أظهرت بيانات رسمية أن الجزائر سجلت عجزا تجاريا بلغ 4.3 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من 2015 مقارنة مع فائض قدره 3.4 مليار دولار قبل عام، وذلك بفعل انخفاض إيرادات الطاقة مع تراجع أسعار النفط العالمية. وبحسب أرقام الجمارك الرسمية، تراجعت صادرات النفط والغاز التي شكلت 93.5 % من إجمالي الصادرات الجزائرية ب 42.8 % لتبلغ 12.54 مليار دولار في الفترة بين يناير وأبريل، كما تراجعت قيمة إجمالي الصادرات السنوية ب 41 % ليبلغ 13.4 مليار دولار.
ويعود انخفاض أسعار النفط العالمية لأكثر من النصف منذ يونيو الماضي مع تسجيل زيادة في إنتاج الخام وتراجع معدلات الطلب في سوق المحروقات العالمي.
قلق حكومي من انعكاسات تراجع الإيرادات على الإقتصاد
وسبق لعبد المالك سلال، رئيس الوزراء الجزائري، أن صرح في شهر مايو الفارط لوسائل الإعلام إن بلاده تواجه وضعاً دقيقاً بسبب تراجع أسعار النفط الذي قد يطول أمده، غير أنه شدد على أن وضع الاقتصاد الكلي “تحت السيطرة” بالنظر إلى حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي وقلة المديونية الخارجية للبلاد.
وكان رئيس الوزراء الجزائري قال في مارس/آذار الماضي إن بلاده ستعيد النظر في موازنتها لهذا العام بهدف الحد من تأثير التراجع الكبير في أسعار النفط الذي يشكل 95% من عائداتها. وأوضح أن ملحق قانون المالية سيتضمن قرارات وإجراءات تهدف إلى التحكم بشكل أفضل في التجارة الخارجية عبر مكافحة الفساد ووضع حد للفوضى التي تطبع هذا النشاط، على حد قوله.
وفي تصريح لصحيفة الشروق الجزائرية، أمس، طمأن الوزير الأول عبد المالك سلال أمس، الجزائريين، وأكد أن حكومته لا تعول أبدا على جيوبهم لمواجهة انعكاسات أزمة البترول.
وأشار إلى أنه لا داعي للتخوف من الضرائب والإجراءات الجبائية، التي تضمنها مشروع قانون المالية التكميلي،التي لن تؤثر، برأيه، على القدرة الشرائية للمواطن؛ وإنما ستحصن احتياطات الجزائر، حتى لا تضطر سنة 2019 إلى مد يدها إلى الغير.
وقال سلال، ردا على سؤال لـ “الشروق”، إن الحكومة”اتخذت خيار الإنفاق الحذر، رغم أن كل المعطيات تؤكد تعافي سوق النفط بداية السنة المقبلة”، مؤكدا أن تلك المعطيات “تجعل من سعر البرميل عند حدود 70 دولاراللبرميل، أمرا يقينا السنة المقبلة”.
فرصة للإصلاح
وكان مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في صندوق النقد الدولي، مسعود أحمد، اعتبر في مقال نشرته صحف جزائرية، أن الوقت حان كي تنفذ السلطات الجزائرية إصلاحا تاريخيا في نموذجها الاقتصادي بعيدا عن النفط، والاتجاه نحو نموذج أكثر تنوعا ودينامية.
وأضاف أحمد أن الهبوط الكبير لأسعار النفط هو اللحظة المناسبة للتعجيل بجهود الإصلاح، وأشار إلى أنه حتى قبل انخفاض أسعار الخام بدأت فوائض الحساب الجاري والمالية العامة للجزائر تتحول من حالة الفائض إلى عجز مزمن، ويشار إلى أن الجزائر تنتج نحو 2.2 مليون برميل يومياً من النفط الخام, في حين يناهز حجم صادراتها النفطية نحو 750 ألف برميل يومياً.
