يحتفل الأفارقة هذا العام 2020 بمرور 60 عامًا على نيل العديد من دول إفريقيا استقلالها السياسي وحصولها على الاعتراف الرسمي من الأمم المتحدة وذلك بعد عقود طويلة قبعتها في مستنقع الاستعمار الغاشم الذي خيم على أرجاء القارة فأعادها قرونًا طويلة للخلف.
يعد عام 1960 علامة فارقة في تاريخ القارة السمراء، حيث نال 15 بلدًا استقلاله، وفي سبتمبر من نفس العام، قُبلت 17 دولة جديدة في الأمم المتحدة، منها 16 بلدًا إفريقية، حيث اعتمدت الجمعية العامة إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وهو وثيقة تاريخية تنص على أن لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير، وأعلنت أنه ينبغي وضع نهاية سريعة وغير مشروطة للاستعمار.
تدخل دول القارة هذا العام بالعديد من الملفات والرؤى المتشابكة والمعقدة على الصُّعُد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، فيما يداعب التفاؤل التقليدي مخيلة البعض بدفع العمل الجماعي الإفريقي إلى الأمام مع انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي تحت شعار “إسكات البنادق” في أديس أبابا.
تزامن ذلك مع ارتفاع مؤشرات الأداء الاقتصادي للقارة ودولها، واحتفاء عالمي بالثقافة الإفريقية لا سيما احتفاء فرنسا بالعام 2020 كعام للثقافات الإفريقية، هذا في مقابل تصاعد معدلات القلق من مزيد من التوترات الأمنية الناجمة عن العمليات المسلحة التي تعرضت لها القارة خلال الأسابيع الأخيرة من العام 2019 في النيجر وبوركينا فاسو والصومال.
وفي الناحية الأخرى برزت على السطح ملفات حساسة للغاية، على رأسها الملف الليبي الذي يزداد يومًا بعد الآخر تعقيدًا تلو التعقيد، في ظل إصرار طرفي النزاع على المضي قدمًا في توجهاتهما دون استجابة للضغوط السياسية والدبلوماسية الممارسة، بخلاف الوضع المقلق في السودان وجنوبه، وفي وسط إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي، واحتمالية التصعيد بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية النزاع بشأن سد النهضة.
وبينما تتنوع الملفات والتحديات التي تواجه القارة، إذ بها على موعد آخر من الاستحقاقات الدستورية هذا العام، حيث من المقرر أن تشهد إفريقيا 14 عملية انتخابية، بين رئاسية وبرلمانية، وسط تباين وجهات النظر بشأن ما يمكن أن يتمخض عن هذه العمليات من تحريك للمياه في بحيرة السياسة الراكدة أم استمرار الوضع على ما هو عليه.
الانتخابات الرئاسية
تشهد القارة السمراء 7 انتخابات رئاسية بعضها ربما يعيد تشكيل الخريطة السياسية للبلدان التي ستقام بها فيما لا يغير الآخر في التشكيلة الموجودة على كرسي الحكم، البداية مع توجو التي من المفترض أن تُجرى فيها الانتخابات الرئاسية في 22 من فبراير الحاليّ.
وبحسب المفوضية الوطنية للانتخابات فإن عشرة مرشحين يتنافسون على الكرسي، يتقدمهم الرئيس التوجولي الحاليّ فور جناسينجبي الساعي إلى تمديد حكمه بعد قبوله طلب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم لخوض الانتخابات.
تولى جناسينجبي حكم البلاد منذ عام 2005 عندما توفي والده، وتشير الترجيحات إلى احتمالية فوزه بنسبة كبيرة، رغم الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد لإنهاء حُكم أسرته التي تحكم البلاد منذ عام 1967 وحتى الآن.
جدير بالذكر، أن توجو شهدت أزمة سياسية خطيرة عامي 2017 و2018 تخللتها مظاهرات للمطالبة برحيل رئيس الدولة، ولكن السلطة لم تتنازل، وفي مايو 2019، صوت النواب على مراجعة دستورية لا تسمح فقط للرئيس بترشيح نفسه لإعادة انتخابه عامي 2020 و2025 ولكن أيضًا للاستفادة من الحصانة مدى الحياة عن الأفعال المرتكبة خلال فترة الرئاسة.
