“الآن يمكنني التباهي بتصنيف الحكومة الألمانية لي رسميًا على أنني معادٍ للسامية”، يقول المفكر اليهودي الإسرائيلي والأستاذ الفخري بجامعة تل أبيب موشيه زوكرمان، متحديًا الحكومة الألمانية التي اعتبرته معاديًا لليهود بسبب مواقفه المعارضة لـ”إسرائيل”.
يعتبر زوكرمان أن “إسرائيل” وُلدت نتيجة فاحشة لا زواج شرعي، مؤكدًا أن كل يهودي وكل إسرائيلي يعرف ذلك في أعماق قلبه، وهذه الفاحشة هي النكبة الفلسطينية عام 1948، وتكررت هذه الفاحشة على مدى عقود بتهجير الفلسطينيين المستمر وقتلهم على أيدي الاحتلال الإسرائيلي.
عالم الاجتماع والأستاذ في تاريخ وفلسفة العلوم الإنسانية الذي يحمل الجنسية الألمانية بجانب الإسرائيلية، تبرّأ من الصهيونية رغم أنه كان يؤمن بها قبل ذلك، وقال إن “إسرائيل” دولة فصل عنصري، وهو الأمر الذي جعل الحكومة الألمانية، تعتبره معاديًا للسامية، وهي تهمة تجلب المضايقات لمن يتهم بها هناك.
ردّ زوكرمان على ذلك بأنه كمواطن إسرائيلي ألماني يُسأل عمّا تفعله دولته ويجب أن يرد، خاصة إذا كانت الدولة التي يحمل جنسيتها تحتل أرض شعب آخر، وتعامله بشكل غير إنساني منذ عشرات السنين، ويجب عليه وعلى كل شخص يحترم ذاته أن يواجه ذلك، بحسب قوله.
ربما هناك أصوات كثيرة في الغرب تردد كلام زوكرمان، لكن الخطورة هنا تكمن في مكانته الأكاديمية المرموقة من ناحية، وفي يهوديته وحمله الجنسية الإسرائيلية من ناحية أخرى، بل إن أبويه كانا من الناجين من المحرقة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، ما يجعل لكلامه الذي يردده عبر لقاءاته الإعلامية وكتاباته ومؤلفاته صدى خطيرًا، ويسبب ضيقًا لـ”إسرائيل” ومناصريها.
لماذا يدافع زوكرمان اليهودي عن القضية الفلسطينية؟ كيف وصل إلى قناعاته المعارضة لـ”إسرائيل” رغم إعجابه لوقت ما بالصهيونية؟ ما موقفه من “إسرائيل” بعد “طوفان الأقصى”؟ هذا ما نحاول إيجازه فيما يلي.
زوكرمان والصهيونية
ولد موشيه زوكرمان في تل أبيب عام 1949 لأبوين يهوديين نجيا من المحرقة النازية في بولندا، وتحديدًا من معسكر اعتقال أوشفيتز الشهير، ثم هاجرا إلى “إسرائيل” وسكنا حيًّا فقيرًا في تل أبيب، حيث أنجبا ابنهما موشيه.
كانت المحرقة وحكاياتها تتردد دائمًا في منزله، وتربّى عليها، ومع ذلك سافر مع أبويه وهو طفل في العاشرة من عمره إلى ألمانيا نتيجة فقرهما في “إسرائيل”، وطمعًا في حياة أفضل في ألمانيا، رغم ضيقهما من السفر إلى البلد الذي تعذبا بسببه، لكنهما اضطرا ذلك.
عاشت أسرة زوكرمان في مدينة فرانكفورت، وتنقّل الطفل بين مدارسها وتلقّى فيها تعليمه الأساسي، وفي هذه الفترة كان مهتمًا جدًّا بالموسيقى والرسم، بل كان الفن شغفه الكبير في الحياة.
لكنه بجانب ذلك كان متأثرًا بالصهيونية، وكان يعتبرها حركة تحررية نتجت عن اضطهاد اليهود، فعاد إلى “إسرائيل” وهو في سن الـ 20، والتحق بجامعة تل أبيب ليدرس علم الاجتماع.
