تداعيات الخلاف الحاد داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر الذي ظهر إلى العلن منذ عدة شهور لم تتوقف بعد، تراشقات إعلامية بين مجموعتين من القيادات بالجماعة إحداهما تُوصف بأنها القيادات التاريخية والمجموعة الأخرى توصف بأنها “قيادة جديدة” تم تصعيدها عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة المؤيدين لشرعية الرئيس السابق محمد مرسي بعد الانقلاب عليه من قِبل الجيش في يوليو من عام 2013.
الأنباء المتواردة من الداخل تُشير إلى وجود محاولات عدة لرأب الصدع داخليًا، لكن ثمة تسريبات أخرى تظهر على وسائل الإعلام من حين لآخر تشي بفشل تلك المحاولات التي تقوم بها أطراف مختلفة لعل أبرزها وساطات بعض الرموز التاريخية في الجماعة التي ابتعدت عن العمل التنظيمي منذ زمن، وفي هذا الصدد تردد اسم الشيخ يوسف القرضاوي أحد أبرز فقهاء ومنظري الجماعة في الوقت الحاضر وكذلك اسم يوسف ندا مفوض العلاقات الخارجية السابق لدى الجماعة.
لكن نفي رسمي لم يأت من الجماعة حول فشل هذه المساعي، ما أكد أن الخلاف قائم ولربما احتدم بين المجموعتين، يرى البعض أن القيادات القديمة تريد فرض سطوتها على الجماعة عبر النفوذ الأبوي وترى هذه القيادات أنها تُنقذ الجماعة من براثن التهور والانجرار للعنف أمام السلطة رافضة الاعتراف بأي تحركات جديدة تنفذها القيادات الميدانية في الداخل أو الخارج طالما لم تمر من خلالها.
هذا السجال الذي يملك كلا الطرفين روايته الخاصة عن حقيقته نزل إلى قواعد الجماعة داخليًا وخارجيًا ولاقى استهجانًا واسعًا بين أفرادها ممن ليسوا في مواقع قيادية، وقد ظهر مردود الخلافات في القيادة العليا على قاعدة الجماعة ولكن دون قدرة على تغيير المشهد بشكل كبير نظرًا لأن هذه القاعدة قد اعتمدت دهرًا على تلقي الأوامر من هذه القيادة المنقسمة على نفسها، وعندما حان دور هذه القاعدة في القيام بالفعل لم تكن سوى بعض الاعتراضات الفردية على ما يحدث دون القدرة على تنظيم نفسها لتصبح فعل يجبر الطرفين على احترامه.
ولكن في تطور وتداعٍ جديد من نوعه على تنظيم الإخوان المسلمين تظهر لجنة تحت مسمى “شباب الإخوان” تُصدر بيانًا حول موقف شباب الجماعة من الخلاف الدائر بين قياداتها، حيث أكدوا في بيانهم الذين نُشر على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” على شكل عدة تغريدات أن ما تمر به الجماعة هو الدافع الأساسي حول أخذ مواقف أكثر جرأة وتجردًا لإنجاح الثورة بحسب تعبيرهم.
إن ما مرت به دعوتنا أثبت أنه كان لزاما علينا أخذ مواقف أكثرجرأة وتجردا لإنجاح الثورة وللإجهاز على عصابة العسكر ومجموعاته #لجنة_شباب_الاخوان
— ikhwanyouth (@ikhyout) August 23, 2015
حيث تساءل هذا البيان موجهًا حديثه إلى القيادات المختلفة بنبرة لوم في ظل أوضاع الجماعة الحالية قائلًا: “وكان عزيز علينا أن نرى خلافًا يدب بين إخوتنا الكبار في إدارة جماعتنا، خلاف وصل لساحة الإعلام في ظل أحكام باطلة بالإعدام، والمؤبدات، واغتصاب أخوات لنا، واغتيالات في البيوت، وإعدامات بغير وجه حق.
إن ما دار من خلاف بين قادتنا قد أساء للأسف لجماعتنا ولجهادها، وكان سؤالنا لإخواننا دومًا: على ماذا تختلفون و في هذا الوقت؟!”.
إن ما دار من خلاف بين قادتنا قد أساء للأسف لجماعتنا ولجهادنا، وكان سؤالنا لإخواننا دوما: على ماذا تختلفون وفي هذا الوقت؟ #لجنة_شباب_الاخوان
— ikhwanyouth (@ikhyout) August 23, 2015
وقد أكد البيان المنسوب للجنة شباب الإخوان أنهم استدعوا بصفتهم الاعتبارية للمشاركة في حل الأزمة ولكن هالهم ما رأوا من تعمد تعطيل لرأب الصدع ورغبة في التحكم والسيطرة من بعض القيادات، بل وصل الأمر لاستغلال الاحتياجات المالية للجماعة في الداخل من أجل الضغط في هذه الأزمة بحسب البيان.