وبعد الانتخابات التوجولية بثلاثة أشهر، تجرى انتخابات مماثلة في بوروندي، المقرر لها 20 من مايو القادم، فيما يتصاعد التوتر بين الحزب الحاكم وحزب المعارضة الرئيسي “المؤتمر الوطني للحرية”، بينما أعلن حزب التحالف المعارض الرئيسي أنه سيعود من المنفى في بلجيكا للمشاركة في الانتخابات لأول مرة منذ عام 2005.
وكان الرئيس البوروندي بيير نكورونزيزا قد تراجع عن قراره عدم خوض الانتخابات، وذلك بعد أن أجرى تعديلات دستورية سمحت له بالترشح حتى 2034، فيما لم يتم الكشف حتى الآن عن اسم المرشح الرئيسي للحزب الحاكم، وإن كانت تشير الترجيحات إلى دخول الرئيس الحالي ّالسباق الانتخابي مرة أخرى.
وفي شهر أكتوبر القادم تكون القارة مع موعد مع انتخابات رئاسية في عدد من البلدان، البداية في تنزانيا التي من المقرر أن تخوض الانتخابات بداية الشهر، رغم تصريحات رئيس الوزراء متيرا ليفينجستون أمام أعضاء الحزب الحاكم بأنه ليس هناك داعٍ لعقد انتخابات رئاسية مُكلِّفة هذا العام، “لأنه لا يوجد مَن يمكنهم هزيمة الرئيس جون ماجوفولي”.
ستجري الانتخابات بجمهورية إفريقيا الوسطى، وسط ظروف صعبة للغاية، حيث تشهد البلاد اضطرابات أمنية كبيرة بسبب نشاط الجماعات المتمردة وتكرار الأحداث الطائفية المسلحة بالبلاد
يذكر أن شعبية الرئيس الحاليّ تتراجع بصورة ملحوظة، على ضوء أدائه المتداعي، إلا أن الطريق لم يكن ممهدًا أمام المعارضة التي من المتوقع أن تواجه عقبات أكثر حدة في المنافسة، ففي الانتخابات المحلية التي أُجريت في نوفمبر 2019، حَجَبَت الحكومة وسائل التواصل الاجتماعي وتعرّض زعماء المعارضة للمضايقة وأُجبروا على مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها.
في نهاية الشهر، ستُجرى في كوت ديفوار الانتخابات الرئاسية، وسط ضبابية المشهد إثر قرار الرئيس الحاليّ “الحسن واتارا” البالغ من العمر 77 عامًا أنه لن يترشح مرة أخرى بعد قضائه مدتين متتاليتين حسب دستور البلاد، لكن تصريحات أخيرة له فُسّرت على أنها تراجع عن القرار.
واتارا حذر أنه حال قرر أي من الرؤساء السابقين: لوران غباغبو البالغ 74 عامًا، وهنري كونان بيدي البالغ من العمر 85 عامًا، خوض الانتخابات، فإنه سوف يترشح لولاية ثالثة، فيما تشير الأنباء إلى نية زعيم المتمردين غيوم سورو الترشح للرئاسة، لكن السلطات أصدرت مذكرة توقيف بحقه قبل شهر، وكان من المقرّر أن يعود سورو البالغ من العمر 47 عامًا إلى البلاد بعد غياب دام ستة أشهر للاستعداد لمعركة الرئاسة.
وفي 22 من نوفمبر، يتوجه البوركانيون إلى صناديق الاقتراع، فالمنافسة شرسة بين كادري ديسيري ويدراوغو رئيس الوزراء السابق، وهو اقتصادي مشهور يبلغ 66 عامًا، والرئيسَ الحاليّ روش مارك كريستيان كابوري الذي يترشّح للمرة الثانية على التوالي.
يذكر أنه منذ الانتفاضة الشعبية في 2014 ببوركينافاسو التي أطاحت بـ”بليز كومباوري”، أجريت الانتخابات الرئاسية مرة واحدة فقط، فيما تشهد البلاد أوضاعًا أمنية مضطربة في شمالها على إثر هجمات من جماعات مسلحة بها، أدت إلى مقتل المئات ونزوح عشرات الآلاف من المواطنين.
