ترجمة: حفصة جودة
الشتاء الأوكراني سيكون قاسيًا، لكنه لن يمنع الحرب، تواجه كل من روسيا وأوكرانيا قرارات رئيسية قد تعيد تشكيل الصراع دبلوماسيًّا وعسكريًّا، وربما الاحتمالية الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة أن يكشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيرًا عن ذكائه الاستراتيجي الذي أثبته في الماضي.
يعتقد مسؤولو الولايات المتحدة أن بوتين سيدرك في وقت متأخر ما كان واضحًا للجميع ممّن هم خارج شرنقة التملق في الكرملين: تفتقر روسيا إلى الوسائل العسكرية التي تمكّنها من تحقيق أهدافها السياسية في أوكرانيا.
تطلق روسيا الصواريخ والذخيرة بشكل أسرع ممّا يمكن للصناعات الدفاعية الخاضعة للعقوبات أن تعوّض النقص، بينما تعاني قواتها للحفاظ على مكاسبها المبكّرة، ناهيك عن الاستيلاء على جميع الأراضي التي يزعم بوتين أنها تابعة لروسيا.
فشلَ تهديد بوتين بتصعيد نووي في ردع أوكرانيا عن تجاوز الخط الأحمر، فقد بدأت مؤخرًا بشنّ هجمات بالمسيّرات على قواعد جوية في عمق الأراضي الروسية، أما بالنسبة إلى القوات المسلحة الروسية التي يُقال إنه لا نهاية لها، فلا يمكن لبوتين حشد قوات إضافية زيادة عن الـ 300 ألف الذين استدعاهم مبكرًا، دون معاداة سكّانه اللامبالين حتى الآن.
تستخدم روسيا صورايخ ومسيّرات ومدفعية ضد شبكة الكهرباء الأوكرانية وغيرها من البنية التحتية الرئيسية لزيادة معاناة السكان.
المشكلة ليست جديدة، لكن رغبة بوتين في الاعتراف بها (ولو بشكل غير مباشر) تتمثل في اعترافه الأسبوع الماضي علنًا أن النصر بعيد المنال، لذا أفضل استراتيجية لبوتين الآن ستكون قاسية، وهي تسليح الشتاء.
تستخدم روسيا صورايخ ومسيّرات ومدفعية ضد شبكة الكهرباء الأوكرانية وغيرها من البنية التحتية الرئيسية لزيادة معاناة السكان، وعقب انسحابها من خيرسون قررت القوات الروسية اتخاذ وضع الدفاع في محاولة لحماية خطوطها، ودمج الأفراد الذين حشدتهم مؤخرًا وتوفير الوقت حتى الربيع (أما البديل سيكون هجومًا قاسيًا حول باخموت يمنح بوتين نصرًا رمزيًّا).
إذا تمكّنت روسيا من إطالة الصراع خلال الشتاء مع زيادة الوضع سوءًا لأوكرانيا المنكوبة قدر الإمكان، ولأوروبا التي تعاني من نقص الطاقة وواشنطن المشتّتة، فربما تنكسر حينها كييف والغرب.
سيكون من الصعب تنفيذ هذه الاستراتيجية بالنسبة إلى الروس، فالبلد التي تشتهر بالازدهار في الشتاء يُقال إنها تعاني من نقص الملابس الدافئة والطعام اللازم لنجاة قواتها في الأشهر القادمة، لكنه ليس خيارًا مجنونًا نظرًا إلى افتقار بوتين لخيارات أفضل وبعض الإشارات المتناثرة حول نقص مساعدات الغرب.
يرى كبير المسؤولين العسكريين في أمريكا، الجنرال مارك ميلي، أنه يجب على أوكرانيا البدء في المفاوضات قبل أن ينتهي بها الأمر في مستنقع شبيه بالحرب العالمية الأولى.
السبب الذي يدفع الرئيس الأمريكي جو بايدن للحصول على حزمة مساعدات ضخمة لأوكرانيا الآن، هو عدم تيقّنه من حجم المساعدات التي قد يقدمها مجلس الشيوخ ذو الأغلبية الجمهورية في عام 2023، ولذا تشير التقارير إلى أن الإدارة الأمريكية ستزوّد كييف ببطاريات صواريخ الدفاع “باتريوت”.