لوموند : الجزائر على حافة الاضطرابات
وفي تقرير تحت عنوان “نهاية البترول الغالي الثمن يثير اضطرابات في جزائر بوتفليقة”، قالت صحيفة لوموند الفرنسية أن الجزائر أصبحت في وضع أكثر قلقا نظرا للغيابات الطويلة للرئيس بوتفليقة، الذي لم يعد يظهر سوى في لقاءات المسؤولين الكبار، وكذلك بسبب انخفاض أسعار البترول خلال الفترة الأخيرة.
واعتبرت لوموند أن الجزائر أصبحت على حافة الاضطرابات بشكل غير مسبوق، منذ تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فترة رئاسية جديدة، بسبب انخفاض أسعار البترول، الذي يشكل مصدر الدخل الرئيسي للموازنة الجزائرية.
واعتبرت الصحيفة أن البلاد تشهد شللا سياسيا يتزامن مع أزمة اقتصادية ضخمة، وهي الانخفاض الساحق لأسعار البترول من 125 دولارا إلى 50 دولارا، في حين أن البترول يشكل 60% من الموازنة العامة، و98% من نسبة الصادرات الجزائرية.
ونظرا لأن الحكومة اعتقدت أن انخفاض أسعار البترول لن يستمر لفترة طويلة، بحسب الصحيفة، فإنها مضت نحو إنهاك اقتصادها الداخلي المتمثل في احتياط النقد وصناديق ضبط الإيرادات، وهي وسائل لا تزيد عن كونها “ثلج تحت الشمس”، وفق تعبير الصحيفة.
الحكومة تعلن عن مخطط مالي جديد
وكمحاولة منها لإيجاد حل، وجهت الحكومة عبر بنك الجزائر نداء إلى البنوك لكي تساهم أكثر في تمويل الاقتصاد الذي ظل إلى حد الآن تحت رحمة الخزينة العمومية والتي تراجعت قدراتها إثر انخفاض أسعار النفط.
وكشف محافظ بنك الجزائر، محمد لكصاسي، خلال الندوة الصحفية التي نشطها بالعاصمة، أمس الأول، عن الخطوط العريضة للمخطط المالي الجديد للنمو الاقتصادي حيث أوضح في هذا السياق أن هذا التوجه الجديد أضحى ضرورة لاستدراك نقص التمويل بسبب تراجع أسعار النفط، والذي يعتمد على تمويلات بنكية أكثر حضورا ونجاعة وذلك في سياق تقلص الموارد المالية للدولة الناجم عن تدني أسعار النفط.
وأوضح لكصاسي في عرض حول “استقرار الاقتصاد الكلي بالجزائر والتمويل البنكي للنمو”، قدمه أمام رؤساء البنوك والمؤسسات المالية، أن المخطط الجديد عبارة عن “خارطة طريق” تمليها ضرورة الوصول إلى تحقيق نمو ب7 بالمئة في آفاق 2019 حسب الهدف المنشود من الحكومة.
ويأخذ المخطط، الذي سيتم إثراؤه تدريجيا بمشاركة البنوك، بعين الاعتبار انعكاسات الصدمة الخارجية التي تتحملها الجزائر على إثر الانخفاض الحاد والمستمر لأسعار النفط من خلال الاستفادة من التراكمات المالية التي سجلت إلى اليوم، حسب المحافظ.
واعتبر أن البنوك مدعوة الآن إلى رفع نسب منح القروض لصالح القطاع المنتج سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج إلى قروض أكثر نجاعة.
وفي نفس السياق أعلن بنك الجزائر أنه سيعمل ابتداء من جويلية المقبل على إخضاع البنوك إلى “امتحان القلق” قصد تقييم قدرة تحمل الصدمات في حالة أزمة، ورغم تراجع الموارد المالية استبعد بنك الجزائر رفع إجراء منع المؤسسات الجزائرية من الاقتراض من الخارج، وهو إجراء دخل حيز التنفيذ.
وقد تم اتخاذ إجراء منع الاقتراض الخارجي بالنسبة للمؤسسات في سياق البحبوحة المالية ولكن حرصا على تفادي التدين الخارجي للجزائر، وأشار بنك الجزائر إلى أن المستوى المنخفض تاريخيا للمديونية الخارجية (3.7 مليار دولار في أواخر 2014) من شأنه أن يساهم في التخفيف من حدة الصدمة الخارجية في 2015.