تتعالى صيحات اللوم للأحزاب والجماعات التي تُصنف نفسها تحت قبة المقاومة يوما بعد يوم، سواء بسبب سياستها اتجاه ملف المصالحة داخليا ، أو بسبب علاقاتها وسياساتها مع الأقليم ، أما الملف الأبرز للحكم عليها فهو من خلال اثبات نفسها على الأرض من خلال الالتزام بما تعد نفسها والناس وعدوها به.
هذا من ناحية الأحزاب مفهوم معلوم، فخطها السياسي والمقاوم بات معروفا مكشوفا ولا يحتاج لكثير تأمل لمعرفة متى تتحرك هذه الفصائل، وما قدرتها وما حدود فعلها، لكن ماذا عن الكتلة الشبابية التي تشتهر بسلاح النقد؟ ولديها قدرة عالية على التحليل وصنع المفارقات بين الصواب والخطأ، بين فن الممكن والمستحيل، لماذا لا نسمع عنهم– غالبا- إلا في نقد تلك المجموعات والفصائل! هل لأنها لا تملك إلا هذا الخيار أم لأنها نصبت نفسها حاكما على أعمال الاخرين دون نفسها؟
إن ما يطلق عليه الجيل الشبابي اليوم أمام تحدي صعب، فهو يرفض الأنماط الفكرية والأيدلوجية للأحزاب، وليس يلام على ذلك لكن ماذا عن البديل؟ ماذا عن صنع الفارق؟ ماذا عن قضيته؟ أليس مسئولا عنها تماما كتلك القوى التي ينتقدها ويحمّلها مسؤولية فلسطين؟
أننا أمام تشكل حالة نقدية للقديم ، تزداد يوميا خاصة مع الأحداث، وليس آخرها قضية تبني شهيد المغارة محمد عاصي من قبل فصيلين وتنازعهم عليه شهيدا! ومرّة أخرى يقف هذا الجيل الشبابي موقف الناقد والمراقب عن بعد للأمور. لكن إلا متى سيبقى هذا الجيل الشبابي الجديد ناقدا لأفعال الآخرين دون أن تكون له كلمة في القضية؟ متى سيقرر أن يُنشئ حالة جديدة تصنع الفارق؟ إنها المهمة الحقيقية والتي قد يكون النقد المجرد هو الوسيلة المناسبة لهذا الجيل في حال قرر أن يهرب من دوره الحقيقي اتجاه فلسطين.
إننا مع النقد، ولكننا لسنا مع الوقوف عنده ليكون هو المهمة الأساسية للجيل الشبابي الغير مُحزّب. إن النقد حلقة من حلقات التغيير، وهو الحلقة الأساسية في بناء منظومة أفكار ورؤى وتصورات جديدة ، ولكنها حلقة تحتاج لقوى دفع تترجم هذه الأفكار والتصورات الجديدة على الأرض ، تفرض نفسها على الواقع فرضا ولا تستأذن أحد ، لا تخاف من اللوم والنقد لأنها تؤمن أن نقدها هو صمام أن تكون للصواب أقرب .
لكل من يعد نفسه من هذا الجيل الشبابي الواعد، ولن يسلم الراية للجيل الذي يليه متعللا بصعوبات الواقع وضغطه، إننا أمام مهمة صعبة ، تشكّل حلقة النقد فيها جزءا مهما، لكنها تحتاج لاستكمال بقية الحلقات ، فإذا كانت الأحزاب اليوم تدعي المصالحة وتعمل بعكس ما تقول، فما بال التجمعات الشبابية اليوم تفتقد للروح الوطنية الجامعة في مشاريعها ؟ ولإن كانت الأحزاب ترهقها البنى التنظيمية في اتخاذا القرار ، فأين آلية اتخاذ القرار المرنة لدى القوى المجتمعية؟ ولإن كانت الأحزاب لا تعبئ بتطلعات الشارع فأين التواصل مع الجماهير لخلق حالة موازية أكثر قربا لهموم الناس وتطلعاتهم.
نقدك للآخرين يجعل من مهمتك أصعب، فأنت المطالب بإيجاد البديل أو إصلاح ما هو قائم، وإلا فإن النقد لوحده هو المخدر الجديد للهروب من مسؤوليتنا اتجاه عمل حقيقي للقضية.
وأخيرا النقد لتفكيك ما هو قائم يحتاج لأذكياء ، أما إيجاد حالة جديدة فتحتاج لمبدعين ..الذين يؤمنون بأن كل عملية تفكيك بالضرورة تحتاج لإيجاد عملية تركيب جديدة قادرة على تجاوز الحالة القديمة وإشكالاتها.