ترجمة حفصة جودة

لم يواجه مشجعو كرة القدم الذين زاروا قطر في كأس العالم 2022 أي نقص في المتاحف والعروض الثقافية، حيث قضوا فيها وقتهم بين المباريات، فبالإضافة إلى المتاحف مثل متحف العرب للفن الحديث ومتحف قطر الوطني ومتحف الفن الإسلامي على الواجهة البحرية لقطر، هناك سوق واقف بمتاجره الصغيرة، وقرية كاتارا الثقافية بورش عملها الفنية ومدرجاتها الضخمة.

هناك أيضًا 3 متاحف جديدة قيد الإنشاء، بما فيهم متحف مدينة لوسيل المخصص لاستضافة مجموعة ضخمة من الفن الشرقي في المبنى المكون من 4 طوابق.

في الإمارات المجاورة هناك بالفعل متحف لوفر أبو ظبي ومؤسسة أبو ظبي للفن ودبي للفن والشارقة للفن، وهناك آخرون طور الإعداد أيضًا خلال السنوات القادمة مثل متحف غوغنهايم أبو ظبي الذي من المقرر افتتاحه عام 2025 في جزيرة السعديات الثقافية، ومتحف زايد الوطني ومتحف التاريخ الطبيعي.

كما افتُتح متحف المستقبل، المميز بصريًا في أوائل 2022 بدبي، تلك المدينة التي تضم عشرات المعارض والساحات الفنية التي انطلقت منذ 2007، بما في ذلك مركز جميل للفنون والخط الثالث.

في السعودية، افتُتح أول معرض سنوي للفن الإسلامي في يناير/كانون الأول الماضي بجدة، وهناك خطط حاليّة للتوسع في متحف بومبيديو بباريس ليصل إلى مجمع العلا الصحراوي والموقع الأثري.

يستضيف معرض آندي وارهول في العلا حاليًّا 70 لوحة فنية شهيرة لآندي وارهول، تلك الأعمال الفنية وصفها المنظمون بأنها الأكثر جذبًا للعديد من الشباب بمن فيهم شباب السعودية.

وفي المجال الرقمي أيضًا، هناك عدد من الجهات الفاعلة التي دخلت المجال مثل متحف خليجي للفن على الإنترنت الذي أطلقه في 2020 مؤسسو مجلة “سكة” منار وشريفة الهنائي، كل هذا مجرد بضعة أمثلة قليلة للمشهد الثقافي المتنامي في منطقة الخليج.

مشروعات تقودها الحكومة

قام المجلس الدولي للمتاحف “ICOM” بتحديث تعريفه للمتاحف عام 2022 بأنها مؤسسات دائمة غير هادفة للربح لخدمة المجتمع، تبحث وتجمع وتحفظ وتفسر وتعرض التراث المادي والمعنوي.

كما أضاف “تعزز المتاحف المتاحة للجمهور والشاملة سهلة الوصول من التنوع والاستمرارية، كما أنها تعمل وتتواصل أخلاقيًا ومهنيًا بمشاركة المجتمعات وتقدم خبرات مختلفة للتعليم والترفيه ومشاركة المعرفة”.

قبل أن يلمح المرء، تبدأ المجموعات والبرامج والمتاحف في الخليج – مثل أي مشروع معماري مهم – بمبنى يدعم هيبة الدولة، فقد صمم متحف قطر الوطني جان نوفل الفائز بجائزة أغا خان للعمارة عام 1989 عن بنائه “Institut du Monde Arabe” في باريس، صمم نوفل أيضًا متحف اللوفر في أبو ظبي، أما المهندس المعماري جاك هيرتسوغ من شركة “Herzog & de Meuron” في سويسرا فقد أُوكل إليه تصميم متحف لوسيل.

بالمثل، من المتوقع أن تصمم مشروع “Perspective Galleries” في العلا، المعمارية اللبنانية الفرنسية لينا قطمة التي شاركت في عدد من المشاريع الفنية المعاصرة في فرنسا وعلى المشهد الدولي.

هذا التوجه ليس حصريًا على المتاحف، فالكاتب والمعماري تود ريسز يتذكر أن المهندس البريطاني جون هاريس أنهى تخطيط مدينة دبي عام 1960، وفي كتابه الحديث “Off Centre/On Stage” أعاد ريسز صياغة ما قبل وبعد الصور بعيدًا عن الخرافة الخطية ووجهة النظر الشائعة للرحلة الخارقة من الرمل إلى الأسمنت.

تقول الناقدة رحيل آيما المقيمة في دبي: “أصبحت إيدولوجية خليجي أسلوبًا معبرًا عن البث المستقبلي الذي تموله الدولة والذي ظهر في الخليج في العقود الأولى للقرن الـ21”.

فتحويل العلا من صحراء إلى أكبر متحف يعد استجابة لخطة عمرها 15 عامًا تُسمى “رحلة عبر الزمن”، التي يشرف عليها الهيئة الملكية للعلا ووزير الثقافة وولي العهد محمد بن سلمان، تهدف الخطة إلى إنشاء مناطق جديدة لتحقيق مكاسب ثقافية وسياحية بيئية في منطقة سُكنت لأول مرة منذ عشرات آلاف السنين.