وفي الفترة بين نوفمبر وديسمبر العام من الحاليّ من المقرر أن تُجرى الانتخابات الرئاسية في غانا، تلك الانتخابات التي من المقرر أن يتنافس فيها كل من الرئيس السابق جون ماهاما البالغ 60 عامًا، مرشحًا عن حزب “المؤتمر الوطني الديمقراطي” المعارض، والرئيس الحاليّ نانا أكوفو-أدو الذي يسعى لإعادة انتخابه وهو من “الحزب الوطني الجديد”.
ورغم الاتهامات التي وجهتها التيارات المعارضة للرئيس الحاليّ، وتتعلق بالرشوة والفساد، فإنه قرر خوض الانتخابات الجديدة مدعومًا من حزبه، وسط أنباء تشير إلى تراجع فرصه في حسم الكرسي في ظل قوة منافسه زعيم حزب “المؤتمر الوطني الديمقراطي” المعارض.
وفي ديسمبر ستجري الانتخابات بجمهورية إفريقيا الوسطى، وسط ظروف صعبة للغاية، حيث تشهد البلاد اضطرابات أمنية كبيرة، بسبب نشاط الجماعات المتمردة وتكرار الأحداث الطائفية المسلحة بالبلاد، التي كان لها تداعيات كارثية على الحياة العامة، حيث تشير التوقعات الأممية إلى أن ما يقرب من 2.6 مليون شخص في إفريقيا الوسطي سيحتاجون إلى المساعدة الإنسانية هذا العام، أى أكثر من نصف إجمالي السكان، في مقابل نزوح قرابة 700 ألف شخص.
الانتخابات البرلمانية
تشهد القارة قرابة 7 انتخابات برلمانية هذا العام، البداية كانت في يناير الماضي، حيث عُقدت في جزر القمر في 19 من الشهر، لاختيار 33 عضوًا للمجلس الوطني (البرلمان) لكن لم يحصل أي مرشح على الأغلبية، لتعقد الجولة الثانية بالتزامن مع الانتخابات المحلية في 23 من فبراير الحاليّ، وسط منافسة قوية بين حزبي يوسف محمد علي ومحمد داوودو.
وفي الـ9 من فبراير الحاليّ أدلى الكاميرونيون بأصواتهم في الانتخابات التشريعية والبلدية في ظل مناخ سياسي طغت عليه ثلاثة أعوام من العنف الانفصالي بالمناطق الأنجلوفونية في البلاد، وتعد تلك الانتخابات الأولى منذ 2013، وتعاني الكاميرون من اضطرابات منذ إعلان منطقتين رئيسيتين تتحدثان الإنجليزية، وهما المنطقة الشمالية الغربية والمنطقة الجنوبية الغربية، في آواخر عام 2016 عن رغبتهما في الانفصال وتأسيس دولة جديدة تحمل اسم “آمبازونيا”.
الموعد الثالث مع التشاد، فبعد تأجيل الانتخابات قرابة 4 سنوات، أعلنت اللجنة الانتخابية إجراء الانتخابات خلال الشهور الأولى من عام 2020 دون تحديد موعد دقيق، وكان الرئيس إدريس ديبي الذي تولى السلطة منذ قرابة 30 عامًا بعد الانقلاب عام 1990، قد برر التأجيلات بالتهديد الإرهابي الذي تمثله جماعة بوكو حرام منذ 2015.
وفي مايو ويونيو القادمين، من المقرّر إجراء الانتخابات البرلمانية بإثيوبيا، تلك الانتخابات التي ستكون بالون اختبار لمدى نجاح رئيس الوزراء آبي أحمد في أجندته الإصلاحية السياسية في البلاد، فيما يخشى مراقبون من أزمات دينية تحت الرماد على إثر حوادث حرق مساجد متفرقة في البلاد، وخروج مظاهرات حاشدة من مسلمي إثيوبيا، تنديدًا بها.
وبعد تأجيل لمدة عام تقريبًا، قررت السلطات الصومالية إجراء انتخابات مجلس النواب، تلك الانتخابات التي تعد الأولى من نوعها منذ عام 1969، حيث تعتزم البلاد إجراء انتخابات عامة بأسلوب الاقتراع الشعبي المباشر “صوت واحد لكل ناخب” نهاية عام 2020، بعدما حالت قيود الحكم العسكري في عهد سياد بري (196-1991)، وانهيار الدولة – بعد سقوطه – دون إجراء انتخابات مباشرة.
