انتهت مساء أمس الثلاثاء جولة المفاوضات بين الفرقاء الليبيين دون صدور بيان ختامي يوضح ما اتفق عليه المجتمعون خلال اجتماعاتهم، حيث اكتفى المبعوث الأممي في ليبيا مارتن كوبلر، بعقد مؤتمر صحافي قال فيه إن التحدي الذي يواجه الليبيون اليوم هو تشكيل حكومة تحظى بدعم مجلس النواب، متجنبًا إعلان فشل هذه الجولة الثانية من الحوار الليبي المنعقد في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس.
تعليق المفاوضات إلى أجل غير معلوم
بعد يومين من التفاوض بينهما أعلن وفد مجلس النواب الليبي تعليق جلسات الحوار مع المجلس الأعلى للدولة المنعقد في تونس، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على خلفية طلب مجلس النواب منحه صلاحية الموافقة على الحكومة المقبلة ومنحها الثقة، وهو ما يرفضه المجلس الأعلى للدولة، وبعد يومين من الحوار في تونس لم يتوصل وفدا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى أرضية توافقية على قضايا جوهرية بينها تشكيل الحكومة ومنحها الثقة وصلاحيات المجلس الرئاسي وآليات اختياره، علاوة على صفة القائد الأعلى للجيش، والمادة الثامنة من الاتفاق السياسي بالصخيرات، الذي لم يحظ سوى بدعم محدود على أرض الواقع، كما لم تقره الفصائل المسلحة والمتحالفة مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يسيطر على شرقي ليبيا.
أكد وفد المجلس الأعلى للدولة أنه لم يُطالب بأي تعديلات، وأن مجلس النواب هو الجهة التي رفضت التعاطي مع الاتفاق السياسي
ودفعت الخلافات مجلس النواب للمطالبة بتعليق جلسات المفاوضات بسبب تباين مواقفه مع وفد المجلس الأعلى للدولة بشأن صلاحيات المجلس الرئاسي، الذي يطالب بضرورة منحه صلاحية الموافقة على تشكيلة الحكومة المقبلة قبيل إحالتها إلى مجلس النواب ليمنحها الثقة بعد الموافقة عليها، وعقب الانسحاب صرح عضو من لجنة الحوار المنبثقة عن مجلس النواب المنعقد في طبرق عبد السلام نصية، أن قرار الانسحاب جاء على خلفية عدم الاتفاق بشأن آلية اعتماد حكومة الوفاق الوطني ونسبة التزكية المطلوبة من المجلسين للقوائم المغلقة المرشحة للمجلس الرئاسي.
في مقابل ذلك، أكد وفد المجلس الأعلى للدولة في بيان “لم نطالب بأي تعديلات أساسًا، ومجلس النواب هو الجهة التي رفضت التعاطي مع الاتفاق السياسي وألحت في الطلب على تعديله، الأمر الذي يتعين معه في هذه الحالة أن يقدم مجلس النواب صيغًا مكتوبة للمواد المعترض عليها، ونحن على أتم الاستعداد للتعاطي معها بإيجابية وتحديد ما يمكن قبوله بشأنها”.
هذا وقدمت البعثة الأممية للدعم في ليبيا مقترحًا يتضمن تقديم المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب قائمة مغلقة بها 4 مرشحين، 3 منهم للمجلس الرئاسي والرابع لرئاسة حكومة الوفاق، وأكد مقترح البعثة على ضرورة حصول كل قائمة على تزكية عدد لم يحدد بعد من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، على أن تفرز في خلال أسبوعين لجنة مشكلة من المجلسين القوائم المرشحة، ولم تحدد البعثة في مقترحها كيفية وآلية اختيار القائمة الفائزة والتي تتضمن 3 أعضاء للمجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوفاق الوطني، إلا أنها شرحت في حالة عدم حصول قائمة مغلقة على النسبة المطلوبة فإن السباق الانتخابي يكون بين القائمتين المتحصلتين على أعلى الأصوات في الجولة الأولى.
نقاط خلافية
ويتمحور الخلاف بين الأطراف الليبية المجتمعة في تونس خصوصًا بشأن المادة الثامنة من الاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية والتي تمنح حكومة الوفاق الوطني سلطة تعيين قائد القوات المسلحة، وكان مجلس النواب قد عدل في جلسته الأسبوع الماضي بالإجماع المادة الثامنة، بحيث تؤول المهام المتعلقة بالمناصب العسكرية والأمنية للمجلس الرئاسي بإجماع أعضائه الـ3، وبمصادقة مجلس النواب.
رفض المجلس الأعلى للدولة ما اتفق عليه البرلمان في طبرق من ضرورة مصادقته على قرارات المجلس الرئاسي، المتعلقة بالمناصب المدنية والعسكرية والأمنية
واتفق المجلس النواب، في جلساته التي عقدت في مدينة طبرق، على أن يتكون المجلس الرئاسي من رئيس ونائبين، ويكون رئيس حكومة الوفاق الوطني منفصلًا عن المجلس الرئاسي، واشترط البرلمان اعتماد حكومة الوفاق الوطني من قبله، والمصادقة عليها، كما اتفق أيضًا على صياغات عدة بشأن آلية اختيار واختصاصات السلطة التنفيذية الواردة في الاتفاق السياسي، إضافة إلى توسعة المجلس الأعلى للدولة بإضافة 94 عضوًا من المؤتمر الوطني العام السابق.
في مقابل ذلك يرفض المجلس الأعلى للدولة ما اتفق عليه البرلمان في طبرق من ضرورة مصادقته على قرارات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، المتعلقة بالمناصب المدنية والعسكرية والأمنية العليا في الدولة، مؤكدًا أن من شأن رهن تكليف كبار مسؤولي الدولة سواء في الأجهزة المدنية أو العسكرية والأمنية بالتجاذبات والتقلبات داخل البرلمان، تعطيل سير دواليب الدولة، وإخضاع هذه المناصب العليا للصراعات الجهوية والقبلية.
مفاوضات عسيرة بين الطرفين
ويقترح الأعلى للدولة “الأغلبية البسيطة” طريقة لاختيار رئيس الوزراء، في جلسة منفردة للبرلمان والأعلى للدولة، بشرط أن يختار المجلس الرئاسي رئيس الحكومة الذي يقدم حكومته للرئاسي للمصادقة عليها واعتمادها، ويبرر المجلس الأعلى للدولة إصراره على اعتماد الحكومة من المجلس الرئاسي، أن مجلس النواب سبق وأن رفض حكومتين قدمهما رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، محتجًا أن ذلك يعطل سير عمل الحكومة في ظرف اقتصادي وأمني متدهور. إلى جانب ذلك يطالب المجلس مقابل توسعته وضم أعضاء من المؤتمر الوطني العام السابق، منحه مزيد من الصلاحيات وإعادة انتخاب رئاسة مجلس النواب ومراجعة القوانين والقرارات الصادرة عن البرلمان منذ الانقسام السياسي، والعمل على إعادة النواب المقاطعين لمجلس النواب.
خارطة طريق
قبل بدأ هذا الحوار قدم المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة في سبتمبر/أيلول الماضي خريطة طريق على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تتألف من 3 مراحل، من المفترض أن تنتهي الأولى والثانية منها خلال عام وفق جدول زمني أممي، وتنص المرحلة الأولى على تعديل اتفاق الصخيرات، قبل أن تبدأ المرحلة الثانية وهي عقد مؤتمر وطني لفتح الباب أمام من تم استبعادهم من جولات الحوار السابقة ومن أحجموا عن المشاركة في العملية السياسية، أما المرحلة الثالثة والأخيرة من الخارطة الأممية فتشمل إجراء استفتاء لاعتماد دستور ثم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في إطار هذا الدستور.
غسان سلامة يشارك في المفاوضات
وكان الفرقاء السياسيون الليبيون قد وقعوا، ديسمبر الماضي، في مدينة الصخيرات المغربية على اتفاق يقضي بتشكيل حكومة وفاق وطني، لكن هذه الحكومة ظلت معلقة بعد أن رفض مجلس النواب عقد جلسة للتصويت على منحها الثقة وإجراء التعديل الدستوري لإدخال الاتفاق السياسي حيز التنفيذ، ويطالب عدد من النواب المعرقلين لعقد الجلسة بضرورة إسقاط المادة الثامنة من الاتفاق السياسي التي تنص على انتقال المناصب السيادية والعسكرية في البلاد إلى سلطة المجلس الرئاسي المنبثق عن اتفاق الصخيرات، ليتولى فيما بعد توزيع هذه المناصب بما فيها منصب القائد العام للجيش الذي يتولاه حاليًا الفريق أول خليفة حفتر، الأمر الذي يرفضه أنصاره داخل مجلس النواب ويعتبرونه خطوة نحو إقصاء الرجل من المشهد العسكري المقبل.