انضم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون لجوقة الواعظين والمحذرين في آن الوقت من تغلغل الجماعات المتشددة بليبيا، واستغلالها تحلل المؤسسات الأمنية بالدولة الليبية الوليدة لتوسيع مناطق نفوذها.
نقلت وكالة الأنباء الإيطالية “آكي” تحذير الممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون من تغلغل تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في ليبيا بحال لم ينطلق في القريب العاجل حوار سياسي حقيقي بين كل الاطراف هناك. مضيفا أن “ليبيا ستصبح حقلا مفتوحا لتنظيم الدولة والذي بوسعه إطلاق تهديداته من هنا في ليبيا”. وحسب المبعوث الاممي فإن “تنظيم الدولة الاسلامية موجود بالفعل في ليبيا. هناك اتصالات مستمرة وهناك جماعات من ورثة تنظيم القاعدة تتفاوض حاليا مع التنظيم” الذي يحتل أجزاء واسعة في سورية والعراق .
و نوه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بـ”عودة مقاتلين إلى ليبيا كانوا شاركوا في القتال بسورية والعراق”، وأضاف “كل ما يريدونه أن تستمر الفوضى الراهنة وعدم الرقابة السياسية لتعزيز مواقعهم وعندها سيعرفون ماذا سيفعلونه”، على حد تعبيره.
تغافل المبعوث الأممي الذي قاد حوارا بمدينة غدامس جنوب غرب ليبيا في التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي بين برلمانين مؤيدين ورافضين لانعقاد مجلس النواب الليبي بطبرق شرقي ليبيا، أخطارا أخرى لا تقل أهمية عن خطر الجماعات الإسلامية المتشددة، وهو محاولة الردة عن ثورة فبراير/شباط التي تقودها مجموعات لم يعُد يخفى على أحد تحالفها من قادة النظام السابق العسكريين والمدنيين، المطالبين بالعودة إلى ما قبل السابع عشر من فبراير/شباط، كحد أعلى، أو إلغاء قانون العزل السياسي الذي أقره المؤتمر الوطني العام في الخامس من مايو/أيار من العام الماضي، كحد أدنى للتفاوض والحوار مع مؤيدي عملية فجر ليبيا بطرابلس، ومجلس شورى الثوار ببنغازي.
لم يحذر المبعوث الأممي من مخاطر إمكانية تقسيم ليبيا عن طريق مجلس النواب المنعقد بطبرق والحكومة المنبثقة عنه واللذين يتحركان في مدن مقطعة بشرق ليبيا، خاصة بالبيضاء وطبرق، ولا يسيطران على أدنى قرار داخل الدولة رغم الاعتراف الدولي بهما.
ولم يحذر كذلك برناردينو ليون من محاولات التدخل المصري؛ الإماراتي؛ السعودي، في الشأن الليبي الذي وصل حد توجيه ضربات عسكرية لمواقع عسكرية تابعة لقوات ما يعرف بفجر ليبيا بالعاصمة الليبية طرابلس، وأخرى مدنية، وباعتراف كبار مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكية.
كذلك أهمل وأسقط ليون في محاولته لم الشمل الليبي بالحوار الذي رعته وتبنته الأمم المتحدة الأطراف الليبية الحقيقية الفاعلة على الأرض، والتي تسيطر على مساحات شاسعة، حتى ظن بعض المراقبين أن ليون يأزم أكثر مما يُصلح، فلم يدع نواب عن المؤتمر الوطني العام الخصيم الدستوري لمجلس نواب طبرق أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، ولم يتصل بممثلين عن فجر ليبيا، أو مجلس شورى الثوار، أو القوى الاجتماعية بكبريات مدن ليبيا.
ثمة اختزالين غير واقعيين يقع فيهما العقل الغربي في تعامله مع القضية الليبية، الأول ينطلق من تصوير المشهد الليبي أنه صراع مسلح بين مليشيات متصارعة على السلطة ومركز القرار السيادي والمالي، والإعراض عن حقيقة أن ما يحدث في ليبيا من صراع مسلح شاءت الظروف أن يكون هكذا هو ضمن الصراع الأكبر بين ثورة، وردة عنها.
إن الانطلاق في تقييم المشهد الليبي من قبل الساسة الدوليين والمنظمات التي تعكس سلطان الولايات المتحدة كالأمم المتحدة والناتو وصندوق النقد الدولي إضافة إلى المثقف الغربي على أن ما يحدث في ليبيا ما هو إلا تنازع بشأن السلطة وتقسيم التركة ما هو إلا فراغ معرفي وخطأ منهجي قد يقود الإصرار عليه عبر واجهات السلطان الأميركي إلى جر ليبيا إلى أزمة سياسية وأمنية (سيادية) عميقة وطويلة الأمد.
والاختزال الآخر أقرب ما يكون معرفيا وهو تنميط المشهد الليبي من أن ثمة غول اسمها الجماعات الإسلامية المتشددة تسيطر على شرق ليبيا وتسعى لمد نفوذها عبر أغلب مناطق ليبيا الثلاث، وأن ليبيا ستكون المستودع الأخير لكل متطرفي العالم بعد توجيه ضربات جوية دولية ضد تنظيم “داعش” بسوريا والعراق، والتغاضي التام عن معالجة القضايا الكبرى، وهي أن هذه الجماعات ما هي إلا نتاج عقود من الاستبداد والفقر والتضييق مارستها عليها وعلى شعوبها أنظمة لطالما حظيت بمباركة وتأييد الدول الكبرى والمؤسسات الأممية.