باتت الجمعيات الحقوقية في مصر بالمئات، من بينها عشرات الجمعيات المعنية بحقوق المرأة، تتمثل نشاطات أغلب تلك الجمعيات في المؤتمرات التي تحضرها سيدات الأعمال وزوجات رجال الدولة وأصحاب المناصب السياسية، ذلك يعد نوعًا من الرفاهية الخاصة بتلك الطبقة واستدعاء دور اجتماعي قد يكون للتنابذ لا أكثر، رغم أن ميزانيات تلك الجمعيات تتجاوز مليارات الجنيهات سنويًا، سواء كانت بدعمٍ رسمي من الدولة تخصص في الموازنة العامة للدولة أو من خلال التبرعات الطائلة.
فبحسب إحصاءات، تتجاوز على سبيل المثال ميزانية المجلس القومي لحقوق المرأة المدعوم من ميزانية الدولة بمبلغ مالي يصل إلى الـ 30 مليون جنيه سنويًا، المجلس الذي ارتبط اسمه باسم سوزان مبارك وصديقاتها التي كانت تشرف السيدة الأولى بنفسها على تعينهن، فيما تقدر ميزانية المجلس القومي للأمومة والطفولة بنحو الـ 80 مليون جنيه سنويًا، تلك الأرقام التي أصدرتها إحصاءات رسمية ربما ما ينفق في الحقيقة قد يتجاوز تلك الأرقام ليصل إلى أرقام فلكية، إذ تنفق تلك الأموال على نشاطاتٍ للوجاهة لا أكثر فلا تمُس المرأة المصرية بشكلٍ عملي اللهم إلا التغني باسمها في المؤتمرات التي تقام في فنادق القاهرة الفاخرة.
صَنفت الجمعيات المعنية بحقوق المرأة، أو كما تتدعي، حقوق كل امرأة في مصر حسب هويتها وانتمائها السياسي والفكري، فكثيرًا ما تُردد شعارات تحرير المرأة وتنميتها والنهوض بها وتمكينها في أداء أدوارٍ سياسية واجتماعية، لتسقط تلك الشعارات وأصحابها من نشطاء هذا التيار والعاملين في الجمعيات النسائية، في أول اختبارٍ حقيقي لتلك الشعارات، بعد تجاهل أغلب أو يمكننا أن نقول كل تلك الجمعيات للانتهاكات التي تتعرض لها نساء وبنات التيار الإسلامي وغيرهن من المعارضات للنظام في ظل الحكم العسكري.
تتفرغ تلك الجمعيات لتبني الدعوات المثيرة للجدل فحسب، كتبني عدد من الجمعيات دعوة الكاتب الصحفي شريف الشوباشي، للفتيات بخلع الحجاب في ميدان التحرير، مدعيًا أن الدعوة تأتي من أجل تصحيح المفاهيم الوافدة من الحركات الوهابية، ومن ضمن الجمعيات النسائية التي تبنت تلك الدعوة الاتحاد العام لنساء مصر الذي رحب بها، وذلك على لسان رئيسته هدى بدران، والتي أبدت في تصريحاتها معاداتها وكرهها لفصيل سياسي بعينه، ليبدوا جليًا أن نشاط تلك الجمعيات يقتصر على فئة دون آخرى.
كما وصل الفراغ ببعض تلك الجمعيات لإقامة الوقفات للحيوانات للمطالبة بحقوق الحيوان ووقف العنف الممارس بحق الحيوانات، متناسين تمامًا حقوق الإنسان المهدرة في ظل الحكم العسكري، فواقعة قتل كلب الهرم ليست ببعيدة، والتي انتفضت على إثرها عدد من تلك الجمعيات الحقوقية ونشطائها لإقامة الوقفات التي تطالب بإعدام قاتلي الكلب، مؤكدين في دعواتهم أن صمتهم عن قتل الكلب ربما يودي بحياة إنسان فيما بعد، متجاهلين الآلاف الذين وقعوا قتلى على يد رجال الشرطة المصرية من بينهم مئات النساء والفتيات.
يبدو أن جمعيات حقوق المرأة والتي صدعت الرؤوس بشعارات فارغة لا تمت للواقع بشيء، لم يكفيها اعتقال ما يزيد عن 3000 سيدة وفتاة منذ انقلاب الثالث من يوليو، أو قتل نحو 90 امرأة برصاص رجال الشرطة والجيش، واغتصاب قرابة الـ 50 فتاة من قِبل عناصر الشرطة المصرية، أو إحالة 20 سيدة للمحاكمات العسكرية، أو حكم المؤبد بحق سيدتين، والإعدام بحق أخرى، أو صدور أحكام بمئات السنين تقضيها الفتيات والنساء في السجون، أو استمرار حبس ما يزيد عن 50 فتاة، تجاوز بعضهن العام في الحبس، لتطالب بحقوقهن التي طالما رددوها في شعارات مفرغة من الواقعية أو ربما هذا الأمر يتطلب مجهودًا أكثر من إقامة الندوات والمؤتمرات والحفلات حيث التقاط الصور وإلقاء التصريحات الصحفية والعزف على نغمة حقوق المرأة التي أصبحت سلعة مملة.