بعد تخرجه التحق بالقوات الجوية كباحث اجتماعي يدرس كيفية التواصل بين الموظفين والعاملين بالقوات الجوية، ثم عاد إلى جامعة تل أبيب كباحث، لكنه ظل متأثرًا بالفترة التي قضاها في ألمانيا، ومعظم كتاباته حتى الآن باللغة الألمانية، وربما يقيم في ألمانيا أكثر ممّا يقيم في “إسرائيل”.
مع الوقت والدراسة تغيرت نظرة زوكرمان لـ”إسرائيل”، نتيجة عمله كباحث في تاريخ الفلسفة، وساعده على ذلك أنه ماركسي غير متديّن، فدرس الصهيونية بشكل متحرر نسبيًا، فكانت قناعاته وأفكاره التي ملأت كتبه ومقالاته، والتي تعرضه للانتقاد والهجوم في ألمانيا و”إسرائيل”.
تمثل الحياة الأكاديمية عصب نشاطات زوكرمان، فهو ليس ناشطًا سياسيًا، وليس مسؤولًا تنفيذيًا، إنما الإنتاج الأكاديمي والحياة الفكرية هي حياته، حتى وإن انعكس ذلك على وجوده في المشهد الإعلامي وتوظيفه في خدمة تيارات سياسية.
هذا التوظيف الإعلامي لكتاباته الأكاديمية جاء بسبب انصباب أغلب اهتمامه الأكاديمي على تشريح الصهيونية كفكرة وممارسة واشتباكها بالسياسة الدولية، ونتجت عن ذلك مجموعة من المؤلفات، من أبرزها كتابه الذي تنبّأ خلاله انهيار الصهيونية و”إسرائيل” طالما سارت في اتجاهها الاستيطاني العنصري “Israels Schicksal: Wie der Zionismus seinen Untergang betreibt (مصير إسرائيل: كيف تسير الصهيونية في طريقها إلى الأسفل)”، الصادر عام 2014.
وكان زوكرمان ناقش جذور الأزمة السياسية في بنية الدولة الصهيونية خلال كتابه الصادر عام 2009 “Sechzig Jahre Israel: Die Genesis einer politischen Krise des Zionismus (60 عامًا على قيام إسرائيل: نشأة الأزمة السياسية في الصهيونية)”.
كما تناول فكرة معاداة السامية التي تستخدمها “إسرائيل” وحلفاؤها، وعلى رأسهم ألمانيا، كسيف على رقاب من يعارضونها في أكثر من مؤلف، ومنها “Antisemit! Ein Vorwurf als Herrschaftsinstrument (معاداة السامية! الاتهام كأداة للسلطة)”، عام 2010.
نفس الفكرة (معاداة السامية) تناولها في كتابه “Der allgegenwärtige Antisemit oder die Angst der Deutschen vor der Vergangenheit (معاداة السامية المنتشرة في كل مكان أو خوف الألمان من الماضي)”، الذي صدر عام 2018.
وفي أغلب مؤلفاته نجد أن الفكرة المركزية المسيطرة عليه هي الصهيونية و”إسرائيل”، وإن تداخلت معها علاقة ألمانيا بـ”إسرائيل”، ومنها ” Israel – Deutschland – Israel.. Reflexionen eines Heimatlosen (إسرائيل – ألمانيا – إسرائيل: تأملات شخص بلا مأوى)”.
وكتابه “Zweierlei Holocaust: Der Holocaust in den politischen Kulturen Israels und Deutschlands (نوعان من الهولوكوست: المحرقة في الثقافات السياسية لإسرائيل وألمانيا)”.
وكذلك كتابه “Wider den Zeitgeist: Aufsätze und Gespräche über Juden, Deutsche, den Nahostkonflikt und den Antisemitismus (ضد روح العصر: مقالات ومحادثات حول اليهود والألمان والصراع في الشرق الأوسط ومعاداة السامية)”.
هذه العلاقة مع ألمانيا ينطلق إليها زوكرمان من منطلقين، وهما أنه مواطن ألماني يؤلّف ويكتب بالألمانية، بجانب كونه إسرائيلي الجنسية والمولد.