يذكر أن الإدارة كانت تسند لسلطات انتقالية، وفق أسلوب المحاصصة القبلية، بعد مؤتمرات المصالحة الوطنية، أو تؤول للرؤساء بأسلوب الانتخاب غير المباشر من خلال البرلمان، في إطار صفقات سياسية، تقتسم خلالها مقاعد البرلمان ورئاسة البلاد، وفقًا لعوامل قبلية وإقليمية، وليس حسب اعتبارات الكفاءة أو المؤهلات الشخصية، لكن بعد وصوله إلى السلطة في فبراير 2017، تعهد الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو بإجراء الانتخابات بالاقتراع المباشر.
وفي نهاية العام من المتوقع إجراء انتخابات مجلس الشعب الليبيري، وسط حالة من القلق جراء ما شهدته البلاد العام الماضي من مظاهرات واسعة في شوارع العاصمة مونروفيا احتجاجًا على الفساد وتردي الوضع الاقتصادي، كما تعاني منذ سنوات من تفشي مرض الإيبولا الذي أثر على الاقتصاد بشكل كبير.
وتبقى الانتخابات التشريعية في مصر غامضة حتى كتابة هذه السطور، فبحسب اللوائح من المقرر إجراؤها في نوفمبر، غير أن رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، صرح في وقت سابق بأن المجلس الحاليّ مستمر حتى يناير 2021.
أكثر التقديرات تشاؤمًا تذهب إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء إلى 1.3%، بينما تجمع أغلب التقديرات على وصول النمو إلى 3.5%
2020.. ملفات وسيناريوهات
يشهد العام الحاليّ بعض التغيرات في الخريطة الأمنية والاقتصادية على وجه التحديد قياسًا بالمستوى السياسي، وهو ما أشار إليه الباحث محمد عبد الكريم، في مقاله الذي توقع خلاله “تصاعد حدَّة الموجات الإرهابية في إقليمي الساحل والقرن الإفريقي، وأن تمتدَّ هذه الموجات إلى دول أخرى مثل إثيوبيا التي تتصاعد فيها نُذُر أزمات دينية بعد حوادث حرق مساجد متفرقة في البلاد”.
عبد الكريم توقع كذلك تزايد التصعيد الفرنسي والإقليمي في الشِّقّ العسكري والأمني خلال العام الحاليّ، بينما ستأتي مسائل معالجة الأسباب الجذرية لنمو الإرهاب أو على الأقل تهيئة البيئات الخصبة لانتشاره في مراحل لاحقة حسب أولويات حكومات دول الساحل التي تربط سياساتها بباريس بشكل واضح، وبتفاوتات يسيرة للغاية.
أما على المستوى السياسي فمن المرجح أن تواصل أديس أبابا مساعي توغلها في العديد من الملفات المرتبطة بإقليم حوض البحر الأحمر وخليج عدن، من بينها جهود احتواء إريتريا وجيبوتي، وزيادة وتيرة التعاون العسكري والاقتصادي مع البلدين ومن ثم مع دول المنطقة بأسرها.
وعلى المستوى الاقتصادي يشير الباحث إلى توقع العديد من المؤسسات الاقتصادية الدولية تسارُع نُمُوّ الاقتصاد الإفريقي في 2020، لافتًا إلى أن أكثر التقديرات تشاؤمًا تذهب إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء إلى 1.3%، بينما تجمع أغلب التقديرات على وصول النمو إلى 3.5%.
وبعد مرور ستة عقود كاملة على الاستقلال، فإن العديد من الأسئلة لا تزال تفرض نفسها بقوة فيما يتعلق باستقلال الدولة الوطنية، والتخلص من التبعية وإرهاصات الاستعمار الجديد، والقدرة على التمتع بكامل الإرادة السياسية والاقتصادية بعيدًا عن الولوج في أي تحالفات تنتقص من سيادة البلاد وتنتهك قرارها الوطني.
ورغم حالة التشاؤم التي تخيم على البعض بشأن ما يمكن أن تتمخض عنه الانتخابات الـ14 التي من المقرر أن تشهدها القارة هذا العام، فإن آخرين يعقدون الآمال على تغييرات ديمقراطية حقيقية يمكنها أن تكون نواة لاستقلال واقعي، وتبقى الإجابات الشافية بشأن تقييم تلك الآراء واختبار فرضية صدق تحققها في انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات.