رغم إعلان الحكومة المصرية في الخامس والعشرين من ديسمبر2013 جماعة الإخوان المسلمين “تنظيمًا إرهابيًا” ، وقرارها بحظر أنشطتها، وتجريم عضويتها، وعدم السماح لها بالتظاهر باعتبارها تنظيما ارهابيا بكل ما يترتب على ذلك من آثار أهمها توقيع العقوبات المقررة قانونا لجريمة الإرهاب على كل من يشترك في نشاط الجماعة أو التنظيم أو يروج لها بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة أخرى، وكل من يمول أنشطتها” بما يعني إقصاءها التام عن المجال السياسي إلا أن قرار محكمة القضاء الإداري في الثاني عشر من يناير 2014 ببطلان قرار جامعة الأزهر بفصل 14 طالبة بتهمة انتمائهن للجماعة يشير إلى حاة التخبط التي تحيط بالقرار ” السياسي” وإمكانية تنفيذه قانونيا وهو مادفع المستشار محمود فوزي المتحدث الرسمي باسم وزارة العدالة الانتقالية لقول بأن «الإعلان الحكومي سياسي ولا يرتب وضعا قانونيا جديدا لأعضاء الإخوان. ويستدعي ذلك التخبط العديد من الأسئلة حول هذا القرار وأثيراته على الجماعة.
بداية .. هذا القرار إمتدادا لحالة المواجهة “السياسية” من قبل النظام للجماعة حيث بدأ سياسية الحظر القانوني والتجفيف المالي لها وذلك بحظر أنشطتها ، وأي مؤسسة متفرعة منها أو تابعة لها، وأي منشأة تم تأسيسها بأموالها أو تتلقى منها دعما ماليا أو أي نوع من الدعم.كذلك حظر أي جمعية تتلقى التبرعات إذا كان بين أعضائها أحد المنتمين إلى الجماعة أو الجمعية أو التنظيم. وتبعه إعداد مساعد وزير العدل لـ 72 كشفاً تضم أسماء 1055 جمعية مطلوب تجميد أموالها لارتباطها بشكل أو بآخر بالإخوان، وهى القائمة التى تم إخطار البنك المركزي المصري بتجميد حساباتها. ثم أتت محاولة المواجهة المجتمعية الشاملة لها خاصة عقب تفجير سيارة مفخخة استهدفت مبنى مديرية أمن الدقهلية، مما أدى لمقتل 16 شخصا بينهم 12 من رجال الشرطة، وإصابة 130 أخرين، وتدمير الواجهة اليمنى لمديرية الأمن وعدد من المباني المجاورة حيث خرجت التصريحات استباقا للتحقيقات تدين الجريمة البشعة التي ارتكبتها جماعة “الإخوان المسلمين” ليأت القرار الحكومي بحظر الجماعة على الرغم من إعلان جماعة “أنصار بيت المقدس” مسؤوليتها عن الحادث ، وبذلك تصبح الجماعة في وعي المجتمع هي المتهم الرئيس في كل جرائم العنف التي تحدث في الشارع سواء بالتخطيط أو التنفيذ أو الاستفادة.
حيث نجد أن التسويق الإعلامي والسياسي الدائر حاليًا يدور حول تأكيد أمر وحيد وهو أن الإخوان المسلمين وأنصار بيت المقدس وجهان لعملة واحدة حيث أن الأخيرة جماعة وهمية لا وجود لها على الإطلاق، أو أنها مجرد حيلة إخوانية، لإظهار الجماعة بريئة من أعمال العنف والإرهاب التى يقف وراء تنفيذها الجناح العسكرى للإخوان، ومليشيات خيرت الشاطر والتي تشهدها مصر منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة. كما سلكت بعض القوى الإسلامية في هذا الاتجاه ، فعلي سبيل المثال قال ﻳﻮﻧﺲ ﻣﺨﻴﻮﻥ ﺭﺋﻴﺲ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻨﻮﺭ في ﺗﺼﺮﻳﺤﺎﺕ له أن “ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺇﺭﻫﺎﺑﻴﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﻠﻚ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﺗﺴﺘﺤﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ، وﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﻳﺤﻜﻤﻮﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺸﺮﻉ ﻟﻤﺎ ﺻﺪﺭﺕ ﻋﻨﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ، وأن ﻫﻨﺎﻙ ﺭﺑﻂ ﻭﺗﻮﺍﻓﻖ ﻭﺗﻨﺎﻏﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮﻳﻦ ﻭﻓﻴﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺘﻔﺠﻴﺮﺍﺕ!