أما المنطلق الآخر فهو علاقة ألمانيا نفسها بـ”إسرائيل”، باعتبار أن المحرقة النازية كانت العامل المحفّز لقيام “إسرائيل” عام 1948، وما زالت ألمانيا حتى اليوم تحمل عقدة الذنب تجاه اليهود، وتدفع ثمنها مواقفًا سياسية واقتصادية وعسكرية داعمة لـ”إسرائيل”.
لماذا ترك الصهيونية؟
“لقد كنت صهيونيًا لأنني شعرت أنه بعد عام 1945 كان من الضروري إنشاء دولة يهودية، لكن اليوم لم يعد بإمكاني أن أكون صهيونيًا، لأن الصهيونية تحولت إلى العنصرية والتوسعية”، بهذه الكلمات يوضح وكرمان سبب تركه للصهيونية بعد اعتناقها.
ويوضح أن الاضطهاد الذي عانى منه اليهود في أوروبا، والذي تجلى في المحرقة النازية خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، جعل من الضروري إنقاذ اليهود بتأسيس دولة لهم، بصرف النظر عن مكان هذه الدولة، واختيار فلسطين مقرًّا لها.
لكن ما حدث هو أن “إسرائيل” أُقيمت على أراضي الفلسطينيين، والأهم أن ذلك كان مصحوبًا بتهجيرهم واحتلال أرضهم، وانتهاكهم بكل الوسائل، وزاد الأمر بعد عام 1967 حين بدأت “إسرائيل” تتوسع في الاستيطان بالأراضي الفلسطينية، ومن وقتها صار القمع والقهر سمة تعامُل “إسرائيل” مع الفلسطينيين، وهو ما يرفضه زوكرمان بحسب قوله.
ويرى زوكرمان أن هذا العنف الذي تمارسه “إسرائيل” ضد الفلسطينيين منبعه بنية الدولة الصهيونية الممزقة بالأساس، فمنذ تأسيسها لم تستوفِ “إسرائيل” شروط إقامة الدولة القومية الحديثة، فاليهود لم يمتلكوا إقليمًا ولم يكونوا جماعة متجانسة، ولم يكن الأساس الثقافي للغة الوطنية موجودًا.
كذلك إن ما تسعى إليه السياسة الإسرائيلية منذ تأسيس الدولة هو عكس الأساس الذي بُنيت عليه الحركة الصهيونية ذاتها قبل قيام “إسرائيل”، كحركة علمانية مدنية كانت ذات طابع اشتراكي، لكنها تحولت إلى حركة دينية بعد إعلان الدولة الإسرائيلية كدولة يهودية، وهو أمر يتناقض مع القيم العلمانية المدنية، وبالتالي هناك أزمة في هوية الدولة ذاتها يدفع نحو تفكُّكها من الداخل.
ولذلك كانت وما زالت “إسرائيل” تعاني صراعًا بين المتدينين وغير المتدينين، بين اليهود السفارديم الشرقيين والأشكناز الأوروبيين، بين المقيمين منذ زمن طويل والمهاجرين الجدد، ويتسع هذا الصراع وينذر بانفجار “إسرائيل” من داخلها، يقول زوكرمان.
وبسبب هذا التمزق المجتمعي تخلق الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لا سيما اليمينية منها، صراعًا مع الآخر الفلسطيني أو العربي أو المسلم، وتخيف المجتمع بما يسمّيه زوكرمان صنم القضية الأمنية، لأجل توحيد هذا المجتمع الممزق خلف قضية وجوده نفسه.
يقول زوكرمان إن الاحتلال واضطهاد الفلسطينيين صار جزءًا لا يتجزأ من الصورة الذاتية للدولة الصهيونية، وبالتالي صار التوصل إلى حل سياسي سلمي للصراع مع الفلسطينيين أمرًا محظورًا إلى حدّ كبير، وهو ما تسعى إليه السياسة الإسرائيلية منذ عقود.
ونتيجة لذلك صارت “إسرائيل” أسوأ مكان يمكن أن يعيش فيه اليهود، حسبما يرى زوكرمان، نتيجة للصراعات العسكرية والخطورة الأمنية التي خلقتها “إسرائيل” ذاتها لمواطنيها، وبدا ذلك جدًّا في هجمات “طوفان الأقصى”، ولذلك تحمل “إسرائيل” والصهيونية عمومًا في داخلها عوامل انتهائها ووصلت إلى طريق مسدود، بحسب قوله.