ولم تلتفت تلك الجمعيات لتنادي بحق المعتقلة “سامية شنن” في الحياة، والتي حكم عليها بالإعدام في مطلع ديسمبر من العام الماضي، تم تأكيده في فبراير من العام الجاري على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بـ”أحداث كرداسة”، لاتهامها باقتحام مركز شرطة كرداسة، والشروع في القتل، وسحل مأمور المركز، وحيازة أسلحة وملوتوف، والتي لم تر ناشطات مجال حقوق المرأة أنها تهمًا بالتأكيد لا تستطيع فعلها إلا المرأة الخارقة، كما أن سيدات المجتمع لم يبالين بما تعرضت له تلك المرأة من التعذيب في معسكر الأمن المركزي بالكيلو 10.5، والإهانة اللفظية والجسدية، والتعليق على الحائط، والصعق بالكهرباء، لإجبارها على التصوير معترفةً بتلك التهم الملفقة، أو تعرضها للتعذيب والانتهاكات في سجن القناطر على يد السجانات وقوات فض الشغب والجنائيات.
كما أننا لم نسمع صوتًا للناشطات للشجب أو الإدانة على سبيل المثال لحكم السجن المؤبد بحق المعتقلتين “رشا وهند منير” والذي صدر في أغسطس من العام الماضي بعد اتهامهن بحيازة طلقات خرطوش ورشاش، وحيازة منشورات، والتي لم تحرز أساسًا لهن أو توجد معهن أثناء اعتقالهن في 16 من أغسطس من العام 2013 من كمين في حدائق القبة في أحداث رمسيس الثانية، كما لم نسمع تنديدًا بما تعرضت له المعتقلتان على مدار قرابة العامين من الاعتقال سواء بالضرب والسب والتهديد بالاغتصاب في قسم شرطة حدايق القبة أو سجن القناطر الذي أدى إلى كسور وكدمات بأجسادهن التي أعياها الإضراب الذي بدأنه عقب صدور الحكم بيومين.
ولم يوجع قلوب الناشطات الحقوقيات كما أوجع قلوبهن مقتل كلب الهرم، مثلًا تهديد رجال الشرطة لـ “هند منير” بأن يقوموا بتعذيب شقيقتها إذا تأوهت هي من كثرة التعذيب، حيث كانت تتلقى نصيب أختها من التعذيب خشية موتها بسبب مرضها بالقلب، ولم يبالين بوفاة زوج المعتقلة “رشا منير” في طابور الزيارة لها في سجن القناطر في الخامس من أبريل من العام الماضي، كل ذلك لا يستدعي أي معان لاضطهاد المرأة أو تلك الشعارات الحنجورية المطلقة في كل كمان.
ولم نر كذلك المؤتمرات والوقفات التي تقام لتطالب بحق الطالبة “ندى أشرف” التي اُغتصبت لمجرد دفاعها عن زميلة لها في جامعة الأزهر كان رجال الشرطة يتحرشون بها أثناء اعتقالها، والتي بكلمتها اعتقلت بدلًا عن زميلتها، لتتعرض هي للتحرش والاغتصاب والضرب من قِبل 3 رجال شرطة بينهم ضابط داخل مدرعة في جامعة الأزهر بنات فرع مدينة نصر، وخرجت الفتاة لتروي تفاصيل مروعة لتلك الواقعة، التي تقريبًا لم يسمع بها هؤلاء الناشطات في المجال الحقوقي أو ربما سمعن ولكنهن آثرن الصمت المريح للسلطة التي تشجعهم على القيام بحملات من أجل حقوق مرأتهم.
كما لم تهتم هؤلاء النشاطات لوجود الثعابين والحشرات في زنازين المعتقلات السياسيات بسجن القناطر، والتي ظلت قرابة الشهر داخل السجن، أو تعرض كافة المعتقلات السياسات للتعذيب على يد قوات فض الشغب والسجانات في الـ 10 يونيو من العام الماضي، أو الانتهاكات العديدة التي تتعرض لها زوجات وبنات المعتقلين في الزيارات سواء كانت بالتحرش الواضح في التفتيش أو بالتعنت في استخراج تصاريح الزيارة، وربما تصل إلى إيذاء لفظي أو الضرب، وربما الاعتقال لهوى ضباط الشرطة في القسم أو السجن، فطالما هؤلاء ليسوا من بني جلدتنا فهن نساء مستباحات.
جمعيات حقوق المرأة لا ترى أي غضاضة في الانتهاكات اللفظية والبدنية التي تتعرض لها النساء والفتيات داخل منازلهن أثناء الحملات الأمنية التي تداهم منازلهم لغرض الاعتقالات وغيرها، أو حرمان مئات الطالبات من استكمال دراستهن جراء فصلهن أو مطاردتهن السياسية بسبب الرأي التي تحول بينهن وبين الدخول للجامعة، وكذلك اقتحام مبانٍ جامعية للطالبات عشرات المرات واعتقالهن من داخل كلياتهن، فكل ذلك ليس من الأهمية كي يناقش في أروقتهم الفاخرة بقدر أهمية دعوات خلع الحجاب.
ظاهرة نشطاء النسوية والعاملين في المؤسسات التي تروج لهم والجمعيات الحقوقية المعنية بالمرأة في مصر صموا الآذان وغضوا الطرف عن كل هذه الجرائم الوحشية التي تتعرض لها الناشطات من النساء والفتيات المعارضات للسلطة والمقربات منهن، فالمرأة ليس لها حق إلا إذا كانت ضمن بوطقتهم النسوية التي تدّعي التحرر، فالمعتقلة من أجل رأيها لن يتم الدفاع عنها من قبلهم لأن رأيها لا يخصهم وغير نابع من جلدتهم، تلك الظواهر لا تهتم بحق من حقوق المرأة المصرية كما يدعون بل بحقوق امرأة هم فقط من يمثلونها ولا يعرفون سواها، إنها حقوق نسائهم لا نساء المصريين.