تأكيد فكرة الارتباط بين الجماعة وجماعات العنف أمر يحتاج لبعض التفصيل والتفرقة واجبة ما بين المسئولية السياسية وبين المسئولية التنظيمية. أما المسئولية السياسية للإخوان المسلمين عن جماعات العنف وتصرفاتها فهي حاضرة وبقوة فخطاب الاستنكار والرفض الذي تقدمه الجماعة عقب كل حادث عنف لن بعفيها من المسئولية عن هذه الأحداث ففارق كبير بين الرفض والاستنكار وبين التبرؤ من هذه الأحداث !. حيث نجد مواقفها العملية تؤكد رضاءها “السياسي” عن هذه التيارات وتصرفات رموزها في عدة مواقف منها ولم نجد أي اعتذار عنها ومن ذلك:
– تهديدات بعض الإسلاميين باستخدام العنف والسيارات المفخخة خلال اعتصام رابعة، ولم تتبرأ الجماعة من تصريحاتهم كما لم تأخذ موقفا من تصريحات القيادي بالجماعة الإسلامية «عاصم عبدالماجد» من على منصة رابعة والذي أشار فيها إلى أن من يريد النزول فى مظاهرات 30 يونيو يريد سفك الدماء لأنه يريد أن يتخلص من الرئيس بالعنف وعواقب ذلك ستكون بحورا من الدماء ستسيل. بل أفتى مفتى الجماعة «عبدالرحمن البر» بأن من يترك رابعة المتولى يوم الزحف.
– إعلان المنصة الرئيسية لاعتصام ميدان نهضة عن انضمام عناصر من السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة وحزب النور السلفي، رافعين أعلام القاعدة، وقال محمد عبد الشكور، أحد المعتصمين، إن انضمام أعضاء السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة جاء لأن لديهم العديد من الخبرات في مسألة الدفاع عن النفس ضد أي هجوم يتعرض له الميدان.
هذه الواقعة الأخيرة تفتح الباب حول الجدل الذي أثير عقب عزل مرسي بشأن الإفراج بقرار رئاسي عن عدد من الجهاديين بالمخالفة للقوانين وهذا الأمر يحتاج بعض التفصيل. فحسب ما تداولته الصحف فإن قرارات العفو عن 18 قيادياً إسلامياً والذى صدر فى 26 يوليو 2012 لم تكن تتم دون موافقة الأمن العام، مع الاعتراف بأن «الهدف وراء 2012 التقرب للأحزاب الإسلامية وإغلاق بعض ملفات القضايا التى صدرت فيها أحكام مسيسة فى عهد حسنى مبارك”. لذا فجمع من أفرج عنهم تم تحديد أسمائهم من قبل اللجنة المشتركة التي ضمت ممثلين عن الشرطة والسجون والأمن العام وحقوقيون، وم يتم الإفراج عن أي من الإسلاميين في عهد مرسي بقرار منفرد منه. رغم أن واقع الأمر يقول بأن غالبية ما تم الافراج عنه من الجهاديين قد تم في عهد المجلس العسكري.
أما فيما يخص المسئولية التنظيمية للجماعة عن العنف فنجد أنه تاريخيا لم تحسم الجماعة توجهها الاستراتيجي في قضية العنف إلا عام 1984 حيث قررت الجماعة الدخول خوض انتخابات النقابات ثم المشاركة في الانتخابات البرلمانية والتحالف مع حزب الوفد الليبرالي وكانت بداية حقيقية للتغير التدريجي باتجاه التجاوز التام للعنف كوسيلة ممكنة ومقبولة للتغيير .. وصارت الجماعة “تتورط” بالتدريج في منظومة يصعب أن تنتج عنفًا حتى ولو حمل من يدخلها “جينات” كامنة لهذا العنف في كتب وأدبيات تجاوزتها الجماعة واقعيا بالفعل ولكن لم تملك جرأة مراجعتها ونقدها فكريا، كما في بعض كتابات سيد قطب التي ما زالت تدّرس ضمن المناهج التربوية داخل الجماعة.