ويرى زوكرمان أن الحل نحو بقاء اليهود في فلسطين، وفي الوقت نفسه نيل الفلسطينيين حقوقهم، هو إنشاء دولة واحدة علمانية تسعهما معًا، دولة ليست يهودية، ربما تكون كونفيدرالية يتمتع فيها الجميع بنفس الحقوق والواجبات، دون تمييز بينهم، وبغير ذلك فإن الحروب ستظل مستمرة، وستتجه الصهيونية إلى المزيد من التدهور الذي قد يصل إلى الفناء، لكن بعد أثمان فادحة يدفعها الجميع، بمن فيهم الفلسطينيين واليهود بالتأكيد.
وبالطبع ما يطرحه زوكرمان يلغي وجود “إسرائيل” كدولة يهودية عبرية، باعتبار أن الأراضي الفلسطينية كانت تاريخيًا تتسع لليهود والمسيحيين بجانب المسلمين، وبالتالي إن وجود اليهود في دولة غير يهودية هو نسف لفكرة “إسرائيل” ذاتها.
أنا ابن الناجين من المحرقة
بسبب أفكاره يناضل زوكرمان ضد ألمانيا باعتبارها الداعم الأكبر لـ”إسرائيل” بعد الولايات المتحدة، وتتفوق على الولايات المتحدة بالتضييق على مواطنيها في انتقاد “إسرائيل”، الأمر الذي يصل إلى حد اعتقالهم.
يقول في مؤلفاته السابقة إن الصهيونية واليهودية و”إسرائيل” ليسوا شيئًا واحدًا، فهناك يهود ليسوا بإسرائيليين، وهناك يهود ليسوا صهاينة، وهناك صهاينة ليسوا بيهود أو إسرائيليين، وبالتالي ليس كل من ينتقد أو يهاجم “إسرائيل” معادٍ للسامية، بل يمكن أن تكون يهوديًا وتهاجم “إسرائيل”، بينما هناك صهاينة لا يعتنقون الديانة اليهودية يدافعون عن “إسرائيل” أكثر من اليهود أنفسهم.
هذه الفكرة يصرّ زوكرمان على تكرارها في كتاباته ولقاءاته، منتقدًا تهديد كل من ينتقد “إسرائيل” باتهامه بمعاداة السامية، وربما آخر ما تعرّض له زوكرمان كان منعه من إلقاء ندوة دعاه إليها مركز تعليم الكبار في هايلبورن (VHS Heilbronn) خلال مارس/ آذار 2024.
جاء ذلك بعد إرسال مدير المركز رسالة إلى مفوض الحكومة الفيدرالية للحياة اليهودية في ألمانيا ومكافحة معاداة السامية، يسأله فيها عن مدى موافقته على استضافة زوكرمان بالمركز، فكان ردّ مفوض الحكومة كالتالي:
“يعتبر موشيه زوكرمان مثيرًا للجدل إلى حد كبير بسبب مواقفه تجاه إسرائيل، على سبيل المثال، تمّت دعوته كمتحدث في حدث نظمته حركة المقاطعة (حركة مقاطعة إسرائيل) في عام 2022، كما أنه يرى أن هناك فصلًا عنصريًا بشكل أساسي ضد غير اليهود في إسرائيل، وهذه المواقف تعتبر معاداة للسامية”.
وردّ زوكرمان على ذلك قائلًا: “أنا ابن الناجين من المحرقة، وكان والداي من الناجين من أوشفيتز”، ساخرًا من اتهام الحكومة الألمانية له بمعاداة السامية قائلًا: “وبما أنني يهودي نجا والداه من المحرقة، يجب أن أسمح لبعض المسؤولين الألمان أن يخبروني بأنني معادٍ للسامية لأنني أنتقد البلد الذي أعيش فيه”.
وأضاف: “أفضل طريقة اليوم لإسكات الناس في ألمانيا ووضع الكمامة على أفواههم، هو اتهامهم بمعاداة السامية!”.