استدعينا بصفتنا الاعتبارية "الكيان الشبابي بالجماعة" في جناحها الثوري للمشاركة في إدارة ملف حل الأزمة، وهالنا ما رأينا!!#لجنة_شباب_الاخوان
— ikhwanyouth (@ikhyout) August 23, 2015
رأينا من البعض من إخواننا من تعمد تعطيل رأب الصدع، أو رغبة في السيطرة والتحكم "رغم بعده عن المشهد الثوري منذ فترة #لجنة_شباب_الاخوان
— ikhwanyouth (@ikhyout) August 23, 2015
رأينا في الأزمة استخدام لقضية الاحتياجات المالية لأهالي الشهداء والمصابين والمعتقلين في الأزمة الدائرة #لجنة_شباب_الاخوان
— ikhwanyouth (@ikhyout) August 23, 2015
وقد أكد البيان أن شباب الجماعة ليسوا جزءًا من الأزمة وأنهم معنيون بالحفاظ على الجماعة من خطر الانشقاق، فيما أكدوا أن المنهج الثوري في هذا التوقيت هو طريق الجماعة، كما دعوا الجميع للالتزام بالقواعد الشورية في الجماعة والالتزام بما أفرزته من نتائج أخيرة.
حاولنا التقصي وراء هذا البيان المنسوب لشباب الجماعة، حيث إن جماعة الإخوان كانت دائمًا ما ترفض إنشاء كيان اعتباري لشباب الإخوان يتحدث باسمه خارج إطار حديث الجماعة ككل، رافضين نبرة القيادات والشباب، أما نحن الآن أمام تحول دراماتيكي جعل شباب الإخوان ينظمون أنفسهم في كيان اعتباري يتدخل في الأمور القيادية دون الاكتفاء بالمسارات التنظيمية التقليدية.
إذ أكدت بعض المصادر الداخلية في الجماعة أن لجنة شباب الإخوان هي لجنة رسمية شُكلت من قِبل مكتب الإرشاد في الداخل في شهر نوفمبر من العام 2011، وبالتواصل مع الدكتور أحمد رامي أحد المتحدثين الرسميين بحزب الحرية والعدالة في السابق، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، أكد لنا في تصريحات خاصة أنه بالفعل هناك لجنة لشباب الإخوان وهي لجنة مركزية تولت إصدار هذا البيان الأخير بحسب قوله.
وأضاف هذه اللجنة معنية ببعض الفعاليات الجماهيرية في الشارع، كما أنها مسؤولة عن التواصل مع الحركات السياسية الشبابية ومجموعات الأولتراس، وأكد أيضًا أن هذه اللجنة كانت جزءًا من حل أزمة سابقة داخل الجماعة، وقد تم إنشاء هذه اللجنة من الأساس بناء على رؤية طُرحت عقب الانقلاب من عدة محاور من بينها تمكين الشباب.
فيما قال رامي: “إنه بغض النظر عن الاختلاف حول صدور البيان للعلن وهو إجراء لم يعتده الإخوان إلا أن المتاح له من معلومات – وهو قليل بالمناسبة – بحسب وصفه، أنها تسعى للحل وليست جزءًا من المشكلة”.
لم يصدر أي تعقيب من المنافذ الإعلامية الرسمية للجماعة على هذا البيان، ولم يصدر أي تعليق من القيادات القديمة في الجماعة أيضًا على محتوى البيان الذي بدا هجوميًا بعض الشيء عليهم في قوله: “إن الثورة الحية في نفوسنا لا يمكن لأحد أن يطفئها بإعادة جيل فاته قطار الثورة منذ زمن فلم يؤمن بها ولم يدفع من أجل تحققها”، وهي إشارة بلا شك إلى قيادات الجماعة القديمة.
لكن ألفاظ البيان وطريقته وأسلوبه يبدو وأنها تميل إلى جانب على حساب آخر ولو ادعى البيان غير ذلك، فلو كانت المجموعة الجديدة التي تسيطر على المنافذ الإعلامية للجماعة معترضة على هذا البيان كان بإمكانها إصدار نفي عبر المتحدث الرسمي أو الموقع الرسمي للجماعة ولكن حتى الآن الأمر يبدو مساندًا لموقفهم أمام القيادات القديمة المتنفذة التي لم يُعرف رد فعلها على هذا البيان هي الأخرى حتى اللحظة، في ظل أحاديث داخلية غير مؤكدة عن إمكانية عقد مؤتمر لشباب الجماعة في وقت قريب.
