها، وعلينا نحن المراقبون أن ننتظر إلى الانتخابات البرلمانية القادمة لمعرفة ما الذي وعدتهم به الحكومة بالضبط، أو ما الذي سيحصلون عليه من الرئيس العسكري، وبغض النظر عن تلك الفوائد، إلا أننا نستطيع التأكد منذ الآن بأنها لن تكون في صالح الديمقراطية أو سيادة القانون.
هناك توقعات بحدوث اتفاقات سياسية، لكن من المستحيل الطعن في الأرقام مع تعاون كل أجهزة الدولة في عملية المراقبة (أو التزوير) تلك، لكن يكفي أن نقول إن الجميع أعربوا عن شكوكهم في الارتفاع المزعوم في الإقبال في اليوم الثالث من التصويت، بما في ذلك صباحي.
هناك مفارقة أخرى هنا، اللامبالاة السياسية التي ظهرت، والتي أقلقت الحكومة المؤقتة، غالبًا ما تكون سلعة ثمينة بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية مثل النظام المصري الصاعد، فالناخبون المنصاعون غير المشاركين في العملية السياسية هو أفضل شيء من الممكن أن يحدث لنظام استبدادي أو عسكري، بشكل مثالي، هذا ما تريده تلك الحكومات، أن تضمن شيئًا من الاندماج في العملية السياسية لرفع مستوى المشاركة الشعبية، لكن ليس إلى الحد الذي يمكن الناس من الاعتقاد بأنهم يستطيعون الطعن في إحكام الديكتاتور على السلطة.
وبخصوص هذه النقطة، فإن استطلاع بيو قال إن 72٪ من المصريين غير راضين عن التوجه الذي تسير إليه البلاد، تقريبا نفس النسبة التي كانت لدى المصريين قبل أيام من الثورة والإطاحة بمبارك، لكن إذا كانت الانتفاضات العربية قد أثبتت شيئًا واحدًا، فهو أن اللامبالاة السياسية العامة ليست أمرًا مسلمًا به.
المصدر: ميدل إيست آي