ثم تطرق إلى حديثه عن اتهام “إسرائيل” بأنها دولة فصل عنصري، فقال إن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية مسألة معترف بها من القانون الدولي ذاته، ومن المنظمات الدولية، ومع ذلك “إسرائيل” تنتهك هذا القانون منذ عام 1967، وتقيم نظامَين للعدالة، أحدهما نظام قضائي مدني لليهود الإسرائيليين، والآخر قضاء عسكري ضد الفلسطينيين، وهذا لا ينطبق عليه إلا تصنيف الفصل العنصري.
وكتب زوكرمان مقالًا في مجلة OVERTON فضح خلاله تصرف الحكومة الألمانية معه، وشرح كل التفاصيل والاتصالات التي جرت مع مركز تعليم الكبار الذي دعاه بالأساس لندوة عن الأحداث الجارية في غزة، ثم تراجع عنها بعد اتصالات مع جهات حكومية ألمانية ومنها وزارة الداخلية.
زوكرمان وطوفان الأقصى
رغم إدانته قتل مدنيين إسرائيليين في هجمات “طوفان الأقصى”، حسب زعمه، ورغم هجومه على حركة حماس، إلا أن زوكرمان يرى أن مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي حق لهم.
يرى أن الاضطهاد والاحتلال الممتد والاستيطان الذي يزيد والحصار المضروب على قطاع غزة، كل هذه الأشياء تجعل رد الفعل المنطقي من الفلسطينيين هو المقاومة، مؤكدًا أن ما حدث يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول تعود جذوره إلى حوالي 75 عامًا منذ النكبة الفلسطينية عام 1948.
وحذّر زوكرمان “إسرائيل” ممّا تفعله في قطاع غزة من قتل همجي وتدمير، مؤكدًا أن الجيل القادم من الفلسطينيين قد بدأ يكبر بالفعل، وسوف يكره “إسرائيل” بشدة، وبالتالي إن السابع من أكتوبر سيتكرر بسيناريوهات جديدة طالما بقيَ الاحتلال والقمع، فلن تمحو الذاكرة ما تفعله “إسرائيل” في غزة.
واعتبر زوكرمان أن ما حدث يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول هو الكارثة الأكبر التي تشهدها “إسرائيل” منذ قيامها، ولا تزال عواقبها غير متوقعة، ولا ندري ماذا سيحدث نتيجة لها.
ويرى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يحتاج إلى مثل هذا الحدث للهروب من أزمة داخلية تلاحقه، حيث يتهم بالفساد والاحتيال والاختلاس، ناهيك عن محاولة انقلاب سمّاها الإصلاح القضائي، فجاء طوفان الأقصى في وقت كان الشارع الإسرائيلي يغلي ضده فأنقذه، حيث يسعى نتنياهو إلى إطالة أمد الحرب على غزة بوحشية للهرب من محاكمته على أكبر فشل أمني في تاريخ “إسرائيل”، ناهيك عن اتهامه شخصيًا بالفساد قبل هجمات حماس.
هذه الرؤية التي يتبنّاها زوكرمان لا يكفّ عن ترويجها في وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية عمومًا، وهو الأمر الذي جعله ضيفًا على جهات خارج ألمانيا تتخذ موقفًا مناهضًا لـ”إسرائيل”، مثل حزب العمل التركي الذي استضافه في مؤتمره الذي انعقد يوم 6 يونيو/ حزيران 2024، لمناقشة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة.
وخلال المؤتمر أدان زوكرمان المجتمع الدولي بالتقاعس عن وقف الحرب في غزة، وعدم القدرة على التأثير في حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة التي قادت المنطقة إلى حرب يدفع ثمنها آلاف الأبرياء.
ولا يرى زوكرمان أملًا في “إسرائيل”، مؤكدًا أن الحكومة الحالية ومن سبقوها لم تُرِد السلام، مؤكدًا أن الحديث عن السلام هو كذبة المشروع الصهيوني، حتى حكومة إسحاق رابين نفسها التي أرادت السلام أنشأت مستوطنات في الأراضي الفلسطينية، ورغم ذلك دفع الرجل ثمن خطواته نحو السلام الذي لم يحققه.
ورغم تشاؤمه، يطرح زوكرمان رؤاه للسلام باعتبار أن ذلك هو ما يملكه كمفكر، ويقول إن حل الدولتَين غير منطقي، إنما دولة واحدة كونفيدرالية تستوعب الجميع.