تعد الثقافة مفتاح تطور أي دولة وأداة دبلوماسية كذلك، فعلى سبيل المثال، تشارك فرنسا في الهيئة الملكية للعلا من خلال “Afalula” وهي وكالتها للتنمية داخل المشروع السعودي، لكن رغم الدعم الحكومي القوي والشعور باتساع المجال، فهذه المشاريع يمكن أن تكون عُرضة لأي عوامل خارجية.

فمتحف غوغنهايم أبو ظبي الذي صممه المعماري فرانك جيري ليصبح أكبر 10 مرات من المشروع الأم في نيويورك، كان من المفترض افتتاحه في 2012، والآن من المتوقع افتتاحه في 2025، يرجع هذا التأخير لعدد من العوامل الاقتصادية والسياسية، تتراوح بين الركود إلى خلافات على ظروف العمالة للعمال المهاجرين الذين وُظفوا لهذا المشروع وتغير الموظفين عدة مرات.

ثقافة لمن؟

في المشهد الثقافي المعاصر، ستواجه تلك المؤسسات تحديًا لتعريف مجتمعاتها وجمهورها لأجل نمو هادف طويل المدى، تقول هوليداي باورز، أستاذ مساعد في الفن العالمي المعاصر والحديث بجامعة فيرجينيا كومنولث في قطر: “أعتقد أن السؤال هو: ما الهدف من امتلاك هذه الأشياء المثيرة والممتعة؟”.

وذكرت أن المجتمعات الفنية نادرًا ما تُولد من الخارج، لكنها تُولد بالفنانين أنفسهم وشبكاتهم طويلة المدى، خير مثال على رعاية منصة دينامية تربط بين العالمي والمحلي مؤسسة الشارقة للفن، التي أسستها الشيخة حور القاسمي عام 2009.

تجذب المؤسسة الفنانين والأكاديميين والنقاد وغيرهم من المتخصصين في الفن، في محادثة مبنية على 30 عامًا من مؤتمر الشارقة السنوي وتراث مؤسسات مثل مجتمع الإمارات للفنون الجميلة الذي أُسس عام 1980.

تخضع فكرة المجتمع لعدة تفسيرات: فهو منطقة أو طبقة أو مجموعة تتشارك توجهات واعتقادات مشابهة، ومن جلب الفن إلى الأطفال المحليين عبر الانخراط مع السكان العاديين، يمكن للمجتمع أن يصل إلى مفاهيم أكثر حساسية.

تقول باورز: “إنها ميزة محلية ووطنية، ومع ذلك عندما نتحدث عن قطر فمواطنوها نسبتهم 8 إلى 12% فقط، أما غير المواطنين فنسبتهم نحو 90%، فهل نسمي غير المواطنيين في قطر جزءًا من المشهد المحلي؟”.

من المهم أيضًا أن نؤكد على خصوصية المشهد في دول الخليج المختلفة، فعلى سبيل المثال، في دبي – التي تعد مركزًا رئيسيًا لسوق الفن الإقليمي وحيث يعيش عدد ضخم من الأجانب – كانت المعارض المعاصرة تميل إلى عرض أعمال فنانين غير إقليميين في الجزء الأول من الألفية، لم يكن ذلك سائدًا في الكويت حيث دافعت المعارض الشهيرة مثل “السلطان” عن الفنانين المحليين منذ افتتاحها عام 1969.

بقى أن نرى كيف ستفسر تلك المؤسسات المختلفة الشمولية في قررات تنظيمها الخاص للمعارض.

الفن الشرقي في شبه الجزيرة العربية

أحد طرق القيام بالأمر بشكل مختلف يتضمن إعادة تفسير الفن الشرقي، تلك الحركة التي بلغت أوجها في القرن الـ19، مع تصوير الفنانيين الغربيين للمشاهد الحسية وغيرها من المغرب إلى بلاد فارس واشتباكها مع المشاريع الاستعمارية.

ينتشر الفن الشرقي بين الهواة العرب وهو محط تركيز متحف لوسيل في قطر، وبالاعتماد على تلك المجموعات الشرقية، هناك فرصة لمؤسسات الفن الحديثة في الخليج لتوضيح التاريخ الجغرافي المحلي بدلًا من الترويج للفن الخارجي، وذلك من خلال الدراسة النقدية للتصورات العربية والإسلامية.

هذا التطلع نحو إضفاء الطابع المحلي على المشهد، يتشاركه عدد من الأصوات الرائدة مثل سلطان سعود القاسمي مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة، يقول القاسمي: “الواقع يقول إن 95% من المعارض تتحدث عن مناطق أخرى، يجب أن ندفع بالفن من منطقتنا لمواجهة الفنون القادمة من الخارج، لقد أغرقنا حياتنا بالفن القادم من الغرب ويجب أن نتراجع عن ذلك، يجب أن يتراجع الجميع عن ذلك”.

المصدر: ميدل إيست آي