في عيد رأس السنة الميلادية من عام 1977، أعلن الرئيس “جيمي كارتر” في قصر سعد آباد في طهران أن “إيران هي جزيرة من الاستقرار في واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم”، بعد أقل من عامين من هذا التصريح، اجتاحت إيران حالة من الفوضى في ثورة أسقطت النظام الملكي في البلاد القائم من أكثر من 2500 سنة.
العراق يتفكك، سوريا تحت النيران، باكستان على وشك أن تصبح تحت دولة فاشلة، طالبان تعود إلى أفغانستان، ليبيا تتهاوى، وآل سعود يبدون غاضبين تجاه “أزمة الخلافة”، وفي هذه المنطقة .. تبدو إيران وحدها فعلاً جزيرة من الاستقرار.
في الوقت ذاته، تم تجاوز العداوة الجيوسياسية التي ميزت العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من 3 عقود من خلال أحداث العراق وأماكن أخرى، حيث تسعى الولايات المتحدة للحد من وجودها في الشرق الأوسط، بدلاً من ذلك اختارت التركيز على التركيز على الطاقة الجيوبوليتيكية شرق أسيا، في الوقت ذاته يقوم حلفاء واشنطن التقليديين في الخليج الفارسي بتمويل الجهاديين السنة والمناهضين للشيعة، المنافسة بين إيران والولايات المتحدة لا يمكن أن تترك في وضع “أتوماتيكي”.
وكانت قد ترددت بعض الأخبار على أن واشنطن تسعى للتعاون مع طهران عسكريًا لوقف تقدم دولة العراق والشام الإسلامية (داعش) في العراق، حيث أنفقت الولايات المتحدة هناك خلال السنوات الماضية تريليونات من الدولارات وآلاف الأرواح.
والحكومة العراقية “الشيعية” التي تعتبر كوكيل إيراني في العراق لطهران ضد واشنطن، لكن الاهتمام المشترك بين واشنطن وطهران في العراق ليس مناورة تكتيكية أو مؤقت.
وفي الوقت الذي كانت تعاني واشنطن فيه من المحور الفارسي في المنطقة، لم يكن بإمكان طهران أن تخفي تبنيها للعداء المعلن للولايات المتحدة، حيث قال مسئولون إيرانيون: “حتى لو تم حل القضية النووية .. سوف تبقى العلاقات الإيرانية الأمريكية قائمة على التنافس لا الشراكة”، لكن مع تدفق عناصر داعش عميقًا في العراق وجدت كل من الدولتين نفسها بحاجة إلى الآخر .. حيث لا يمكن إنقاذ استقرار العراق أو أفغانستان دون الآخر.
وعلى مدى العقود الماضية، حاولت إيران كسر الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط من خلال الاستثمار في العديد من الحركات المعارضة السياسية أو الحركات الإسلامية مثل حزب الله وتمويل حماس، لكن في الحقيقة هذا لم يحقق شيئًا لطهران في العالم العربي السني.
وكانت سياسة إيران قد استندت منذ عام 1979 تجاه العالم العربي على التنبؤ بسيادة العديد من الحكام المستبدين الموالين للولايات المتحدة، لذا من الأفضل لطهران وكضمان لأمنها تبني الاستثمار في الحركات الإسلامية، وأن يكون الإسلام السياسي والعداء لإسرائيل هو العلامة التجارية لإيران.
الحكومة في طهران قد لا تجد حليفًا في هذا الوقت أفضل من الولايات المتحدة الأمريكية، والرئيس الأمريكي باراك أوباما يعلم بشكل واضح أن نموذج الإسلام الذي تتبناه إيران لا يشكل خطرًا على الولايات المتحدة.
وكان أوباما قد سُئل من قبل عن خطر التطرف السني أو الشيعي، فأجاب “إيران دولة استراتيجية، وغير متسرعة، لديهم نظرة عالمية ويعرفون مصالحهم، كما أنها بلد قوية ترى نفسها لاعبًا مهمًا على الساحة الدولية، كما أنني لا أعتقد أن لديهم رغبة في الانتحار” ، أما عن التطرف السني، صمت أوباما لا تسعه مجلدات.
ومن الجدير ذكره بأن إيران كانت قد قدمت دعمًا عسكريًا واسعًا واستخباراتيًا وسياسيًا للجيش الأمريكي في عام 2001 خلال حملة الإطاحة بحكم طالبان في أفغانستان.
إلا أن مبعوث بوش الخاص إلى أفغانستان “جيم دوبنز” كان حاسمًا إذ قرر أن لا مزيد من الحاجة لمساعد الإيرانيين، ثم شمل بوش طهران في خطاباته العدائية كمحور للشر وعدم رغبة أمريكا في علاقة جديدة مع إيران.
واشنطن دفعت ثمن هذه الغلطة منذ ذلك الوقت، الفوضى في العراق وأفغانستان تأتي نتيجة نبذ التعامل مع أكثر الدول استقرارًا في المنطقة، وهي إيران.
في الوقت ذاته، سوف تدفع إيران ثمن التناقض في تصريحاتها، حيث يقول مسئولون إيرانيون إنهم منفتحون على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد داعش، بينما يقول المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إنهم يعارضون بأي شكل التدخل العسكري الأمريكي.
المصدر : فورين بوليسي