لم يكن هذا البيان هو الإعلان الوحيد عن وجود كيان داخلي جديد داخل جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث صدر بيان آخر من هيئة تُطلق على نفسها اسم “الهيئة الشرعية لجماعة الإخوان المسلمين” حول الأزمة الحالية التى تشهدها الجماعة، وأكد هذا البيان أن هذه الهيئة كُلِفت من قِبل إدارة الإخوان في الداخل بعمل دراسة للتأصيل الشرعى لما أسمته “العمل الثورى”، حيث أكدت في دراستها وجوب مقاومة الانقلاب بكافة الأشكال والأنواع مع ضرورة مراعاة الضوابط الشرعية حين تنفيذها.
وقد أفاد البيان أيضًا أن هذه الدراسة قُرئت كلمة كلمة أمام إدارة الإخوان، واعتمدتها، ونزلت لجميع الإخوان، وأقرت، وكانت سببًا بحسب البيان فى قوة الصف وتماسكه، ورفع الروح المعنوية له، كما أكدت الهيئة أن المسار الثورى هو الطريق المناسب لدحر الانقلاب، كما وصف البيان.
وبتقفي أثر هذا البيان أيضًا داخل جماعة الإخوان المسلمين أفادت بعض المصادر الداخلية صحة هذا البيان الصادر عن هذه الهيئة التي اختيرت من قِبل إدارة الإخوان في الداخل لتكون مرجعًا شرعيًا للجماعة وتحركاتها، وقد أكدت أيضًا هذه المصادر تعود وجود مثل هذه اللجان والهيئات داخل الإخوان ولو بمسميات مختلفة، كما أن كافة قيادات الجماعة القدامى والجدد على علم بها بحسب تصريحاتهم.
وقد أكد على هذا الرأي الدكتور أحمد رامي الذي قال إنه بطبيعة جماعة الإخوان الإسلامية فإنه من المقبول اعتبار الرأي الشرعي بداخلها، ويكون لمن يدير الأمر الواقع في اختيار القرار ما لم يرد نص بتحريمه وفقًا للمصالح والمفاسد بحسب ما صرح لنا، وقد أكد أيضًا أن ما أسماه الخيار الثوري ليس خيار بعض الأفراد في الجماعة بل هو خيار أعلى سلطة في الجماعة وهو مجلس شوراها.
لكن يبدو أن هناك رأيًا آخر لأحد القيادات التاريخية داخل الجماعة وهو نفي عبد الخالق الشريف، مسؤول النشر والدعوة بالإخوان وعضو مجلس شوراها، وجود ما يسمى بـ “الهيئة الشرعية لجماعة الإخوان”، لافتًا إلى أن البيان المنسوب للجماعة والذي يدعو إلى استخدام كل أشكال المقاومة ضد قوات الأمن، غير حقيقي ولم يرد من الجماعة رسميًا، بحسب ما نقلته شبكة رصد الإخبارية.
وبالرجوع إلى مصادر الجماعة الداخلية المؤكدة لصحة البيان أكدوا أنه ليس هناك قسمًا لنشر الدعوة حاليًا بالأساس في الجماعة ليترأسه الشريف بعد إعادة الهيكلة التي تمت وإنما تحول القسم إلى قسم “الرأي العام” بحيث يكون هيكلاً خادمًا للمهمة الثورية، كما أكدوا أن الشيخ الشريف مريض منذ فترة ويتم علاجه من مرض مزمن في إحدى المستشفيات بالخارج وهو الأمر الذي ربما حال دون متابعته لآخر التطورات الإدارية للجماعة في الداخل.
ما يمكن استشفافه من هذه البيانات والكيانات الجديدة المعلن عنها أنها ربما تأتي من الجبهة الداخلية المؤيدة لجناح التصعيد أمام النظام في مقابل رؤية بعض القيادات القديمة عن ضرورة إيجاد حل ومخرج للأزمة الحالية، وهي رؤية وخلاف حول المسار الذي يجب اتباعه في أزمة الجماعة مع النظام، والتي يمكن اعتبارها أحد الخلافات بين مجموعات القيادات ولا يمكن حصر الخلاف الحادث حولها فقط بأي حال من الأحوال، إذ إن الأمر أعمق من ذلك على المستوى الإداري وعلى مستوى الرؤية العامة لمستقبل الجماعة ككل.