يأتي الشتاء محمَّلًا بخيارات صعبة لأوكرانيا كذلك، فقد تعبت قواتها من القتال الشديد، ومن وجهة نظر عسكرية خالصة؛ فتوقُّف العمليات أمر منطقي، لكن من وجهة النظر السياسية والدبلوماسية فالانتظار قد يكون أكثر خطورة.
يشعر الرئيس الأوكراني، فولديمير زيلنسكي، بالقلق من أن ظهور مأزق الشتاء قد يزيد من تردد الغرب، فالإشارات القادمة من واشنطن ليست مطمئنة: في الأسبوع الماضي أشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى أن أولوية الولايات المتحدة مساعدة أوكرانيا في استعادة الأراضي التي سيطرت عليها في 24 فبراير/ شباط (يوم الغزو)، بينما تؤجَّل القرارات بشأن شبه جزيرة القرم والأراضي الأخرى التي فقدتها عام 2014 إلى وقت لاحق.
يرى كبير المسؤولين العسكريين في أمريكا، الجنرال مارك ميلي، أنه يجب على أوكرانيا البدء في المفاوضات قبل أن ينتهي بها الأمر في مستنقع شبيه بالحرب العالمية الأولى، لكن زيلنسكي قد يخشى من المخاطر السياسية المحلية إذا ارتاحت القوات الأوكرانية بينما يتعرّض السكان للعقاب.
بوتين المغرور لا يفهم الفجوة بين أهدافه وموارده، ولا يتخذ الخطوة الدبلوماسية التي تضع خصومه في موقف خاطئ.
يعدّ الشتاء وقتًا مناسبًا للهجوم، فعندما تتجمّد الأرض يمكن للشاحنات والدبابات التحرك بعيدًا عن الطرق الرئيسية، وربما يحاول زيلنسكي شنّ هجوم آخر، هناك خيار قد يشكّل طعنة في منطقة زابوريزهيا جنوب شرق البلاد لقطع روسيا عن جسرها البرّي نحو جزيرة القرم، واحتجاز جيب آخر من القوات الروسية، وإثبات أن المزيد من المساعدات الغربية ستقدم المزيد من النصر لأوكرانيا.
لكنه قرار صعب، فعلى كييف أن توازن بين مخاطر الراحة ومخاطر الهجوم الفاشل، وستكون معضلة أوكرانيا أشد إذا انتهز بوتين المبادرة الدبلوماسية بعرض اقتراح وقف إطلاق النار قبل الربيع.
لكن لا شيء صادق يتعلق ببوتين، فوقف إطلاق النار قد يكون ببساطة طريقة لتخفيف الضغط عن الجيش الروسي والسماح لصناعة السلاح في البلاد للتمكن من تلبية متطلبات الحرب، وتمكين موسكو من تجديد اعتداءاتها عندما يكون الوقت مناسبًا، سترفض أوكرانيا -وهذا حقها- أي عرض يجمّد المكاسب الروسية الحالية.
إلا أن مسؤولي الولايات المتحدة يخشون من أن هذه المناورة قد تغير اللعبة الدبلوماسية، وذلك بإطلاق معركة علاقات عامة عالمية حول مَن المسؤول عن إطالة أمد القتال، وربما تقدم مدافعين موسميين عن تسوية دبلوماسية مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث يتوافر الآن ما كانوا يفتقرون إليه سابقًا: أي مظهر من مظاهر التعاون من قِبل الكرملين.
قد يبدو وقع هذه الجملة غريبًا، لكن أوكرانيا والولايات المتحدة محظوظتان بخصمهما، فبوتين المغرور لا يفهم الفجوة بين أهدافه وموارده، ولا يتخذ الخطوة الدبلوماسية التي تضع خصومه في موقف خاطئ، إذا تغيرت هذه الفعالية فستكون الحرب مختلفة تمامًا.
المصدر: بلومبيرغ