وبالإشارة إلى أن الأداء السياسي العام ضد جماعة الإخوان المسلمين والتضييق الشديد عليها عبر مراحل زمنية مختلفة مما أدى إلى حتمية وجود طرق لحماية تحركاتهم وفعالياتهم. البداية كانت مع إيجاد ما يسمى بفرقة “الردع” وهي جماعات منظمة في إطار تظاهرات الجماعة في “الجامعة” حيث يتم تكليفهم يوم المسيرة بتأمين خط سيرها بحيث لا يتعرض أي من الطلاب للأخوات أو تُخترق صفوفهم،ويكونون في مقدمة الفعاليات عند اقتحام المظاهرات لبوابات الجامعة المقفلة ، بهدف فرض هيبة للتظاهرات ووقايةً من القمع وليس مبادرة إلى العنف.
أيضا دفعت الظروف السياسية إلى تكوين ما يُعرف بفرق “الحماية والتأمين ” وهي مجموعات تكونت من قبل الجماعة في ميدان التحرير لحماية المظاهرات أثناء الثورة ، واستمرت فيما بعد في مهمة حماية التجمعات وضبطها وتنظيم الأمور الداخلية بها ، فعلى سبيل المثال كانت هذه المجموعات هي المسئولة عن تنظيم وتسيير اعتصام رابعة – والذي كانت إدارته إخوانية عكس اعتصام التحرير- حيث كان يتم تحديد مدخل من مداخل الاعتصام لكل قطاع جغرافي (ثلاثة أو أربعة محافظات) تكون مهمتهم توفير العدد اللازم لتأمينها. يتوقف هذا على من هو موجود، ومن لديه عدد أكبر وهكذا. وبعد ظاهرة الاعتداءات على مقرات الجماعة وحزبها ووجود ما اعتبرته الجماعة عدم توافر حماية أمنية لها ، فبدأت تقوم بحماية هذه المقرات.
وعقب عزل مرسي أعلن تحالف دعم الشرعية عن وجود لا مركزية في العمل وأكدوا أنه لا إمكانية للسيطرة على حركة الشباب حيث بدأت تتكون مجموعات شبابية بصورة لا مركزية غير منتظمة وموجهه من قبل الجماعة مثل حركات “ولع” ، “مولوتوف” من عدد من شباب الجماعة كرد فعل على حالة “السلمية ” “السلبية” -كما يرونها – حيث يستهدفون قطاعات ” الداخلية – الفلول- الاعلام– الجيش ” لدورها السلبي في تشويه الصورة الإسلامية عامة والإخوانية خاصة.
وبالنظر للعمليات التي تعلن عنها مثالاً حركة مثل “ولع” نجد أن عملياتها تهدف إلى الاجهاد المادي للقوى على الأرض ، فكل فعالية تكون ” للرد على بطش الداخلية وقتل الأحرار أو اعتقالهم أو مطاردتهم”. فحسب بيان تعريفها بنفسها تقول الحركة:”بعد كثرة القمع والظلم وتكميم الأفواه والقتل لفرض سيطرة السلاح سوف ندافع عن أنفسنا وعن ثورتنا ثورتنا سلمية, ولكن فى ظل القمع وتوجيه السلاح فى صدر المتظاهرين لايمكننا سوى الدفاع عن أنفسنا وتذكر دائما حق الدفاع عن النفس ما دون الرصاص “سلمية”.
هذا التوجه من قبل بعض أعضاء الجماعة لممارسة العنف بدرجات متفاوتة يأت كرد فعل منهم على سياسة “الخنق” التي تتم ضدهم ، وحرق كل الأراضي التي يقفون عليها ، وهي إن كانت تتم بشكل غير مؤطر في الجماعة كالحركات الشبابية الحديثة مثل ولع ومولوتوف وما يشبههما ، إلا أن لبعض المعاصرين ممن تركوا الجماعة يرون أن نهج العنف المنضم أمرًا حاضرا في سلوكيات الجماعة واستدلوا ببعض الوقائع عن استخدام الإخوان العنف فى درجاته الأولى والثانية، حتى وهم فى السلطة. هذه الظاهرة لا تنفصل عن مساحة العنف في الشارع المصري والتي بدأت تزايد وبدت لافتة للنظر منذ أحداث محمد محمود، حيث بدأت تظهر لأول مرة أسلحة الخرطوش في أيد المتظاهرين كرد فعل على عنف الشرطة، ثم استخدام الرصاص الحي في اعتصام وزارة الدفاع وغيرها.
