ما إن تم اللقاء بين مبعوث أمير قطر وقائد الانقلاب العسكرى فى مصر “عبد الفتاح السيسي” حتى بدأت إجراءات المصالحة بين البلدين؛ فتمت إقالة مدير المخابرات المصرية وأُغلقت قناة الجزيرة مباشر مصر .
مصالحة دُفِع إليها الطرفان دفعًا ولعبت السعودية الدور الأكبر في إتمامها بالضغوط تارة وبتقريب وجهات النظر تارة أخرى، ولعل سحب دول الخليج سفرائها من قطر ودعوتها إلى تغيير سياستها تجاه مصر مثّل أعلى خطوة ضغط تجاه قطر، بينما لا تحتاج السعودية ومن ورائها دول الخليج إلّا إلى توجيه الجانب المصري لإتمام المصالحة وهو ما تم بالفعل.
دوافع البلدين الكبيرة تجاه المصالحة هو ما أدى إلى سرعة إتمامها، فالسلطة في مصر كانت تسعى إلى غلق المنبر الإعلامي المناهض لها بقوة والنافذة التي يُطل منها قادة المعارضة، كما تسعى إلى نيل أكبر قدر من الاعتراف بها والتعامل معها كسلطة شرعية.
أيضًا في الجانب المقابل، فرغم رهان قطر على ثورات الربيع العربي على عكس جيرانها في دول الخليج وهو الرهان الذي حقق لقطر لعب دور هام على المستوى الإقليمى خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن تراجع الربيع العربي وما حدث من عودة الأنظمة القديمة بشكل أو بآخر اضطر قطر إلى التراجع ولو قليلاً في هذا الرهان.
كما أن الوضع الميداني المناهض للانقلاب في مصر والذي يبدو أنه بلا أفق واضح لم يقدم جديدًا خلال الشهور الماضية، وتبدو سلطة الانقلاب في طريقها إلى إتمام السيطرة، فضلاً عن اعتراف اللاعبين الدوليين الكبار بها، وبالتالي استمرار الدعم القطري لمناهضي الانقلاب ومواجهة السلطة في مصر لن يعتبر سياسة ناجحة بكل المقاييس بالنسبة لدولة صغيرة تسعى لأن تُصبح رقمًا هامًا في المعادلة الإقليمية.
المصالحة التي تمت ولم يتبق سوى تتويجها بلقاء يجمع بين أمير قطر وقائد الانقلاب في مصر اشتملت على إقالة مدير المخابرات اللواء “محمد فريد التهامي” والذى يُعد أحد أهم رجال السيسي، وهذه الإقالة تُعطي مؤشرات على مشاركة حركة حماس في إقرار بعض بنود المصالحة؛ فالرجل المعروف بكراهيته الشديدة للحركة تمت إزالته هكذا بسهولة وهو أمر لم يفت على الصحف الصهيونية الإشارة إليه، إذا ما أضفنا إلى ذلك خفوت نبرة التشويه التي يتبناها الإعلام المصري تجاه الحركة بعد المصالحة؛ تُصبح الأمور أكثر وضوحًا، ولعل ترحيب حماس بالمصالحة واعتبارها دعمًا للقضية الفلسطينية يؤكد هذا الأمر.
كذلك زيارة أمير قطر إلى تركيا ولقائه بالرئيس التركى أردوغان قبل إتمام المصالحة بأيام قليلة وما تناقلته صحف تركية عن نصيحة أمير قطر لتركيا بتطبيع العلاقات مع نظام السيسي في مصر وتصريحات القيادي التاريخي في العدالة والتنمية والمتحدث باسم الحكومة “بولنت أرينتش” عن ضرورة إزالة التوتر القائم بين بلاده ومصر وتعزيز التعاون المبني على التفاهم المتبادل بين تركيا من ناحية ومصر ودول الخليج من ناحية أخرى، ومن ثَمّ زيارته إلى الكويت ومقابلة كبار المسؤولين بها ومطالبته بتقديم الجانب المصرى الخطوة الأولى في هذا الأمر تشير إلى إمكانية لعب قطر لدور وسيط بين مصر وتركيا يضمن لمصر توقف الرئيس التركى عن انتقاد الوضع المصري بعد الانقلاب بحدته المعتادة والتشهير بها في المجتمع الدولي ويضمن لتركيا عودة التمثيل الدبلوماسي وكذلك عودة تأثيرها السياسي والاقتصادب في المنطقة العربية.
ﻻ شك أن إتمام المصالحة بين مصر وقطر لن ينُهى علاقة قطر بالتيار المناهض للانقلاب تمامًا، وهو ما عبّر عنه مبعوث الأمير بقوله إن رموز المعارضة المصرية مرحب بهم، بالإضافة إلى العلااقات التاريخية التي تجمع بين الدولة الخليجية وحركة الإخوان المسلمين؛ مما يعني أن قطر ستحاول إعادة صياغة موقفها من النظام المصري إلى ما يشبه علاقتها بنظام مبارك في آخر عهده، وهو ما يعني عدم تخلي قطر تمامًا عن أوراق اللعب التي تمتلكها في تنافسها مع جيرانها من دول الخليج.
إعادة صياغة الدور القطري في التعامل مع النظام في مصر وما يبدو من تراجع مستقبلي لانتقادات تركيا للنظام ومحاولة التعامل مع الوضع الجديد يضيّق الخناق على الطرف المناهض للانقلاب ويجرده من داعميه الدوليين وﻻ يترك له سوى ميدان الثورة يجعله قادرًا على تغيير المشهد وإزاحة النظام ولو خطوات في طريق إسقاطه الطويل والشاق، أو طاولة المفاوضات مع سلطة الأمر الواقع أمام صعوبة الوصول إلى محطة يناير جديدة.