أما ما يثار عن علاقة الجماعة بالجماعات الجهادية في سيناء وغيرها استنادًا إلى تصريحات مبتورة لبعض قياديها ومنه السؤال عن وجود رابطة تنظيمية فالمسألة تحتاج لتحرير ، حيث نجد أن لدى هذه الجماعات انتقادات “شرعية” لجماعة الإخوان المسلمين وحكم محمد مرسي ، “سواء بتنفيذ عمليات داخل الأرض الفلسطينية المحتلّة أو بنشر آرائهم الدينية بخصوص تكفير الإخوان والسلفيين الذين قبلوا بالديمقراطية الإجرائية ؛ ففي عمليّتي أنصار بيت المقدس في إيلات وأكناف بيت المقدس في صحراء النقب، بعد تولّي محمد مرسي الرئاسة، إظهار لتحدّي السلفية الجهادية سلطة إخوان مصر الذين لم يبدوا أيّ اعتراض على استمرار معاهدة السلام. وهو ما يعدّ رسالة تضامن مع تيّار السلفية الجهادية في غزة الواقع تحت السيطرة الفعلية لسلطة حماس التي توجّه لها سهام النقد لاحتكارها زناد المقاومة/الجهاد.
فالاحتمال المرجّح هو استقلال إرادة هذه التنظيمات السياسية والعسكرية عن كل من الإخوان وحليفتها حماس .. ويقود هذا الاحتمال الأخير إلى أحد تفسيرين محتملين؛ أوّلهما وقائي، والثاني دفاعي وتضامني. كلا الاحتمالين مُنطلق من تصديق موقف هذه الجماعات المعلن محليا إزاء سلطة الإخوان المسلمين؛ إذ رؤا محمد مرسي رئيسًا لحكم طاغوتي لم يطبّق الشريعة، ولم يعلن الجهاد لتحرير أرض فلسطين ومقدّساتها. وعليه، فإنّ احتمال كون العمليات ضدّ الجيش والشرطة بعد الانقلاب وقائيّة ، لا يعني التنسيق مع الإخوان المسلمين، ولكن يعني أنّ الجماعات المسلّحة أرادت إعلان رفضها الشديد عودة الدولة القمعية البوليسية بوصفهم من سكان المنطقة الحدودية أصحاب الثأر مع الشرطة وجهاز مباحث أمن الدولة في المقام الأول، والذي أعيد ضُباطه إلى مواقعهم القديمة بعد انقلاب 1 تموز / يوليو. فالمبادرة بالعمليات عقب الانقلاب قبل إعلان الجيش الحرب عليهم قد فهمت في هذا السياق، بخاصة أنّ المستهدف منها لم يكن سوى أفراد القوات النظامية ومركباتها دون المدن يين. ويحتمل أن يكون المنحى الوقائي احترازي بعد عزل الرئيس المنتخب ديمقراطيا (الكافر في نظر بعضهم)، والإجرءات التي رافقت عزله؛ مارأوه مؤشرًا لعودة تعامل السلطات معهم كما كان الأمر قبل كانون الثاني / يناير 2011 ، الأمر الذي دفعهم لإيصال رسالة قوية مفادها أنهم لن يسمحوا بذلك حتّى لو قامت الحرب.
الوضع الحالي الذي تعانيه الجماعة نتاج سلسلة متداخلة من الأزمات دفعت بالتنظيم العتيق إلى الوصول إلى المشهد الحالي ، فكان من المتوقع أن تتيح الفرصة السياسية المجال للجماعة لتطوير خطاباتها وممارساتها لكن حدث العكس حيث انغلق التنظيم أكثر على ذاته ، ولم يحدث انفتاح فكري تجاه المشهد الجديد لطرح رؤى فكرية تناسب الواقع مما تسبب في النهاية في سلسة أزمات سياسية لم تفلح الجماعة في تخطيها.
نُشر هذا المقال لأول مرة على موقع الإسلاميون